96 مشاهدة
ونعود ونغني عَ السمسمية .. كيف بدأت فكرة قوات الدفاع الشعبي في السويس؟
لم يكن الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي مُبالغًا في رائعته “يا بيوت السويس”- وهي الأغنية التي كتبها في خِضَم أحداث المقاومة الشعبية لمدينة السويس ضد العدو الإسرائيلي عقب نكسة 1967، حيث أن الأبنودي كان مقيمًا في السويس لحضور أحداث المقاومة، ولحن الأغنية الفنان إيراهيم رجب ضمن مشروع إذاعة صوت العرب للأغاني الوطنية، وكانت الأغنية مرشحة لأن يغنيها عبد الحليم حافظ إلا أن الأبنودي لم يمنحه كلماتها وقرر أن يغنيها محمد حمام مُعللًا ذلك في إحدى الحوارات على إن “العندليب” كان غارقًا في موجة الأغاني العاطفية بينما “حمام” كان مناضلًا تعرَّف عليه بعد خروجه من السجن ما أغضب عبد الحليم منه- لم يكن الأبنودي مبالغًا حين كتب “اموت يا صاحبي وقوم خُد مكاني”، والكلام هنا على لسان أفراد قوات الدفاع الشعبي حيث أنه كان قوات شديدة العزم كَلّف العدو الإسرائيلي خسائر لم يتخيلها، وكثيرون يتحدثون عن عظمة هذا الجيش ودوره يظل تكوين هذا الجيش وتشريعاته القانونية والدستورية وتشكيلاته وتدرييباته غامضة للكثيرين .. وفي تقرير مفصل كتبه اللواء أحمد فتحي عبد الغني عقب نصر أكتوبر 1973 كتب مجيبًا عن كل هذه الأسئلة ونشرته العديد من الصحف وقتها.
أغنية يا بيوت السويس
كيف بدأت فكرة قوات الدفاع الشعبي ؟
بدأت فكرة الدفاع الشعبي في أواخر عام 1968 عقب المحاولات الإسرائيلية لتدمير منشآت مصر الاقتصادية والصناعية في العمق أثناء حري الاستنزاف عن طريق استخدام العملاء أو التسلل بجماعات تخريب أو استخدام طائرات هليكوبتر فردية لإبرار جماعات صغيرة للتخريب أو إلقاء متفجرات. وكانت الإغارة على محطة الضغط العالي في نجع حمادي ليلة أول نوفمبر 1968 إحدى المحاولات الإسرائيلية ولم يكن بالمحطة سوى خفير واحد للحراسة.
وتنفيذًا لهذه الفكرة بدأ إعداد منظمات الدفاع الشعبي بموجب القانونين 55 لسنة 68 و 563 لسنة 69، والقوانين والقرارات المُكملة لها التي أوضحت التنظيم والاختصاصات والواجبات، وانشئت قيادة الدفاع الشعبي للقيام بتدريب منظمات الدفاع الشعبي في مختلف المحافظات مع المتابعة الإدارية والفنية وتحقيق الترابط بين أجهزة الدولة في مجال الدفاع عن الأهداف الحيوية، وقد تم تحديد الأهداف الحيوية في الدولة على ضوء أهميتها للاقتصاد القومي والمجهود الحربي ودرجة تعرضها، وقسمت إلى أهداف على مستوى الدولة تدافع عنها القوات المسلحة وأهداف على مستوى المحافظات تدافع عنها منظمات الدفاع الشعبي التي تتشكَّل من العمال بالنسبة للمصانع والوحدات الإنتاجية التي بها عمال مثل مصانع الحديد والصلب أو الغزل والنسيج أو السيارات (إلخ.. ) .. – أو من أهل المدينة أنفسهم- بالنسبة للمدن الهامة في العمق وسميت “مدن حماية الشعب” – أو من رجال الشرطة – بالنسبة لأهداف الحراسة المشدَّدة التي ليس لها عمال مثل محطت الري والصرف والكهرابء والمحوّلات .. أما الأهداف ذات الأهمية الثانوية فتخضع للحراسة المحلية بعناصر من الأمن العام.
التشكيلات الداخلية لقوات الدفاع الشعبي
علاوة على ذلك يضم التنظيم الشعبي متطوعين لمعاونة أجهزة الدفاع المدني للإطفاء والإنقاذ والإسعاف. وكل هذه التنظيمات السابقة تعتبر تنظيمات محلية بالمحافظة تستعد منها مقوماتها البشرية والمادية وتخضع لقيادة جماعية هي “مجلس الدفاع الشعبي” الذي يرأسه المحافظ بوصفه الرئيس الأعلى جميع المنظمات الموجودة بالمحافظة. وفي الوقت نفسه تخضع هذه التنظيمات لقيادة وسيطرة المناطق العسكرية والجيوش الميدانية لأغراض العمليات، وهي التي تقوم بتلقين المهام ومراجعة القرارات وتنظيم التعاون مع احتياطات القوات المسلحة – في حالة قربها من الأهداف الحيوية – والإشراف على واجب العمليات وتنفيذ المشروعات التدريبية على مستوى المنطقة العسكرية وعلى مستوى المحافظات التي تدخل في نطاقها.
ويضم مجلس الدفاع الشعبي بالمحافظة الذي يرأسها المحافظ خمسة عناصر هم (المستشار العسكري للمحافظة ومدير الأمن وأمين الاتحاد الاشتراكي وسكرتير عام المحافظة ومندوبو الوزارات المختلفة ذات العلاقات بالأهداف الحيوية) ويسمح التنظيم بإضافة من يرى المحافظ الاستعانة به في هذا المجال، ويكون عمل هذا المجلس من غرفة عمليات تم إنشاء واحدة منها بكل محافظة لقيادة وإدارة أعمال الدفاع الشعبي عن الأهداف الحيوية، وكذا الدفاع المدني داخل المحافظة. هذا ويتولى أعمال القيادة والسيطرة مجلس الدفاع الوطني – على مستوى الدولة – أما دور قيادة الدفاع الشعبي فيتركز في الإشراف والمتابعة ولاتدريب وتحقيق الترابط بين كافة أجهزة الدولة في هذا المجال والتأكد من استكمال المحافظات لخطط الدفاع عن الأهداف الحيوية.
ونتيجة للتدريب المستمر للأفراد والجماعات وللتجارب الميدانية والبيانات العلمية والمشروعات سواء على مستوى الهدف أم على مستوى مجموعة أهداف – مع غرفة عمليات المحافظة وبحضور المحافظ – أو على مستوى المناطق والقطاعات العسكرية مع المحافظات التي تدخل في دائرتها مع استخدام احتياطي القوات المسلحة. وبفضل الدورات التدريبية بمدرسة الدفاع الشعبي ومراكز التدريب بالمحافظات التي عُقدت للقادة على جميع المستويات : رؤساء مجالس إدارة الشركات الصناعية (كقادة للأهداف) والمديرين ومسئولي الدفاع الشعبي (داخل الهدف) وقادرة الورديات والفصائل والجماعات (من العُمال ورؤساء مجالي المدن وأمناء التنظيم السياسي) وقادرة أهداف الحراسة المشددة (من ضباط الشرطة).
نتائج نجاحات قوات الدفاع الشعبي
نتيجة لكل هذه الجهود تحوّل أكثر من 350 هدفًا حيويًا ليكون كل منها جزيرة دفاعية محاطة بالخنادق والأسلاك وأبراج المراقبة وغرفة العمليات للسيطرة ودوريات وكمائن حولها وعلى طرق الاقتراب، ويقود كل منها رئيس المصنع أو رئيس المدينة (لمدن حماية الشعب) يعاونة قادة فصائل وجماعات من نفس رجال المصنع أو شعب المدينة. وقد كانت المدن التي تم تحديدها بعد دراسة قامت بها هيئة العمليات لتكوّن (مدن حماية الشعب) كلها في العمق وخاصة العواصم والمدن التي بها صناعات هامة أو التي تقع عندها عقد مواصلات . ولم يكن من بين كل هذا مدن القنال باعتبار مدن القنال جبهة القتال الأولى لأبطال جيش الدفاع الشعبي، وكان له اليد الطولى في جميع المعارك الذي دخلها مع العدو الإسرائيلي.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
