أغنيات في الذاكرة : قول معايا “وجيه عزيز” .. كيف تعبر عن المجتمع دون التنظير عليه

في تاريخ الأغنية المصرية الحديثة أغنيات قليلة جدًا استطاعت رصد التغييرات التي حدثت في صلب المجتمع المصري، وتجاوزت فكرتها فترة معينة بحيث يمكن تأويلها على أي زمن  دون أن تخص  حدث بعينه، من أهم تلك الأغنيات أغنية “قول معايا” للمطرب والملحن “وجيه عزيز” الصادرة في ألبوم “زعلان شوية 2004” والتي تكشف عن أسئلة يتكرر طرحها في كل وقت “ماذا حدث لنا؟ لماذا تغيرنا إلى هذا الحد؟

تفتح تلك الأغنية نقاشًا جديًا حول المشاريع الغنائية والغرض الأساسي منها، هل هو الترفيه فقط أم أن الأغنية يجب أن تلعب دورًا جانبيًا في التحريض لتغيير المجتمع إلي الأفضل تطرح تساؤلات وتفكك الواقع كما هو،الحقيقة أن تجربة وجيه عزيز الغنائية استطاعت أن تشق طريقها نحو هذان العالمان عالم الترفيه وعالم التحريض، وحافظ على تعميق تجربته الفنية دون أن يضطر إلى تسليع نفسه والرضوخ إلي توازنات سوق الغناء حتى في الأغاني الخفيفة التي كان يقدمها بصورة أعمق من الأغنية الترفيهية العادية وهذا جعل تجربته ككل تصنف على أنها تتبع تيار الأغنية البديلة التي لا تسير وفق متطلبات سوق الغناء.

الكلمات:

كتب كلمات قول معايا الشاعر على سلامة رفيق درب وجيه عزيز الذي صنع معه العديد من الأغنيات الهامة في تاريخه.

كلمات الأغنية تبدأ  بفعل أمر “قول معايا” يضرب بها على أفواه المجتمع الذي أصابه الخرس أمام كافة الأوضاع الخاطئة وصبره على الحياة القاسية التي جعلته لا مبالي لا يدري أن كانت تلك حياة أم موته أم أننا على وشك الدخول في حارة سد.

“قول معايا قول بجد – هي عيشة ولا موته – ولا فوته في حارة سد – قول لحد أي حد “

“حد رايح حد فايت حد جاي – حد لسه فينا فايق حد حي – قول يا عم قول يا هم قول لحد لسه فينا عنده دم”.

الكلمات سلسلة وبسيطة وقاسية في نفس الوقت لا تجلد الذات بل تجسد الواقع الذي نعيشه من مشاكل وطن غارق في السلبية، بعيدًا عن تزييفه أو تجميله لصالح المستفيدين من بقاء الأوضاع كما هي.

يبدأ على سلامة المقطع الثاني بنفس بداية المقطع الأول تأكيد على أن الهدف الرئيسي هو كسر حاجز الصمت والكلام بشكل موسع عن مشاكلنا التي تورطنا فيها بسبب الصمت.

“قول معايا صوتي لسه ما انتهاش – ليه بنرخص ليه بنرضى نبيع بلاش – قول يا عم قول يا هم قول لحد لسه فينا عنده دم”

في هذا المقطع يفسر لنا انهيار القيم المجتمعية التي كنا نتفاخر بها كشعب له خصوصيته واختفت تلك القيم حتى أصبحت نادرة الوجود وأصبحنا نستجدي أي حد “قول ياعم قول ياهم” أم نحن في انتظار الفارس الذي “لسه عنده دم”.

عزيز الشافعي وموسم صيد الفرص

الموسيقى:

اختار وجيه عزيز أن يصيغ لنا لحنًا تعبيرًا جدًا على مقام “العجم” دون أن يلجأ إلى التطريب  حيث فكرة الكلمات لن تستوعب أي جزء تطريبي في لحنها.

إقرأ أيضا

إفطار المطرية.. “هنا لمة بطعم العيلة”

تبدأ الأغنية من إيقاع مارش عسكري صارم يصاحبه الالات النحاسية والخشبية التي توحي بأننا أمام راوي قرر أن ينظم الصفوف ويقود حملة التغيير بصيغة أمر غير متعالية بل توحد الصفوف تحت راية واحدة وحلم واحد يخصنا جميعًا.

يكسر إيقاع المقسوم تلك البداية الصارمة ويدخل بكل خفة ليعطينا مذاقًا شعبيًا لأغنية المفترض أنها موجهة أصلًا إلى عموم الناس.

في الجزء الأخير من الأغنية أبدع الموزع هشام نياز بشكل كبير في توصيف ونقل لنا أجواء الحارة المصرية وزحامها وعبثها والأصوات المختلفة المختلطة بداخلها من نواح ولهو أطفال وزغاريد ثم استدعى جملة لحنية من فيلم “أم العروسة” شديد المصرية وفرقة حسب الله وزحام الأصوات الذي جعلنا لا نسمع بعض فكل في واد بعيدًا عن الأخر، ويثبت لنا أن الموسيقى يجب أن تلعب دورًا رئيسيًا في توصيف حالة الكلمات وتمثل إنعاكسًا حقيقيًا لها.

قول معايا أغنية شعبية المذاق ابتعدت عن التهجين الموسيقي الفاضح الذي يمارسه الآخرين وابتعدت عن أغاني التنظير الغير مباشر والمتعالي أحيانًا على المجتمع والتي تصنع لحفنة منغلقة على نفسها من المثقفين، أغنية ضاربة في جذور الشارع المصري من ناحية الألفاظ والمفردات والتناول الموسيقي البسيط العميق جدًا، تفضح زيف التجارب الغنائية التي تدعي أنها تعبر عن المجتمع وما هي إلا محاولات للنصب عليه والغناء عليه لا الغناء له.