الفلسطينيون وسنين التيه
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الوطن مش حفنة تراب
ولا أي فيلم أو غنوة أو حتى مسلسل
حاول يقوللي يعني إيه وطن..
من غير ما يْفَّهِم جنابُه..
أي حاجة عن حقوق المواطنة.
يعني إيه كلمة الوطن؟
وطن في اللغة العربية، وحسب معجم المعاني الجامع هي فِعل، ومصدرها من (الوَطَنُ: مَرْبِض البَقَر والغَنَم التي تأْوِي إِليه)، لإن العرب كبشر كانوا بدو رُحل مالهُمش في الأستقرار كفكرة.
أما مصطلح “وطن”، بدلالته الحالية ظهر في اللغة العربية، خلال العصر العباسي، وأوضح رصد له كان في شِعر ابن الرومي (836-896 م) لما قال:
وطنٌ صحبت به الشّبيبة والصّبا
ولبست ثوب العُمر وهو جديد.
المستوطن مدني ولا مش مدني؟
ده سؤال ملتبس جدًا، مش بس على مستوى المَنطِق البسيط، إنما على مستوى فهم عقلية منظمة بحجم وثقل وأهمية الأمم المتحدة، اللي بتسعى بشتى الطرق والكباري لفقد “مَنطِق وجودها”.
فعلى مستوى المنطِق البسيط السؤال سهل.. وإجابته أسهل منه:
- لو الأرض فاضية ومافهاش بشر، يبقى المستوطن مدني عادي.
- لو الأرض فيها سُكان والمستوطن ده استولى على أماكنهم بقوة السلاح، مايبقاش مدني.
- لو الوضع أستمر مدة كافية لتغير الأجيال، المستوطن اللي مش شايل سلاح هيبقى مدني.
- المستوطن المسلح بلطجي وحرامي زيه زي إسلام يكن، ده يفضل التعامل معاه هو بشكل شخصي.
- مافيش حاجة اسمها قوات الاحتياط “عسكريين”، وإلا كل ذكر مصري قبل الـ30 يبقى “عسكري” ودمه مباح في أي حتة في العالم لأي حد شايف مصر عدو.
ملحوظة هامة جدًا:
لما تهاجم منظومة استعمار استيطاني لازم تلتزم بالقواعد الدولية للحرب، وده لسببين:
- ماتهاجمش مدنيين لإن وارد جدًا يكون ضمنهم سواح أو مزدوجي الجنسية، فلحظتها هيتحسبوا عليك سياح، وفي الحالتين هتبقى كده هاجمت ناس مالهومش ذنب.
- اوعى تضيق الصراع في إنتماء معين وحافظ عليه في الحيز الإنساني الواسع، لإن أي تتضيق “إنتمائي” للصراع بيحصر تأييدك في خانة معينة، ينفع جدًا توجهات ناس كتير ماتكونش معاها، مع إنهم كانوا ينفع يكونوا معاك لإنك إنسان مظلوم.
(فتاة أمريكية يهودية تلقى حتفها
تحت عجلات جرافة.. إسرائيلية
دفاعًا عن منزل أسرة.. فلسطينية)
هل فلسطين عربية؟
تقسيم الإقليم وترسيم حدود دِوَّلُه تم بمعرفة الاحتلال الأوروبي، فمثلًا المنطقة المعروفة طول تاريخ الأمبراطورية الإسلامية باسم الشام أو سورية الكبرى، الاحتلال الإنجليزي والفرنساوي قسموها 3 دول، سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنساوي وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، وده حسب مصالحهم السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وخلال إجراء الاتفاقية الشهيرة باسم (سايكوس-بيكو) سنة 1916، كان ساسة ورجال المخابرات البريطانية على تواصل وتعاون مع القوميين العرب والقوميين اليهود في نفس الوقت.
تدريجيًا تزايد اليهود في منطقة فلسطين، جزء من سورية الكبرى وقتها، ومع تنفيذ التقسيم بشكل عملي بإعلان الانتداب البريطاني على فلسطين سنة 1917، تم تأسيس مجلس النقد الفلسطيني في لندن، ويظهر صك العملة الخاصة بفلسطين حجم تأثير التواجد اليهودي رسميًا، فنلاقي العملة مكتوب عليها بالعربي والإنجليزي والعبري.
الفلسطينيين ضحايا صراع القوميات
القوميتين (العروبية واليهودية) ولاد نفس الحقبة الزمنية، والأتنين تلقوا دعم نفس القوى الدولية، متمثلة في بريطانيا العظمى. وللأسف تصورت المخابرات البريطانية إنه يمكن للقوميتين العيش معًا، أو يجوز كانت قاصدة الصراع ده يكون موجود.
المهم إنه بقى أمر واقع واللي بيدفع تمنه هو الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، عرب.. كنعانيين.. فينيقيين.. مسلمين.. مسيحيين.. يهود. بالظبط كده زي الكُرد بمختلف معتقداتهم ما بيدفعوا تمن صراع الفرس والعرب والتُرك.
سُمعِة العروبة في المنطقة
بالنظر لتأثير العروبة في الشرق الأوسط، هنلاقي إنها في حالة عداء مع كافة القوميات والثقافات المختلفة في الإقليم، القوميات اللي نجحت في تكوين دول، دخلت معاها كلها في صراعات قوية (الصراع العربي-الإسرائيلي)، (الصراع العربي-الإيراني)، (الصراع العربي، التركي).
أما اللي وقعت تحت حكمها بيتم تهميشه وإذابته بشكل ممنهج بداية من التهميش السياسي والثقافي مرورًا بالتهجير القسري وصولًا للضرب بالأسلحة الكيماوية، واللي يعترض فورًا يتم اتهامه بالخيانة والعمالة للغرب، اللي همه نفسهم عملوه وقت نضالهم ضد الدولة العثمانية، أو بالتواصل مع إسرائيل.
وكل الكوارث السابقة مسجلة تاريخيا وإعلاميا (متوفرة في الهايبر لينك) والحالية مسجل دوليًا.
هل أفادت العروبة فلسطين؟
بعد حوالي قرن من قومجة الصراع، توسعت إسرائيل أكتر وأكتر وتآكلت رقعة الفلسطينيين أكتر وأكتر، فبعد ما كان التقسيم الاستعماري سنة 1947 مقترح حل الدولتين والقدس منطقة دينية دولية، رفض العرب التقسيم وأعلنوا الحرب.
الجيوش العربية مُجتمعة إتغلبت من إسرائيل، اللي تمددت أكتر باحتلالها أكتر من نُص الأراضي اللي كان التقسيم بيعترف إنها فلسطينية، وخلقت أمر واقع جديد يعرف بحدود 48، ثم مع حرب 1967 توسعت تاني وأستولت على أراضي جديدة من نصيب الفلسطينيين وخدت القدس في سكتها، فخلقت أمر واقع أحدث يُعرف بحدود 5 يونيو 67.
الجُندي المجهول.. معقولة مات عشان شوية تراب
أو عشان يضمن لأولاده يوم أجازة في السنة
-بمناسبة عيد الاستقلال-
مات مجهول..
لجل ما يرفع الساسة العَلَم
ولا..
لجل ما ينزل الفلاح بالفاس؟
خيبر خيبر
شعارات زي “القدس إسلامية” و”خيبر خيبر يا يهود” بتلهلب حماسة الجماهير، وده لإن غالبية سكان المنطقة مسلمين، بس هل الخطاب ده في صالح الفلسطينيين وقضيتهم؟
مبدئيًا من المتعارف عليه تاريخيًا ودينيًا إن اليهودية أقدم من الإسلام، وحسب التاريخ الإسلامي نفسه جيوش المسلمين سيطرت على مدينة إيليا “القدس” في عهد عمر بن الخطاب، (635 إلى 645م).
كمان موضوع خيبر ده مالهوش علاقة بفلسطين أو القدس، إنما خيبر دي منطقة شمال يثرب المسلمين هاجموها سنة 7 هـ، في أخر سلسلة طرد اليهود من أراضيهم في شبه الجزيرة.
مهم كمان نفتكر إن تمكين “اليهود” حديثًا في منطقة فلسطين كان بمباركة دولة الخلافة (سادتهم آل عثمان)، اليهود كانوا مضطهدين في أوروبا، فاستقبلتهم الخلافة العثمانية، والموضوع بدء من بداية تأسيس الدولة العثمانية، لما استقبل السلطان بايزيد التاني سنة 1470 يهود السفارديم المطرودين من إسبانيا، ومع استمرار الاضطهاد الأوروبي لليهود استمرت الهجرات لداخل الدولة العثمانية اللي أستمر وجودها أكتر من خمس قرون. وطبعًا لا يمكن إغفال دعوة نابليون لليهود بالهجرة للشام.
هل الإسلام ينصف الفلسطينيين؟
الناس للآسف مابتفكرش في المعلومات لما يستلموها من باب الدين، بالتالي مش منتبهين خالص إن أي احتكام للقرآن أو التراث الإسلامي هيكون في مصلحة “اليهود”.
أولًا مافيش في كل القرآن أي ذِكر للفلسطينيين، إنما فيه ذِكر كتير جدًا لليهود أو بني إسرائيل.
وثانيًا حسب السردية الإسلامية فالمسيح، المولود في بيت لحم، آمن به بعض اليهود ولم يؤمن به أغلب اليهود، وإن اليهود التانيين دول تآمروا على قتله وسخنوا عليه إمبراطور الرومان.
