همتك نعدل الكفة
139   مشاهدة  

الاقتصاد اللبناني بعيون المختصين

الاقتصاد اللبناني


بمجرد أن تصادفنا الأنباء عن الاقتصاد اللبناني فأننا نتوقع دون تفكير، الحديث عن أزمات بلغت منتهاها وإهمال المسؤولين لوضع حدٍ لها فأهلكت المواطن اللبناني، وارتفاع أسعار السلع بشكلٍ جنوني تبعًا لانخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار وزيادة نسب التضخم أي بصريح العبارة هو انهيار اقتصادي حاد شل أركان الدولة.

شِقي الاقتصاد اللبناني

لكن هذا القول لن يؤيده بعض الاقتصاديين اللبنانيين كالدكتور “محمود جباعي” الباحث المالي والاقتصادي الذي رأي أن هذه النظرة للاقتصاد اللبناني مغلوطة وشائعة فأحب توضيحها، منوهًا على أن الاقتصاد بلبنان قائم على شقين القطاع العام والقطاع الخاص، مؤكدًا أن المشكلة الأساسية بلبنان في القطاع العام حيث أن الدولة بسبب توغل الهدر والفساد دائمًا ما تكون الموازنة العامة سالبة ما أدى إلى وجود عجز يقدر بـ 5 مليار دولار سنويًا، كما أن القطاع العام لا يستطيع أيضًا تأمين رواتب موظفيه ولا الاستحقاقات المُطالب بها أو حتى سداد حاجات الدولة، لذا فإنه يلجأ إلى المصرف المركزي للاستدانة منه والذي كان يلجأ إلى للاستدانة من أموال المودعة بالمصارف.

الاقتصاد اللبناني
الدكتور “محمود الجباعي” الباحث المالي والاقتصادي

ولم تقتصر المشاكل التي تواجهها الدولة اللبنانية على القطاع العام بل إنها تواجه مشكلة في التشريعات والقوانين، أما عن العائق الأكبر فهو مواجهة الدولة لأزمة عظمى في إدارة مؤسساتها لذا طُرح مشروع الخصخصة منذ سنوات لكنه لم يطبق، واعتقد “جباعي” أن هذا سبب أساسي في استكمال خسائر الدولة وضرب مثالًا بقطاع الكهرباء قائلًا “لو نظرنا إلى قطاع الكهرباء على مدى 30 عامًا سنرى أنه تم صرف حوالي 50 مليار دولار على هذا القطاع فقط دون غيره، أما عن آخر 10 سنوات فقد كلف الدولة فوق طاقتها بمبالغ مالية طائلة وهو ما قيمته أكثر من 25 مليار دولار دون أن يلمس المواطن تغييرًا ملحوظًا في أمر الانقطاع المستمر للتيار حتى وصل الأمر في بعض المناطق إلى أن الكهرباء لا تأتي أكثر من ساعتين وهذا أكبر دليل على الفساد بالبلاد”.

وبالعودة للشق الثاني القائم عليه الاقتصاد اللبناني “القطاع الخاص” أشار “جباعي” إلى أنه منذ بداية عام 2019 حدثت بعض الهزات الاقتصادية بسبب انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، لكن مع مرور الزمن عاد الانتعاش للقطاع الخاص وفي عام 2022 حقق نمو اقتصادي تعدى 2% أما عام 2023 تعدى 4%، ولو كانت الدولة تمتلك قدرة اقتصادية أكبر لصار الناتج المحلي أعلى.

 

مدلولات انتعاش القطاع الخاص بلبنان

ولو تحدثنا عن النشاط الاقتصادي بالدولة اللبنانية فهو يسير بخطى ثابتة نحو الازدهار، والقطاع الخدماتي نشط وكذلك قطاع البناء عاد لينشط من جديد فسوق العقارات في ارتفاع ملحوظ حيث ارتفعت أسعار العقارات في غضون عام أكثر من 40%، وهذا يؤكد أن لبنان لديها القدرة الكاملة كقطاع خاص للخروج من الأزمة، خاصةً إذا علمنا أن القطاع الخاص بلبنان يشكل حوالي 80% وهو ما يساعد بدوره في نشاط الاقتصاد المحلي حسب ما قال “جباعي”.

مشيرًا إلى أن السبب الرئيسي في ذلك هو التحويلات المالية الكبيرة التي تحصل عليها لبنان من الخارج والتي تُقدر ما بين 6.5: 7 مليار دولار سنويًا، بالإضافة إلى دخول حوالي 4 مليار دولار من خلال التعاملات باليد ما بين موسم سياحي وتحويلات يدوية يأتي بها المغتربون إلى لبنان وغيرها، كما أن هناك حوالي 3 مليار دولار يدخلون البلاد من بعض الأحزاب والقوى السياسية التي تدفع رواتب المنتمين إليها وتعتمد على الدولار بشكلٍ كبير في تعاملاتها، علاوة على أن الجمعيات المتعددة الجنسيات تقوم بضخ عملة أجنبية كالدولار بالبلاد ما يثبت أن هناك دخل سنوي للبنان يقدر ما بين 15: 16 مليار دولار.

 

لابد من خطة تعافي

ومع جَزْم “جباعي” على حالة النمو والانتعاش للاقتصاد اللبناني إلا أنه أكد على ضرورة إيجاد حل من قِبل الدولة سريعًا لاستمرار هذه الحالة الميمونة، فالدولة بحاجة إلى الرجوع لهيبتها وإدارتها الحكيمة لتستغل الاقتصاد النقدي الذي يقدر بـ 11 مليار دولار يدور سنويًا في لبنان، محذرًا من زيادة بنسب التضخم مستقبلًا في حال بقاء القطاع الحكومي على حاله دون تطور.

وحين حدثته عن استيراد لبنان لأكثر من 80% من احتياجاتها أردف قائلًا: “هذا ليس مستحدثًا بل هو طبيعة الاقتصاد اللبناني الحر الذي يعتمد على الرساميل والخدمات والقطاع المصرفي، ورغم اهتزاز القطاع المصرفي إلا أن نسبة الاستيراد ما زالت في ارتفاع إلى الآن وذلك لاستمرار الرساميل والخدمات”، لذلك دعا الاقتصاديون بلبنان الدولة لوضع خطة تعافي مالي واقتصادي يعتمد على تحسين البُنى الزراعية والصناعية والاقتصاد المُنتج في سبيل تخفيف نسبة الاستيراد.

 

موقف مرفأ بيروت والتهرب الضريبي من الأزمة اللبنانية

ولأن انفجار مرفأ بيروت كان واحدًا من الأحداث التي هزت لبنان، سألت الباحث المالي والاقتصادي عن احتمالية تأثر الاقتصاد اللبناني ليوضح لنا حقيقة الأمر، فأيّد هذا الطرح مؤكدًا على تأثر البلاد نوعًا ما بالانفجار لكنه أكد أيضًا على أنه لم يمثل الأزمة العظمى بل تظل الأزمة الحقيقية في لبنان في كيفية إدارة الدولة ومنشآتها وتفشي الفساد بمعظم القوى السياسية، منوهًا إلى وجوب تغيير عقلية المحاصصة لدى هذه القوى كي تستطيع لبنان من أزمتها بشكلٍ كلي.

وللعلم فإن المرفأ تلاشى تأثير الانفجار عليه جزئيًا وعاد للحياة من جديد، حيث يدخل حوالي 18 مليار دولار استيراد من الخارج عبر المرفأ، إذًا المرفأ بدأ يلعب دوره الحيوي مجددًا وليس كما يزعم البعض، فهو يُدخل حاليًا للبنان ما بين 12: 15 مليون دولار، علمًا بأن الدولة اللبنانية لو غيرت طريقة إدارة التحصيل الرسمي الجمركي والضرائب الجمركية وفتحت ضريبة الاعتماد بشكلٍ مباشر؛ ستُحصِل حوالي 900 مليون دولار في السنة لكنها الآن تحصل 130 مليون دولار بسبب حدوث بعض التهرب الجمركي.

لذا كان من بين اقتراحات “محمود جباعي” على الحكومة أيضًا أن تفرض ضريبة على الاعتماد بشكلٍ مباشر عند استيراد السلع من الخارج، هذا سيكون أضمن للتحصيل بدلًا من التهرب، موضحًا أن التهرب الضريبي يُخسر الدولة اللبنانية حوالي 600: 800 مليون دولار سنويًا.

الخصخصة.. الحل الأمثل لأزمات الاقتصاد اللبناني

توصل “جباعي” إلى العديد من المقترحات التي قد تساهم في انتشال بلاده من الأزمة، فقام بدوره في طرحها على الحكومة فكان من هذه المقترحات مشروع متكامل حول الخصخصة على طريقة ” BOT “ أو ” تربل بي” وهو ما يعني الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، فبالتخلص من العديد من أدوات الدولة عبر الخصخصة وهو أن يبقى الحد الأدنى للشراكة 51% من الملكية و49% للشركات المساهمة، ويتم إنشاء صندوق ائتماني يشمل شتى القطاعات من الكهرباء والبنى التحتية والمرفأ وغيرها وتُدار بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وسيساهم ذلك في تحسين الدخل وانخفاض نسبة الهدر فترتفع الإيرادات وتنخفض النفقات وذاك من وجهة نظري هو الحل الأمثل للقطاع العام بلبنان.

 

إقرأ أيضا
أسوان

سد الفجوات بالاستثمار بدلًا من أموال المودعين

وبعد كل هذا الطرح يتبين للجميع أن المشكلة الأساسية في لبنان ترجع إلى تقاسم حصص الدولة ومغانمها بين القوى السياسية، أما لو كانت تفرض الضرائب بشكل حقيقي على الثروات والأملاك البحرية لما دخلت لبنان في أي أزمة مالية في القطاع الحكومي، وما اضطرت لاستعمال أكثر من 70 مليار دولار من أموال المودعين بالمصارف لتسد به فجواتها، يقول “جباعي”.

كما لو تم الاستثمار في مرفأ بيروت على سبيل المثال عن طريق الخصخصة لشركات عربية افتراضًا سيؤتي هذا الاستثمار بثماره على كلٍ من الشركة المستثمرة والبلاد، ما قد يعود على البلاد بأكثر من 5: 10 مليار دولار سنويًا، وكان هذا من بين الاقتراحات المُقدمة للحكومة لكنها كل الاقتراحات المذكورة ما زالت بحاجة إلى إقرار من الحكومة ليتم تشريعها من المجلس النيابي، وإنه من المُتصور تطبيق هذه الاقتراحات عما قريب لأنه ليس هناك حل آخر لكل الأزمات القائمة في البلاد.

 

إدارة رشيدة لمؤسسات الدولة يضمن نمو متكامل

باتت لبنان من الدول النفطية كما أن لديها غاز طبيعي وهذا أمر جيد للاستثمار، فالدولة اللبنانية ليست ببلد منهارة أو مفلسة بل إنها غنية بمقدراتها وقدراته المادية والبشرية والجغرافية، ولم تعد لبنان بحاجة لمساعدات من دول أخرى بل الأفضل أن تقوم الدول المُهتمة بشأن لبنان بالاستثمار داخل البلاد فيعم النفع.

اختتم “جباعي” حديثه بأن الأزمة اللبنانية ليس كما يُروج لها في الإعلام، بل أصبحت في خواتيمها بشكلٍ عام إلا باستثناء القطاع العام الذي يجب أن تتحسن كيفية إدارته عاجلًا أم آجلًا، بل تحسين إدارة الدولة لمؤسساتها في المجمل والسعي للعديد من الإصلاحات التي تمس المواطن اللبناني سواء بالكهرباء أو بالبُنى التحتية أو المرفأ أو المطار وغيرها.

وتوقع أن تحقق لبنان نمو متكامل في القريب العاجل إذا حدثت تصفية سياسية حقيقية أدت إلى انتخاب رئيس جمهورية أو أصبحت القوى على وعيٍ كامل بكيفية إدارة البلاد والكف عن الفساد.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان