أحمس .. والبيضة الفاسدة
في يوم 30 أبريل من عام 2019 أطلقت شركة الإنتاج السينمائي الأمريكية العريقة باراماونت على موقع اليوتيوب، التريلر الأول لفيلمها المنتظر ـ في هذا الوقت ـ Sonic the hedgehog والذي يحكي مغامرة لشخصية الألعاب الإلكترونية الشهيرة (سونيك).
لكن التريلر تلقى ردود أفعال سلبية من الجمهور، واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالانتقادات للفيلم. ببساطة لأن تصميم شخصية سونيك (المصنوعة بالكامل بشكل رقمي) لم يعجب الجمهور، ووجدوا أنها بعيدًا تمامًا وبشكل سيء عن صورة سونيك المعروفة في الألعاب. فما كان من الشركة المنتجة إلا أنها أعلنت تأجيل عرض الفيلم لقرابة الأربعة أشهر، لتحدد له موعدًا للعرض بتاريخ 14 فبراير 2020، بدلا من التاريخ الأصلي في 8 نوفمبر 2019. لتقوم الشركة بإعادة تصميم شخصية سونيك بالكامل بشكل يرضي الجمهور، وهي العملية التي استغرقت قرابة الخمسة أشهر من العمل، وحملت ميزانية الفيلم حوالي 5 ملايين دولار إضافية.
ما فعلته شركة باراماونت لم يكن انصياعًا أو إذعانًا لغوغائية السوشيال ميديا، وإنما هو ببساطة الدور الطبيعي من شركة تقدم خدمات ترفيه للمشاهدين، وتعتمد في ربحها على مدى رضاء المشاهدين وإعجابيهم بعملها، فكيف يمكن أن تتحدى الشركة المتفرجين وتقدم لهم عملا هي تعرف مسبقًا أنهم لن يحبوه؟ هذا يعني الخسارة المؤكدة. بينما التأجيل، وانفاق 5 ملايين إضافية هو ما ضمن للشركة النجاح. ولم نجد صوتًا في هوليوود وقتها يقول أن الشركة لا يجب أن تنصاع للسوشيال ميديا! ولم نجد حملات تطالب الجمهور بالمشاهدة قبل الحكم، كما يحدث الآن في مصر على خلفية قرار الشركة المنتجة لمسلسل (الملك) إيقاف التصوير لحين مراجعة الجانب العلمي للمسلسل.
وبرغم أن قرار الشركة المنتجة لمسلسل (الملك) صائب تمامًا من وجهة نظري، ولو كانت بالفعل اتخذته إنصياعًا لغضب الجمهور على السوشيال ميديا، لكان قرارًا يستحق التحية ورفع القبعة. لإن إرضاء الجمهور هو الهدف الأساسي لأي شركة إنتاج درامي. لكن من وجهة نظري لا أظن أن غضب الجمهور كان عاملا مؤثرًا على قرار الشركة، كما يحاول العديد من النجوم بمنشوراتهم وتغريداتهم تحت هاشتاج (اتفرج وبعدين احكم) أن يوحوا لنا؛ لأن ببساطة الشركة هي نفسها التي أنتجت مسلسل محمد رمضان هذا العام، دون أن تلتفت لغضب السوشيال ميديا عليه بسبب صوره مع فنانين إسرائيلين، وهو ما فاق غضب الجمهور على برومو مسلسل الملك بكثير. لذا فالأقرب أن قرار إيقاف المسلسل مرتبط أكثر بآراء بعض الأشخاص أصحاب السلطة السياسية أو حتى العلمية مثل زاهي حواس، الذي كانت كلماته في انتقاد المسلسل هي المصاحبة لأغلب الأخبار التي نقلت قرار الشركة بإيقاف المسلسل، في إشارة إلى أن كلمات حواس أكثر تأثيرًا بالتأكيد من صراخ رواد السوشيال ميديا.
اقرأ أيضا
السادة المشاركون في نتفرج بعدها نحكم .. كيف أصبحتم مجرد لجان الكترونية؟
لكن ما يتم الترويج له الآن من مبررات وحجج في محاولة لإعادة تمرير المسلسل، تحت مسمى (اتفرج وبعدين احكم) لهو حالة من الاحتيال غير المسبوق على الجماهير. فكل المبررات التي يتم تقديمها ليست فقط بعيدة عن المنطق، وإنما هي حتى بعيدة تمامًا عن الانتقادات الموجهة للمسلسل من الأساس. مثلا الإصرار على فكرة الفارق بين الدراما والتاريخ، وعن حرية المبدع في تعديل الوقائع التاريخية لأسباب درامية، وهو كلام سليم تمامًا، ولكنه ليس نقطة الاعتراض. فليست التعديلات الدرامية هي التي أشعلت غضب السوشيال ميديا، وإنما الأخطاء المهولة في الشكل وفي كل ما هو متعلق بتفاصيل الحقبة الزمنية، وهو أمر واضح تمامًا من البرومو، ولا ينطبق عليه مبدأ المشاهدة قبل الحكم. بل ينطبق عليه الحكمة الشهيرة المنسوبة لبرنارد شو: (لا يجب أن أتناول البيضة كلها لأعرف أنها فاسدة). فالجمهور المعترض على ذقن أحمس ليس مطلوبًا منه أن ينتظر لمشاهدة المسلسل بالكامل قبل أن يحكم. هل مثلا سنجد الذقن قد اختفت في المسلسل؟! هل سنكتشف أن الملابس في المسلسل مختلفة عن تلك التي ظهرت في البرومو؟! هل ستكون الديكورات أفضل؟! هل ستختفي الأخطاء الفجة في كل التفاصيل التي رأيناها في ثوان قليلة هي مدة البرومو؟!! مبدأ المشاهدة قبل الحكم هو مبدأ مضلل تماما في هذه الحالة، وللأسف يبدو أن انتشار هذا الهاشتاج بين النجوم والفنانين تحديدًا، تبدو كحملة موجهة لإرغام الجمهور على التناسي والإذعان، لفتح الطريق لصدور قرار بعرض المسلسل كما هو، حتى تتجنب الشركة المنتجة أية خسائر أو تكلفة إضافية لإجراء التعديلات.