“بعد هدم قبره” حكاية عبدالله الزهدي بك خطاط المسجد النبوي وكسوة الكعبة
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
خرج مدفن الخطاط عبدالله الزهدي بك من الجغرافيا ودخل التاريخ إذ تم هدم مقبرته الكائنة في منطقة الإمام الشافعي بالقاهرة، وجاءت إزالة القبر بعد سنوات طويلة من عدم تسجيله كمبنى أثري في وزارة الآثار.
سيرة عبدالله الزهدي بك
ليس معروفًا على وجه الدقة تاريخ ميلاد عبدالله بك الزهدي نجل عبدالقادر أفندي البقمي التميمي النابلسي، إذ تقول بعض الآراء من مواليد مدينة كوتاهية التركية عام 1836م[1]، لأسرة عربية تعود جذورها إلى قبيلة البقوم في الحجاز، ونشأت في مدينة نابلس الفلسطينية، لكن أرجح الآراء ما ذهب إليه المؤرخ خالد عزب حيث قال أنه ولد قبل عام 1835م، وقد هاجر مع والده إلى مدينة كوتاهية ثم إلى اسطنبول.[2]
تعلم عبدالله بك الزُّهْدِي الخط على يد راشد أفندي المشهور بأيوب علي حارس ضريح الصحابي أبو أيوب الأنصاري، وكذلك الخطاط العثماني مصطفى عزت وأخذ إجازة في الخط ليتم تعيينه مدرسًا للخط والرسم في مدرسة مشقخانة بجامع نور عثمانية بحي تشنبرلي طاش ببلدية الفاتح في تركيا الآن، ثم عمل في مدرسة المهندسخانة البرية العثمانية.
عبدالله بك الزهدي ودوره كخطاط للمسجد النبوي
أخذ عبدالله بك الزُّهْدِي شهرة واسعة في عمله أهلته ليكون أحد المرشحين بقوة لعمل خطوط المسجد النبوي الشريف في عمارة السلطان عبدالمجيد الأول للمسجد النبوي سنة 1854م / 1270هـ.
وحكى الدكتور خالد عزب والدكتور محمد حسن أن السلطان عبدالمجيد الأول أثناء مروره على الخطاطين في اسطنبول وجد فيهم الشاب عبدالله بك الزُّهْدِي واستوقفه مهارته وجمال خطه فأمر بصرف معاش له مدى الحياة قدره 7500 قرش وتكليفه بمهمة كتابة خطوط المسجد النبوي.
كان اختيار وتحديد النصوص التي كتبها عبدالله بك الزُّهْدِي وفريقه استغرقت سنة وثمانية أشهر قبل تنفيذها وظلت الكتابات وتخطيطها مستمرة حتى وفاة السلطان عبدالمجيد الأول العثماني، وكان من أهم ميزاتها أنها أخذت هيبةً ووقار وابتعادها عن البهرجة والمغالاة في تنوع الزخارف.[3]
جاء عبدالله بك الزُّهْدِي من الآستانة للمدينة المنورة ومكث بها 3 سنوات وكتبت جميع ما هو مكتوب في قباب المسجد وجدرانه من السور والآيات والقصائد مثل سورة الكهف وسورة الرحمن في قباب الروضة الشريفة وقصيدة البردة وما يليه من الرواقين القبليين، وفي الحائط القبلي آيات قرآنية وأسماء النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن أسقف المسجد وجدرانها.[4]
مع العام 1858م أنعم السلطان العثماني على عبدالله بك الزُّهْدِي بالنيشان المجيدي من الدرجة الثالثة، ولم يكن قد انتهى من كل أعمال خطوط المسجد النبوي، ثم جاءت وفاة السلطان عبدالمجيد الأول في يونيو 1861م فصدر أمر له بالتوقف عن العمل وصدور قرار بوقف المعاش الذي أمر به السلطان الراحل، فرجع للآستانة وحاول أن يثني المسؤولين في الآستانة عن قرار وقف كتابة خطوط المسجد النبوي لكنه فشل في ذلك لكثرة الحاقدين عليه منذ زمن عبدالمجيد الأول، لكن لاحقًا تم الموافقة على استكماله للخطوط لكن دون صرف معاشه فذهب للآستانة ليسترد معاشه لكن لم يأخذه فقرر الرحيل إلى مصر.[5]
عبدالله بك الزهدي في مصر وأعماله
كان قدوم عبدالله بك الزُّهْدِي إلى مصر بمثابة تطور للطفرة التي شهدتها المنشآت المصرية في زمن الخديوي إسماعيل والذي أحسن استقباله وأطلق عليه لقب خطاط مصر الأول عام 1866م، وعينه في مدرسة الخط العربي.
أعطى الخديوي إسماعيل لعبدالله الزُّهْدِي مهمة كتابة خطوط الأوراق الرسمية للخديوية المصرية، ثم كتابة خطوط المساجد والمدارس، فكان من أعماله تنفيذ الكتابات الموجودة على سبيل أم عباس في شارع الصليبة بالخط الثلث، وكذلك خطوط جامع الرفاعي، فضلاً عن لوحة تأسيس مدرسة خليل أغا.
إلى جانب ذلك أيضًا كتب عبدالله بك الزُّهْدِي نسخة من المصحف الشريف لأحد البشوات في مصر وأخذ عنه 30 ألف قرش، فضلاً عن نسخٍ أخرى لسورة الأنعام وبعض سور القرآن، إلى جانب كتب الأدعية والأوراد وقصيدة البُرْدَة للإمام البوصيري.
بالتأكيد كان الوَجع النفسي بداخل عبدالله بك الزُّهْدِي كبيرًا نتيجة للمعاناة والحرب الشعواء التي خاضها الحاقدين عليه وقت كتابة خطوط المسجد النبوي، ليجد نفسه أمام مهمة مقدسة أخرى للبلد الحرام الشريفة لكن عن طريق إذ كلفته مصر بأن يكون هو خطاط الكسوة المصرية للكعبة المكرمة، وبذلك صار خطاط الحرمين الحرم المكي والحرم المدني وبقي كذلك حتى توفي سنة 1879م.
مات عبدالله بك الزُّهْدِي ورثاه أحد الشعراء بقوله:
مات رب الخطّ والأقلامُ قد ◊ نَكَّسَت أعلامها حُزنًا عليه
وانثنت من حسرةٍ قاماتُها ◊ بعد أن كانت تُباهي في يديه
ولذا قلت قلت في تأريخه ◊ مات زُهدي رحمة الله عليه
[1] طه إبراهيم فتحي عبدالرحمن، لوحات خطية فنية لخطاط الحرم المدني الشريف عبدالله زهدي ضمن مجموعة خبيئة الغوري بمتحف الخط العربي بالإسكندرية، مجلة الآداب والعلوم الإنسانية، كلية السياحة والفنادق، قسم الإرشاد السياحي، جامعة المنيا، مجلد:92، عدد:2، يناير 2021م، ص339.
[2] خالد عزب ومحمد حسن، ديوان الخط العربي في مصر .. دراسة وثائقية للكتابات وأهم الخطاطين في عصر أسرة محمد علي باشا، ط/1، مكتبة الإسكندرية، 2010م، ص206.
[3] محمد هزاع الشهري، المسجد النبوي الشريف في العصر العثماني، ط/1، دار القاهرة، 2003م، ص247.
[4] البرزنجي، تاريخ المسجد النبوي المسمى نزهة الناظرين في مسجد سيد الأولين والآخرين، ط/1، مطبعة الجمالية، القاهرة، 1332هـ / 1914م، ص44.
[5] خالد عزب ومحمد حسن، ديوان الخط العربي في مصر، ص ص207–208.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال