همتك نعدل الكفة
102   مشاهدة  

“لون أسود كوبري قصر النيل” أزمة الطلاء بين رد الوزير وتكرار المشكلة عبر عقدين

أسود كوبري قصر النيل
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



أودع الخديوي إسماعيل في 22 مايو 1873م مبلغًا ماليًا يقدر بـ198 ألف فرانك في أحد البنوك الفرنسية، وكان مُخصصًا لأعضاء مجلس العلوم في فرنسا، بهدف نحت أربعة تماثيل أسود، يُنصَب اثنان منها عند مدخل الكوبري والآخران عند نهايته؛ وجميعها كانت من البرونز المفرغ.

تغطية مجلة المصور لنقل الأسود إلى مقرها الحالي سنة 1932م
تغطية مجلة المصور لنقل الأسود إلى مقرها الحالي سنة 1932م

منذ ذلك الحين، خضعت هذه التماثيل لعدة مراحل من الترميم والتلوين، آخرها أثار جدلاً كبيرًا، حين تم طلاءها باللون الأسود، مما أدى إلى استنكار لهذا الاختيار.

مشكلة طلاء أسود كوبري قصر النيل باللون الأسود

لون أسود كوبري قصر النيل
من أعمال ترميم وصيانة أسود كوبري قصر النيل

تقوم محافظة القاهرة بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار بإجراء عملية صيانة شاملة لـ21 تمثالاً تاريخيًا في الميادين العامة، من بينها أسود كوبري قصر النيل، إلا أن أعمال طلاء الأسود لقيت استياءً كبيرًا لدى نقابة الفنانين التشكيليين، التي انتقدت الطرق المتبعة في الطلاء، مشيرةً إلى أن ذلك قد يؤدي إلى طمس القيمة الفنية الأصيلة لهذه التماثيل العريقة.

استخدام الطلاء العادي والأساليب التقليدية على التماثيل البرونزية أثار ردود فعل غاضبة بين المهتمين بالفن والتراث، الذين يرون أن هذه الأساليب تهدد القيم الفنية لتلك المعالم، وفي بيان لها، أعربت نقابة التشكيليين عن استيائها الشديد من استخدام أدوات بسيطة مثل “الرولة” في عملية الطلاء، معتبرةً ذلك أسلوبًا غير مناسب يتعارض مع الصيانة الدقيقة المطلوبة للمواد البرونزية.

بيان نقابة الفنانين التشكيليين
بيان نقابة الفنانين التشكيليين

وأكدت النقابة أن هذا المنهج أسفر عن طمس الطبقة السطحية الأصلية للتماثيل، والتي تُعرف باسم “الباتينا”، وهي جزء أساسي من قيمتها التاريخية والجمالية، وقد أضافت النقابة أن استخدام مواد تلميع أو طلاء عادية يعتبر انتهاكاً صارخاً للقواعد العلمية والفنية في صيانة التماثيل التاريخية، حيث يتطلب الأمر أساليب أكثر دقة لإزالة الأتربة دون المساس بجودة اللون الطبيعي أو إضافة أي مواد لامعة تضعف رونقها الأثري.

من جانبه، أوضح الدكتور جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، أن الوزارة تتابع المشروع بعناية فائقة، حيث استعانت محافظة القاهرة بخبرات وزارة السياحة والآثار لتنفيذ عمليات التنظيف باستخدام صابون خاص خالٍ من المواد الكيميائية الضارة، وأكد الدكتور مصطفى ضرورة القيام بصيانة دقيقة للحفاظ على جودة المواد البرونزية وسلامتها.

بيان استجابة الوزارة لنقابة الفنانين التشكيليين
بيان استجابة الوزارة لنقابة الفنانين التشكيليين

ولمعالجة هذه القضايا، أعلن الدكتور جمال مصطفى عن عقد اجتماع مع نقيب الفنانين التشكيليين طارق الكومي، يوم الثلاثاء، لمناقشة المواد المستخدمة في الصيانة وتشكيل لجنة فنية لمتابعة المشروع، تلبيةً لمطالب النقابة وضمان الالتزام بأعلى معايير الصيانة التي تحافظ على الإرث الفني والتاريخي لهذه التماثيل.

الرد الرسمي من وزارة السياحة والآثار ومشكلاته

YouTube player

بعد 24 ساعة من بيان نقابة التشكيليين خرج وزير السياحة والآثار السيد شريف فتحي على فضائية اكسترا نيوز، نافيًا حدوث يتم طلاء للتماثيل بألوان لامعة أو أي طلاء آخر.

وقال الوزير أن الموضوع بدأ على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كتبت إحدى النقابات عن ذلك، وعند تحقيقه في الأمر وجد أن حجمه على وسائل التواصل الاجتماعي أكبر من حجمه الحقيقي، ومن لديه أي اقتراح للتنسيق يمكنه استخدام القنوات المتاحة لذلك.

وقال الوزير «لم أرغب في الرد على هذه الأحاديث لأن التواصل النقابي لا يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمكنهم الاتصال بنا للتوضيح، مؤكدًا أن ما جرى في أسود كوبري قصر النيل لم يكن الأول، وإنما تم تنفيذه سابقًا وأسفر عن نتائج جيدة».

واختتم الوزير كلامه «ما فهمته أنه تم تنظيف التماثيل من الغبار وفقًا لما أفاد به الفنيون، وتم غسل التماثيل بمادة صابون متعادل (أو حاجة زي كده ـ بنص تعبيره ـ) ، ثم تُضاف لها طبقة من مادة كوتينج تغطي سطحها ولس لها لون يعطي لمعة.

وإشكالية كلام وزير السياحة والآثار في مفرداته بشأن التعامل مع السوشيال ميديا، ومصطلحاته لكي ينفي الأمر، إذ لم يوضح ماهية المادة المستخدمة، ولم يضع شرحًا علميًا متخصصًا، فضلاً عن أن نتائج الأعمال السابقة في التماثيل بنفس الطريقة لم تكن جيدة كما قال.

بيان وزارة الآثار عقب مداخلة الوزير
بيان وزارة الآثار عقب مداخلة الوزير

بعد مداخلة الوزير صدر بيان من وزارة الآثار لم يضيف جديدًا لكلام الوزير باستثناء أن هذه التماثيل ليست في عداد الآثار المُسجلة، فضلاً عن عدم ذكره للمادة التي أضيفت للتماثيل، وأن المجلس يقوم بتنظيف التمثال منذ سنة 2021م بنفس الطريقة والأساليب العلمية الدقيقة.

إلا أن رد الدكتور جمال مصطفى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار، على قناة صدى البلد مع الإعلامي أحمد موسى كان موفقًا عن بيان الوزير الصبح قناة اكسترا نيوز، فبعد أن أعرب عن تقديره لكل مصري غيور على بلده قال لم يتم استخدام الرولة لإنها أداة يتم استخدامها في المساحات المفتوحة الواسعة وهو مالا يتوفر في تماثيل كوبري قصر النيل، وما استخدامه الفُرَشْ (جمع فُرْشَة).
وفي سنة 2021م تم كشف عيوب في صيانة وتنظيف التماثيل بسبب إحدى الشركات، فصدر قرار بصيانة دورية لها سنويًا.
YouTube player

وأوضح الدكتور جمال أن الصيانة الدورية تقوم بالصابون المتعادل ثم تجفيفه ووضع طبقة شفافة للحماية، والمادة الشفافة التي أضيفت للتمثال من أجل الحماية ليس لها لون وانعكاس الشمس هو السبب في شكل اللمعان، كاشفًا أن المواد المستخدمة علميًا موجودة في مقر الوزارة ولدى المجلس الأعلى للآثار استعداد لاستقبال أي متخصص، خاصةً وأن الوزارة لها(ماتريال) حول مواد تنظيف التماثيل بل وأثناء وبعد الترميم ومن يرغب في الإطلاع عليها فهي موجودة بالمجلس، مشيرًا إلى أن أغلب الصور المتداولة للتماثيل تعود لسنة 2021م

بدوره قام Ich Bin Ragab بنشر فيدبو لنفس عملية تنظيف أسود كوبري قصر النيل سنة 2021م بمادة الاسيتون وقال «وواضح ظهر اللون الاسود ليهم … لا فيه لاكيه ولا بتاع … لانه دى اصلا تماثيل برونز .. واللون الاخضر ده بسبب تفاعل النحاس مع الهواء والتلوث .. وتكون مادة كلوريد النحاس … وده مرض اسمه مرض البرونز ( bronze disease) … فهيرجع اخضر تانى».

إقرأ أيضا
السويس

تاريخ لم ينتهي من الجدل وهكذا بدأ

الصفحة الأولى من مجلة المصور وفتح كوبري قصر النيل الجديد
الصفحة الأولى من مجلة المصور وفتح كوبري قصر النيل الجديد

أُعيد طلاء كوبري قصر النيل في ثمانينيات القرن الماضي بطلاء أسود لامع، بلغ سمكه 4 مم، مما أدى إلى تغيير لونه من الجنزاري إلى الأصفر النحاسي، ووقع تهديد حقيقي للباتينا (طبقة رقيقة ناعمة ومتجانسة وثابتية تغطي سطح سبيكة البرونز).[1]

جريدة الوفد، ع14 إبريل 1997م
جريدة الوفد، ع14 إبريل 1997م

وفي مارس سنة 1997م كان جرت أعمال صيانة وتنظيف لأسود كوبري قصر النيل، وفي تلك المرة كان اللجوء إلى استخدام حامض الكبريتيك، وهو ما جعل الدكتور محمود الباجوري، أستاذ النحت وأحد الأسماء البارزة في مجال التماثيل البرونزية، يحذر من ذلك الإجراء لأن حامض الكبريتيك قد يمحو الباتينا بشكل تام، داعيًا إلى اعتماد طرق علمية وعملية في إزالة الشوائب وطبقة الطلاء الأسود.[2]

جريدة الأخبار، ع17 مارس 1997م
جريدة الأخبار، ع17 مارس 1997م

تشكلت لجنة بعدها وأعلنت النتائج، والتي كشفت عن تراكم طبقات من البويات والأتربة، والتي تفاعلت على مر الزمن حتى أصبحت من الصعوبة بمكان إزالتها، وقد تآكلت أجزاء كبيرة من طبقة الباتينا، مما دفع اللجنة لتقديم تقريرها، مشيرةً إلى أن التمثال كان مُغلفًا بطبقات متعددة من الدوكو والزيوت والورنيش.

جريدة الأخبار، ع8 يوليو 1997م
جريدة الأخبار، ع8 يوليو 1997م

وللتغلب على هذه المشكلة، تمت عملية غسيل دقيقة للأسود في يوليو من العام ذاته، باستخدام تركيبة مائية خاصة لإزالة الأتربة والطين والحشرات، ثم أزيلت طبقات البويات بواسطة مذيبات عضوية وقطع قطنية، في محاولة للوصول إلى طبقة الباتينا التي تم تثبيتها وتقويتها، إلى جانب استعادة الأجزاء المفقودة منها عبر تقنيات كيميائية.[3]

ينبغي على وزارة السياحة والآثار إصدار بيان علمي أكاديمي بالتنسيق مع نقابة الفنانين التشكيليين، خاصةً وأنه حسب المعلن كان سيحدث اجتماع بينهم !، خصوصًا وأن كلام الوزير لم يعطي إجابة واضحة وشافية.


[1]  عوني الحسيني، العمل في أسود قصر النيل تشويه وليس ترميم، جريدة الوفد، ع14 إبريل 1997م.
[2]  أشرف إكرام، أسود قصر النيل في خطر، جريدة الأخبار، ع17 ماس 1997م
[3]  صفاء نوار، أسود قصر النيل تستعيد هيبتها، جريدة الأخبار، ع8 يوليو 1997م

الكاتب

  • أسود كوبري قصر النيل وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان