همتك نعدل الكفة
329   مشاهدة  

إزالة مقبرة حافظ إبراهيم.. ألن تكون قصائد حب الوطن شفيعة لرفاته وحائلًا دون محو أثره!؟

رفات حافظ إبراهيم.. إلى أين؟


أشعر وكأن شاعر النيل “حافظ إبراهيم” كان حيًا بيننا الآن حين قال” وما أنت يا مصر دار الأديب.. ولا أنت بالبلد الطيب”، أينعم فقد أصبحت مصر قاسية ناكرة لتراثها، ليس عندها من الغضاضة أن تهدم ماضيها بأيديها وتجعله تحت عجلات البلدوزرات؛ فيذهب أدراج الرياح ويُمحى من ذاكرة الأجيال، ولعل خير دليل على هذا ما يحدث في مقابر القاهرة التاريخية.

 

ترعرعنا منذ نعومة أظافرنا على قصائد “حافظ إبراهيم” في حب مصر ووصفها، أهمها وأشهرها قصيدة “مصر تتحدث عن نفسها” والتي لا زالت كلماتها ترن في آذاننا بصوت كوكب الشرق “أم كلثوم”:
وَقَف الْخَلْق يَنْظُرُون جَمِيعًا
كَيْف ابْنِي قَوَاعِد الْمَجْد وَحْدِي
وَبَنَاه الأهْرَام فِى سَالِف الدَّهْر

 

حافظ إبراهيم والبارودي.. تشابه أسلوب شعري ومصير مجهول تحت الثرى

لكن عشقه لتراب هذا البلد لم يشفع له أمام الجهات التنفيذية التي أخطرت أسرته بقرار المحافظة بهدم المقبرة ومطالبتهم بنقل رفاته، حاله كحال مقبرة رب السيف والقلم “محمود سامي البارودي” الذي كان مثله الأعلى (1)، وسار على نهجه في أمور شتى، فأصبح أحد رموز مدرسة “البعث والإحياء” في الشعر العربي، كما اتبع أسلوبه الشعري؛ لذا كانت قوالب شعره تمتاز دائمًا بما تمتاز به قوالب “البارودي” من الرصانة والجزالة والبعث لأساليب العربية الأصيلة.

الجمع بين المجال الأدبي والعسكري.. السير على نهج المثل الأعلى

كما التحق “حافظ” بالمدرسة الحربية تاركًا مهنة المحاماة، وكان ذلك ناشئًا عن رغبة ملحة في نفسه لأن تصبح سيرته مثل سيرة “البارودي” من جميع الأوجه، والتي تخرج منها سنة ١٨٩١م برتبة ملازم ثانِ في الجيش المصري، وتلى ذلك تعيينه في وزارة الحربية ومكث بها ثلاث سنوات إلى أن نُقِل إلى وزارة الداخلية فلم يقضي بها إلا عامًا واحدًا، ثم عاد إلى الحربية فألحق بالحملة الأخيرة إلى السودان لكن سرعان ما عاد إلى أحضان وطنه ضائقًا بالإقامة بالسودان، وذلك لخلافه مع رئيس له ولكراهية اللورد “كتشنر” له (2)، والذي كان تحت قيادته، فأُحيل إلى الاستيداع.

 

مقبرة حافظ إبراهيم
مقبرة حافظ إبراهيم

حافظ إبراهيم.. مولد على ضفاف النيل

جمع حب الأدب العربي وفصاحة اللغة ما بين “حافظ إبراهيم” وأمير الشعراء “أحمد شوقي”، فكانت بينهما صداقة قوية، وهو من لقبه بشاعر النيل، حيث وُلد “محمد حافظ إبراهيم” على متن سفينة، أقامت فيها والدته التركية “هانم بنت أحمد البورصة لي” برفقة والده “إبراهيم فهمي” الذي كان من طائفة المهندسين المصريين المشرفين على القناطر القائمة على النيل ببلدة “ديروط” بمحافظة أسيوط، عام ١٨٧٢م.

ما أن بلغ “حافظ” الرابعة من عمره ولم يكن تشبّع من حنان الأبوة بعد، تشاء الأقدار أن يتوفى والده، فاضطرت والدته للانتقال به إلى القاهرة، وتكفل خاله برعايته وألحقه بالكُتّاب والعديد من المدارس التي كان آخرها المدرسة الخديوية، ولم يقتصر على دراسته فقط بل أخذ يقرأ الكتب الأدبية من بينها كتاب “الأغاني” للأصفهاني، ودواوين الشعراء وحفظ ما يحلو له منها.

 

“شاعر الشعب”.. ظروف حياة قاسية جعلته متحدثًا بلسان حال قومه

وكان لنشأة “حافظ” يتيماً في أسرة متوسطة الحال أثر بالغ في طبيعة شعره وشخصيته الأدبية، حيث دعاه ذلك للشعور بآلام الشعب من حزن وبؤس وفقر وشكوى، فاستطاع التعبير عما يختلج صدورهم في قصائده ببلاغةٍ محكمة ما جعله مقربًا لأبناء وطنه، معاصرًا لكل ما يدور في بلده من أحداث وظهر ذلك جليًا حين كتب قصيدته عن حادثة دنشواي سنة ١٩٠٦م، واستحق بذلك لقب “شاعر الشعب”.

وتبعًا لضيق حال “حافظ”، فقد كان تعليمه تعليمًا متوسطًا لذا كانت ثقافته بالآداب الأجنبية محدودة ومعرفته بها قاصرة، ولم يعرف إلا بضعًا من الفرنسية، فترجم “البؤساء” لفيكتور هوجو ترجمة ضمنية وليست ترجمة حرفية دقيقة، وكتاب “في التربية الأولية”، وتشارك مع “خليل مطران” في “الموجز في علم الاقتصاد”.

 

وفي سنة ١٩١١م عينه “حشمت باشا” وزير التربية والتعليم حينئذ في القسم الأدبي بدار الكتب المصرية، وظل بها إلى سنة ١٩٣٢م حين أحيل على المعاش في عهد وزارة “صدقي باشا”، وذلك قبل وفاته ببضعة أشهر، وكان قد نال البكوية سنة ١٩١٢م.

 

في وصف “شاعر النيل”

نحن بصدد شاعرٍ مزج بين مشاعر مختلفة فهو مرهف الحس، قوى العاطفة، فكان نصف شعره رثاءً، وفي الوقت نفسه كان -ظاهريًا- ضحوكًا مرحًا يميل للسرور والمداعبات، وحسب قول أصدقاؤه في وصفه ” غض الإهاب، جديد الشباب، به ظُرف ولطف محاضرة، وبديهة مطاوعة، وسرعة خاطر، وحضور نادر، وسعة إطلاع، وحفظ للشعر”، وكان تدور بينه وبينهم مطارحات شعرية ومسامرات أدبية وتبادل لنوادر الأدب من جيد الشعر، مما كشف عن حفظه الكثير منه (3)، كما أنه كان مجيدًا للإلقاء وتفوق في ذلك على “أحمد شوقي”، حيث كان يؤثر في عواطف مستمعيه بنبرات صوته وقوة ألفاظ قصائده التي كان ينتقيها وعذوبة معانيها؛ لذا كان “حافظ” ذا صيت ذائع في المحافل والمجالس الأدبية.

إقرأ أيضا
ليلة وردة

لمع نجم “حافظ إبراهيم” على مدار حياته، لذا التقى بالعديد من من الشخصيات المؤثرة في مصر من أدباء وزعماء كالإمام محمد عبده، وقاسم أمين، ووالزعيم الوطني سعد زغلول، والزعيم مصطفى كامل، وأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد وغيرهم الكثير.

 

نظم وقصائد لم ترى النور

لطالما تجلت روح”حافظ” الوطنية وشخصيته الثائرة الرافضة لكل شتى أنواع الظلم في قصائده، مازجًا إياها بالطابع الديني، ولكنه لم ينشر جميعها على الملأ حتى يتقى غياهب السجون؛ لذا لم يشتمل ديوانه على جميع ما نظمه ولم يصل إلينا جزءًا منها، وقد قال الأديب “شوقي ضيف” “إن من الظلم أن نقيس حافظاً في شعره الوطني بما نشر فقد مر بنا أن كثيرًا من هذا الشعر لم ينشر”.

ديوان حافظ
ديوان حافظ

رحل شاعر النيل تاركًا لنا تراثًا خالدًا، وحفاظًا على هذا الإرث من التناثر والضياع جُمع شعره في “ديوان حافظ” المكون من جزئين، لكننا الآن في زمننا وللأسف بتنا نخشى على حرمات رفاته ورفات عظماء كُثر كانوا وما زالوا علامة مضيئة في تاريخ مصر.

 


المراجع

(1) كتاب الأدب العربي المعاصر في مصر، الفصل الثالث أعلام الشعر، شوقي ضيف، المكتبة الشاملة، ص 104.
(2) شاعر الشعب وشاعر النيل،دكتور يوسف نوفل، ص21.
(3) السابق ذكره، ص18.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان