نظرة على لوحة بول كلي وتأثره بنهار المغرب العربي .. حديقة في سان جيرمان بتونس

تأثر الفنان بول كلي بزيارته لتونس، حيث هناك احتك بثقافة مختلفة وظروف مختلفة؛ وأشهر لوحات بول كلي هي هذه اللوحة التي رسمها لتعبر في داخلها عن هذا التأثر بالمغرب العربي.

و العمل يصور مجموعة من المنازل والأشجار في مساحة مفتوحة من الأرض ويغلب هنا على العمل أسلوب يلجأ فيه الفنان إلى تحويل التفاصيل إلى مسطحات هندسية لونية حتى يبدو العمل في مجمله أقرب إلى النسيج اللوني الهندسي في أغلبه.

يستخدم الفنان الألوان بطريقة شفافة بحيث يترك فرصة للتأثيرات اللونية العفوية حين تندمج بفعل الوسيط (المادة التي يخلط بها اللون زيت أو مياه) مما يحقق مساحات من الدرجات الشفافة تمنح معظم أجزاء العمل إحساسا بالرقة والنعومة والإنسيابية. 

كان الفنان متأثرا بشكل كبير لإضاءة الشمس القوية في بلاد المغرب العربي، وهو يكشف عن ذلك في خطاباته حين يقول:

أنه لأول مرة يرى الألوان في صورتها الحقيقية، ولذلك فإننا نلاحظ زهوة الألوان وسخونتها في معظم أجزاء التكوين، في حين يلجأ الفنان إلى استخدام الدرجات اللونية الباردة في حيز محدود جدا من التكوين يعبر به عن الأفق أو عن السماء، كما يلاحظ أن نصف مساحة التكوين في الجزء الأسفل من التكوين يكاد يخلو من العناصر وتغلب عليه أيضا الدرجات اللونية الدافئة، ليعبر بذلك عن طبيعة البيئة الصحراوية في هذه البلاد.

اقرأ أيضا…كيف يرى محمود سعيد الموت

يراعي الفنان توزيع المساحات اللونية القاتمة في أجزاء مختلفة من العمل ، إلى اليمين وإلى اليسار وفي المنتصف، ليحقق شكلا من أشكال الاتزان التصميمي، ويستخدم تأثيرا رأسيا أشبه بالنغمات التي تتابع محدثة إيقاعا بصريا يتحرك من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ويساعد في إيجاد وحدة عضوية تربط بين أجزاء العمل المختلفة.

وجود العناصر النباتية التي يتناولها الفنان بشكل مختزل، تكشف عن الأسلوب الفطري الذي كان يميز الفنان ، وهي تساهم في إيجاد تنوع بصري يتناغم مع الإيقاعات الهندسية التي تتشكل من خلال تفاصيل المنازل .

الأجزاء التي يتركها الفنان دون تلوين تعبر عن طبيعة البيئة التي كان يجسدها الفنان، حيث أنه كان منبهرا باللون الأبيض الساطع الذي يميز ملابس هذه المناطق أو هذه البلاد .

إقرأ أيضا

“لإنعاش الحنين” الميزان ينشر صور إمساكيات رمضان التسعينات في مصر

علاوة على أن الألوان المتعددة تحقق إحساسه بطبيعة الثقافة الفنية البصرية لهذه المجتمعات خاصة ما رأه في المناسبات والاحتفالات والأعراس.

كان الفنان بول كلي يسعى من خلال هذه التجارب إلى إيجاد مخرج تشكيلي وبصري بعيدًا عن الأنماط والأشكال المألوفة في المشاهد الطبيعية لبلاده، وقد حققت زيارته بتونس بشكل خاص هذه الرغبة في إنجاز عمل غني يقوم على النسيج اللوني والبناء الهندسي المحكم ويعكس دفء وحرارة البيئة مع الحفاظ على رقة الأداء ونعومته والتي تحققت من خلال استخدامه للألوان المائية لتصبح لوحته في النهاية أشبه بقطعة مسيحية مستوحاة من ثقافة وبيئة المشرق العربي.

المصدر: تحليل اللوحة والمعلومات لدكتور محمد عبد السلام ، أستاذ بكلية الفنون جامعة الإسكندرية وبأكاديمية الفنون.