فهل فيه أدلة أكتر من كده على إن اليهود عايشين في المنطقة دي تحديدًا ما قبل ظهور الإسلام؟
بالتالي تديين الصراع مش في صالح الفلسطينيين نهائي، لإن تصويرهم إنهم مسلمين بيتنازعوا مع يهود على المنطقة دي، بيحسم إنها أرض اليهود، وده يا جماعة الخير كلام الإسلام نفسه.
الفلسطينيين في التوراة
أما في التوراة أو العهد القديم يُذكر اسم الفلسطينيين صراحة 248 مرة، بالتالي طبقًا للتوراة فيه قوم اسمهم الفلسطينيين كانوا عايشين في المنطقة دي، وكانت إيدهم تقيلة على اليهود، وده اللي ظاهر في مضمون وتفاصيل قصة شمشون، كما وردت في التوراة/العهد القديم.
بس ده مايعنيش إننا نِشّبط في الرواية التوراتية ونطلب الاحتكام ليها.
السردية الدينية لا تفيد… التديين يدينك.
تديين الصراع مش بس بيدي مصدقية للسردية اليهودية، إنما كمان بيدي الصراع خلفية “تراثية” فيها الفلسطينيين دخلاء، بدل السردية “التاريخية” اللي بتديهم حق تاريخي في الأرض بوصفهم أحفاد الكنعانيين والفينيقيين.
كمان السردية التاريخية في الجزء الحديث منها بتوثق وحشية الأوربيين وعنصريتهم ضد اليهود لحد زمن قريب جدًا. وإنهم تقريبًا عملوا شِبه تطهير عرقي لأوروبا من اليهود، بوجود فريق طيبين قدم لهم وطن بديل بره أوروبا وفريق شرير عمل الهولوكوست طفشهم من أوروبا.
حل الدولتين..
من ساعة توقيع ياسر عرفات وإسحاق رابين إتفاقية أوسلو في 1993 ولغاية النهارده، ومصطلح “حل الدولتين” هو الأكتر استخدامًا بخصوص القضية الفلسطينية، ويدور الخلاف على الحدود، هل هتبقى حدود 48 ولا حدود 67 ولا أنهي حدود بالظبط. وفي كل الأحوال وعلى مدار 30 سنة الحل ده فضل حبر على ورق.
وحاليًا بعد ما العروبة ومن بعدها أسلمة الصراع سَوَّحوا الفلسطينية وخلوهم “واكلين هوا”، بدء كبار وصغار المعسكر العروبجي/الإسلامجي ينطوا من مركب القضية الفلسطينية الخسرانة ووقعوا أتفاقيات ومعاهدات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
أ/ الوطن فكرة.
ب/ الوطن ترسيمة حدود عملها ناس مش منه.
ج/ الوطن عِرق خشب مسوس شايل عَلَم بهتان.
د/ الوطن آلة والمواطن تِرس.
وتكرار الفشل الأسيوي
بالنظر لتجربة أسياوية شبيهة (الهند – باكستان) هيبدو إن الحل الدولتين ده مش نافع أصلا، أزمة خدت طابع ديني وتم فصل إقليم بوصفه يخص المسلمين (باكستان) وفضل باقي الشعب في الهند، لكن التقسيم أو حل الدولتين ده ماحلش الأزمة ولا قضى ع العداء، ولسه العالم بيشهد لحد النهارده ما يعرف بالصراع الهندي – الباكستاني، وزاد عليه إن الطرفين بقى عندهم نووي.
التجربة الرواندية
عاشت أفريقيا كتير من الحروب الأهلية ، من أعنف الحروب الأهلية في قارتنا كانت بالتحديد في رواندا، حرب أهلية عرقية وهجمات قتل ع الهوية وصل لمستوى الإبادة الجماعية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي في حرب راح ضحيتها حوالي مليون مواطن، خلال سنة واحدة 1994، يعني بعد توقيع أتفاقية أوسلو بسنة.
بس الوضع النهارده في رواندا مختلف، فبعد إجراء مصالحة وطنية ومحاكمة مجرمي الحرب، حصل نهضة مجتمعية واقتصادية كبيرة جدا، العاصمة كيجالي بتتحول لواحدة من أجمل مدن القارة والدولة ككل تحولت لوجهة للمستثمرين من العالم كله.
رواندا بقت واحدة من أهم الدول السياحية في القارة، قطاع السياحة فيها تتجاوز إيراداته 40% من إجمالي اقتصاد الدولة ككل، اللي بيعتبر ضمن أكتر 10 اقتصاديات صاعدة في العالم.
لو محتار قوي..
أنا ممكن أحذف لك وطنين..
أو تستعين بـ الشعب.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال