“شارع شجرة المندورة في المنيل” تاريخ وكر الخرافة والطواف حول الجمادات المقدسة
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
فتح شارع شجرة المندورة في المنيل بابًا من الدجل، ولا زال الشارع موجودًا لكن الذي تغير فيه ما كان يحدث من الشعوذة خلال عشرينيات القرن الماضي.
أصل تسمية شارع شجرة المندورة في المنيل
يقع شارع شجرة المندورة في المنيل قبل قصر المانسترلي باشا وبجوار مسجد التقوى، وهناك أسباب كثيرة ذهب لها المؤرخين وراء تسمية هذا الإسم.
ذكر أحمد باشا تيمور أن سبب تسمية شجرة المندورة نسبةً إلى شجرة جميز يعتقد الناس فيها ومزاعم غريبة، أما المندورة فهو محرف المنذورة والمراد المنذور لها.(1)
فيما يقول علي باشا مبارك عنها في خططه «بستان المندورة للسادات الوفائية(2)، واسمه منقول من شجرة نبق تسمى المندورة تعتقدها النساء وكثير من الرجال وينسبون لها كرامات في شفاء أمرض كثيرة وتُزار». (3)
بينما يذهب الباحث الصوفي حسن قاسم إلى أن مندورة هي شيخة صالحة يقع قبرها على شاطىء النيل داخل بستان، وخارج البستان يوجد شجرة يسمونها شجرة المندورة, وقد أطلق هذا الاسم على الشجرة نسبةً لاسم الشيخة أو الضريح ولكن هي فى الأصل شجرة جميز.(4)
رغم خلاف المؤرخين والباحثين حول اسم المندورة، إلا أن الاتفاق فيما بينهم كان حول اعتقاد الناس في الشجرة والبساتين المحيطة بها وأن فيهم كرامات، فكيف كان ذلك ؟.
تاريخ الدجل والشعوذة في شارع المندورة
بستان المندورة كان يضم شجرة جميز و 3 أشجار من الباذنجان، واعتقد الناس فيهم الكرامات، فقد كانت شجرة الجميز (المندورة) يخرج منها مادة بيضاء جراء نقرها بآلة حادة أو صلبة، لكن كان بها سائل لونه أحمر واعتقد الناس فيه أنه دم تنزفه الشجرة وله دور هام في العلاج؛ أما شجرات الباذنجان فكان اعتقاد الناس فيها عجيبًا إذ يعتقدون أن الطواف حولها يفيد الأم التي يجف لبنها.
وجميع هذه الأشجار زيارتها والطواف حولها حسب زعم من اعتقد فيها مفيد للمرأة العاقر والعانس وحتى من على خلاف مع زوجها ويتم تقديم النذور لها كل يوم جمعة.
ثمة 3 أمور لافتة في قصة شجرة المندورة أعطى محرر مجلة الدنيا المصورة عام 1925م تفاصيلاً دقيقةً بشأنها، أولها جميع النساء اللاتي يجتمعن هناك لسن من الطبقة الجاهلة، فهن من طبقات متفاوتة بين أغنياء وفقراء، وجميعهن يقومون بالجثو على ركبهن ويزحفن بأيديهن وأرجلهن حول الشجر 7 مرات وهن يدعين بالزواج أو الإنجاب أو أي مشكلةٍ أخرى.(5)
ثاني تلك الأمور أنها كانت مكان سياحي للأجانب وتحديدًا الألمان والأمريكان، ويفدون لها مع الأولاد أو يحملون دليل السياح في أيديهن ويصلون لها عن طريق الجيزة أو الروضة، مما يعني أن بعض موظفي السياحة في ذلك الزمان كانوا على علم بما يحدث.
أما ثالث الأمور أن زائرات الشجر لسن من المسلمات فقط، بل أيضًا هناك يهوديات يقمن بزيارتها أيام الآحاد بقصد التبرك لاعتقادهم أن صاحبة القبر هي امرأة يهودية مقدسة لا تفرق بين الأديان.
جنينة المندورة وهو الاسم حينها في الأساس هي أرض وقف تبلغ مساحتها 10 أفندة أوقفها الشيخ محمد أبو الأنوار السادات، وناظر الوقف هو عبدالرحيم فهمي باشا ويقوم باستغلالها وزرعها بمساعدة اثنين من المستحقين للوقف وهما مصطفى ومحمد القلعي.
اقرأ أيضًا
“غرائب ما قاله الحجيج في الحج زمان” سب الدين ومناداة الكعبة بالست ليلة
وقد حاولوا منع الناس من الزيارة بشتى الطرق فلم يفلحوا، فلجأوا لحلٍ آخر وهو إرهاقهم ماليًا فقرروا أن تكون الزيارة بتذكرة يبلغ سعرها 5 مليمات؛ لكن هذا الحل لم يؤتي ثماره بل زاد من زوارها، والفقير يقوم بالتسلل ليلاً؛ فبقي الزمن هو الكفيل لحل تلك المشكلة فلم يعد أي مظهر من المظاهر القديمة موجودة الآن في المنطقة.
(1) أحمد تيمور، المشتهى بحث طريف لم ينشر، مجلة الرسالة، عدد: 31، يوم 5 فبراير 1934م، ص214.
(2) هم شيوخ صوفية ينتسبون إلى الشيخ الشيخ محمد وفا، ولهم جامعة باسمهم في المقطم بالقرب من ضريح ابن عطاء الله السكندري.
(3) علي مبارك، الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة، ج18، ط/1، المطبعة الأميرية الكبرى في بولاق، القاهرة، 1306هـ / 1889م، ص11.
(4) حسن قاسم، ضريح الشيخة المندورة، موقع د. محمود صبيح، 29 إبريل 2014م
(5) محرر، غرائب المعتقدات .. المعجزات التي تنسبها العامة إلى شجرة المندورة، مجلة الدنيا المصورة، عدد 32، يوم 25 ديسمبر 1925م، ص4.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال