أطفال قرية تونس .. بين التسريب من التعليم والإبداع في حرفة الفخار والخزف
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يبدوا أن التعليم التقليدي لم يعد يستهوي الأطفال في مصر ، فهم يفضلون الحرف اليدوية والتطبيقية عن روتين المناهج المملة التي يتعلموها، ينفرون من المدرسة بسبب قسوة المعلم من ناحية ومن ناحية أخرى صعوبات التعلم التي يواجهونها، ومن ضمن الأماكن الذي لجأ أطفالها وشبابها إلى الحرف اليدوية قرية تونس محافظة الفيوم شمال الصعيد، فلجأ الأطفال إلى حرفة الفخار والخزف منذ نعومة أظافرهم.
و يضطر الأطفال إلى مغادرة المدرسة بلا عودة لما يلقونه من معاملة في مدرسيهم في مقابل التعلم والمعاملة الحسنة التي يلقونها في ورش القرية .
أجد صعوبة في التعليم المدرسي.. وأُ فضل تعلم حرفة الفخار والخزف
“عمر أحمد” البالغ من العمر 11 عامًا، يعمل منذ عام في حرفة صناعة الفخار والخزف، فيقول : لا أحبذ الدراسة مطلقًا، أحب أن أعمل في صناعة الخزف والفخار، فهو يرى أن هذا هو التعليم الحقيقي”.
وطوال العام تعلم “أحمد ” كل المراحل الأولية من تكوين العجينة وتجانسها ومن ثم فردها وتقطيعها فيقول:” ما زلت في المرحلة الأولى من تعلم الحرفة، كل عملي في الورشة يدويًا، حيث أقوم بفرد الطينة بواسطة” النشابة” إلى أن تصل إلى سمك معين، ومن ثم تبطيبها وتقطيعها على شكل دوائر بين الكبيرة والمتوسطة” .
“عمر ” لم تجبره المعيشة على العمل منذ الصغر فوالده يعمل محاسبًا، وأخوه الأكبر متفرغ للدراسة بشكل كامل، بل يؤكد أن والدته تعاني معاناة شديدة معه من أجل الذهاب إلى المدرسة والتعلم شأنه شأن أقرانه، لكنه يجد في التعليم المدرسي الصعوبة رغم عمله في الورشة لما يقارب من 12 ساعة متواصلة، فقط حبه الشديد للحرفة هو ما حركة لتعلمها والإخلاص فيها .
هؤلاء أجبروني على ترك المدرسة
“أحمد محمد” طفل يبلغ من العمر 14 عامًا يكره التعليم ليس بسبب صعوبته أو بسبب أثقال الحياة، ولكن كرهه للتعليم بيد معلميه، فيرى أن هؤلاء المعلمين هم من أجبروه على ترك المدرسة رغم حبه الشديد لها، فكانوا يسخرون منه لعدم مقدرته على الاستيعاب بسرعه .
“أحمد” ترك المدرسة منذ أن كان في الصف الثاني الإعدادي، ولم يعاودها مرة أخرة، فاختار طريق الحرف وبات يتعلمها، ولمّا كانت حرفة الخزف هي الحرفة الأشهر في قريته لجأ إلى ” غزال” ليعلمه إياه، فتعلمها سريعًا وأصبح يُشكل القطع ويأخذ المال نظير ما صنع.
يرى “أحمد ” أن ” غزال” هو المعلم الحقيقي له فاستطاع أن يعلمه الحرفة بسهولة، لم يضايقه يومًا أو يتلفظ بأشياء قد تحط من شأن الفتى، بل ساعده كثيرًا فيقول:” أخطئت كثيرًا في عملية التشكيل لم يعنفني يومًا رغم الخسارة التي ينالها، يعلمني الصواب وأقوم بصنع أخرى وهكذا.
و يضيف”أحمد” لدي أحلام كثيرة، لا أريد لأحد أن يعرفها ربما إذا عرفها أحد يسخرون كمني كما سخر المعلمون من عدم فهمي يومًا ويمكن أن أنال العقاب كما نلته في المدرسة دون سبب.. لكن أرى أحلامي جيدة وحينما تتحقق سأتحدث عنها .
مش بحب المدرسة
أمّا “يوسف عبد الحكيم” الطالب في الصف الثاني الإعدادي يعمل في حرفة صناعة الخزف منذ ست سنوات فقد بدأها صغيرًا وقت ما كان عمره 7 سنوات، يكره ” يوسف” المدرسة كرهًا شديدًا، يتحدث عنها بنفور كبير رغم أن والدته تدفعه إلى الذهاب إلى المدرسة، فيقول : ” أمي تقول أتعلم علشان تطلع حاجة كبيرة، وأنا لا أفهم يعني إي حاجة كبيرة محامي مش عايز أطلع محامي دكتور مش عايز دكتور .. أنا عايز أبقى فنان و أشتغل في الخزف” و يُأكد ما قاله ” أحمد” أن المعلمين في المدرسة هم السبب الأساسي لهذا الكره
ثم يتحدث ” يوسف” بغضب عن دفع والدته إلى التعليم فيقول: أنا في الصف الثاني الإعدادي ولا أستطيع القراءة أو الكتابة بينما أنا أعمل في الورشة هنا وأخذ نظير القطعة التي أصنعها 40 % و سأملك ورشة وبازار يومًا .
أما ” محمود عمر” الطالب في الصف الثاني الثانوي يعمل في هذا المجال منذ 4 سنوات، والآن أصبح فنان يصنع القطع الفخارية والخزفية يبيعها ويأخذ نظيرها مالًا.
“محمود” استهوى الحرفة كهواية إلى جانب دراسته مدرسته يوميًا ثم يذهب إلى الورشة يتعلم ويصنع ما يحب، يقول محمود: ” أفتخر بكل القطع التي صنعتها خاصة حينما أضع اسمي تحت كل قطعة أنهيتها”، ويضيف “محمود” أحب أن أرسم كل ما له علاقة بالطبيعة على القطع التي أصممها”.
وبكلمات هادئه كما هدوء سمته يقول:” أحب لون الماء وشكل النخيل ومنظر الرمال وأقوم بتحويل المناظر التي آراها يوميًا على القطع التي أصنعها وأرى أن هذا يميز قطعي”.
قصة رومانسية
وقصة “عبد الرحمن محمد ” الطالب بالصف الثالث الإعدادي مع الحرفة قصة شديدة الرومانسية حيث ذهب أولًا إلى مدرسة ” أيفلين” تلك السيدة التي تحدث عنها بفخر كبير فيقول: كانت تعلمنا الحرفة وتحنوا علينا كأننا أولادها رغم كبر سنها وكان لقاءنا بها ليس لتعلم المهنة فقد كنا نحكي لها عما يحدث معنا خلال اليوم الدراسي أو بعض المشكلات التي تحدث بيننا كأصحاب وكانت تنصت لنا بكل حب وود”.
ورفضت ” أيفلين” أن نترك التعليم لمجرد أن نتعلم حرفة الخزف والفخار بل كانت تشجعنا على الذهاب المدرسة وإذا تخلفنا عن الذهاب تلجأ إلى العقاب وهو حرماننا من تعلم مهنة الفخار فكانت ترى أن الفنان لابد أن يعلم القراءة والكتابة وأن التعليم يكسب للإنسان الثقة بالنفس .
بدأت حكايتي مع الفخار منذ خمسة أعوام حينما بلغت سن العاشرة بدأت مع عمي فهو صاحب ورشة ومن أكبر الحرفين في مصر، ولكن أحببت أن آخذ الحرفة من المصدر الذي أخذ منه عمي وهو مدرسة ” أيفلين” المرأة السويسرية التي جاءت إلى قريتنا ثم أن مكانها أو مدرستها مكان مميز لي .
ومن ضمن الحكايات التي رواه “عبد الرحمن” على لسان تلك المرأة السويسرية أنها كانت تدرس الفنون التطبيقية فكان من ضمن مشروعتها في الكلية عن الحديث عن الحرف في القاهرة، ولمّا جاءت إلى القاهرة لم تعجبها بسبب زحامها الشديد والضوضاء التي تمتاز بها ، فقررت أن تأتي إلى الفيوم و من ثم وقعت في غرامها منذ أن وطئت قدمها فيها حيث الزراعة والمناظر الطبيعية .
اللعب بالطين
وكان من بين الأسباب التي من أجلها أنشئت المدرسة حينما رأت أطفال القرية في هذه الزيارة يلعبون بالطين ويصنعون منه الحيوانات والجرارات فقررت أن تساعد هؤلاء الأطفال، وأن تنشأ مدرسة تعلمهم فيها وعلمت أجيال وأجيال وأبي كان من الجيل الأول وأنا الجيل الأخير الذي تعلم على يداها.
وبعد وفاة” أيفلين” عدت إلى أبي أعمل معه في ورشته، أتلمس الطبيعة وأحاكيها على الفخار والخزف، فمثلا رأيت ورقة شجر سقطت على الأرض فصنعت شبيهه لها من الفخار، وغيرها من الأعمال التي حكيت فيها الطبيعة فهي الأقرب إلى قلبي.
ويضيف” عبد الرحمن” أنا أحب دراستي كما أوصتني “أيفلين” وسأصبح يومًا مهندس ديكور أمزج بين هوايتيي وحرفتي وبين العلم الذي أكتسبه من المدرسة حتى أكون ذا شأن أفضل وأشارك مع والدي في مهرجان فرنسا كمهندس وفنان وحرفي وليس حرفيًا فقط .
قرية تونس صنعت أطفالًا موهوبين، أتخيل أن هؤلاء الأطفال الذين كرهوا التعليم لو لو يجدوا هذه الحرفة في قريتهم ماذا ستكون أحوالهم ، وعن الموهوبين كيف سيجدون مع يشبع رغباتهم لولا هذه الحرفة المنشرة في القرية و التي تصل إلى أكثر من 30 ورشة .
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال