أغنية وإعلانات خليعة في رمضاااان! كأس المزايدات دوار
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أطلقت صفحة كبسولات لغوية لصاحبها “محمود مرسي” أغنية بالفصحى عن رمضان، ألحان بسيطة وكلمات روحانية لم تمنع جمهور المزايدات. حتى مبادرة بسيطة لإعادة إحياء اللغة الفصيحة لم تسلم من انتقادات المواطن الإسلامي الملائكي؛ للأسف في اليوم نفسه كان محمود يوجه مزايداته الملائكية ذاتها لإعلانات رمضان، معتقدًا أنها خلاعة متعمدة لاستهداف المشاهد.
محمود مرسي شاعر مصري ومؤسس صفحة “كبسولات لغوية” المهتمة بتصحيح الأخطاء اللغوية، وإعادة إحياء الفصحى وتسهيل استيعابها، من خلال محتوى تعليمي بسيط وكوميدي. في الواقع نجح في استقطاب متابعين وصلوا لأكثر من 800 ألف، يتفاعلون مع فيديوهاته ومنشوراته بشكل إيجابي يكاد يخلو من الانتقاد؛ فكلامه دقيق مبني على بحث لا تشوبه شائبة. كما استطاع جذب متابعيه إلى أرض الواقع أيضًا، من خلال حفلاته في ساقية الصاوي التي تلقى رواجًا مثيرًا للإعجاب.
تعليم الفصحى خارج الصندوق
كانت أحدث نشاطات محمود على صفحته هي أغنية بعنوان “حان الإفطار”، أطلقها لرغبته في وجود أغاني رمضانية مصرية بالفصحى. الأغنية المتواضعة التي قدمها محمود لم تكن الأولى فقد استخدم أغاني شهيرة من قبل وحولها إلى الفصحى، مثل أغنية “ستو أنا” لأكرم حسني وأغنية “أنت معلمة” الشعبية؛ مبادرة طيبة تمزج التسلية بالتعليم، واستغلال ذكي لشهرة أغاني لها جمهورها.
معارضة الأغاني العامية بمثيلها الفصيح قام به فلوجر آخر وبشكل أكثر احترافية؛ حيث اجتاحت أغنية “خِلَّاني“ لأمير عبد الواحد مواقع التواصل وأصبحت ترند لفترة، وهي عبارة عن النسخة الجاهلية للمهرجان الشعبي “إخواتي” كما وصفها الناشر. وجدت الأغنية تفاعلًا إيجابيًا ناجمًا عن لغتها السليمة، وخفة دم الممثلين، وجودة الإخراج والتصوير العالية؛ الأمر الذي جعل أمير يخرج بعد عام بأغنية أخرى على لحن وكلمات تتر مسلسل “بـ100 وش” وهي “دنانير“.
أغاني محمود الفصيحة متواضعة الإمكانيات والتفاصيل، حتى الصوت لا يمكن وصفه بالجميل، المؤثرات الصوتية فقط هي ما تجعل الأذن تتحمله؛ لكن التفاصيل الفنية تلك غير مطلوبة في محتوى تعليمي لا يهم صاحبه سوى نشر الثقافة العربية، الفن هنا وسيلة من ضمن الوسائل للوصول إلى غاية.
المزايدات الرمضانية لا تنتهي
شغفه باللغة العربية وحبه لها يجعله حاضرًا بشكل مستمر من خلال منشورات ومقاطع مصورة وأحيانًا حفلات في الساقية، لكن تلك المرة وقع محمود في فخ المزايدات بشكل فج. حين واجه انتقادات على أغاني تعليمية بدعوى تحريم الغناء والمعازف، رغم حرصه على عرض نسخة بدون إيقاع للراغبين. إضافةً إلى محاولات سابقة لإقناع المتابعين بعدم إجماع الفقهاء على تحريم الغناء والمعازف، عن طريق فيديو نشره العام الماضي لشيخ يلقي دروسًا على قناة الناس السلفية، حصد عددًا لا بأس به من ردود الفعل الغاضبة.
تأتي أزمة الأغاني والمعازف في الوقت نفسه الذي خرج فيه صاحب الأغنية مهاجمًا إعلانات رمضان؛ لأنها على حد تعبيره خليعة ومتعاقدة مع شارع الهرم، مشيرًا إلى أن صناع الإعلانات التي تشبه شواطئ العراة يتعمدون استهداف الناس دون احترام لشهر رمضان. متناسيًا أن المزايدين يرون أغنياته أيضًا نوع من أنواع الخلاعة، وأن موسيقاه البسيطة من أصوات الشيطان، ولو جادلت مع أحدهم قليلًا ربما تصبح في نظره كافر.
لم يستطع محمود أن يرضي شريحة من المتابعين الملائكة، الفئة المتدينة بشدة لدرجة أن تثيرهم أبسط المنشورات؛ تمامًا كما لم ترضيه إعلانات رمضان واعتبرها مؤامرة من محبي التعري. المزايد الإسلامي الشائع الذي ربما يتابع الصفحة تحت شعار “إحياء لغة القرآن”، بعيدًا عن الثقافة العربية وتصحيح اللغة التي نتحدث بها ولا نتقن أبسط أساسياتها. اللغة العربية لغة القرآن لكنه ليس فضلها الوحيد، ورمضان شهر الصيام لكنه لا يعطي المبرر للمزايدات الفارغة، التدين بين العبد وربه لا على صفحات الفيسبوك.
في النهاية عزيزي المتابع الكلمات التي تعجبك لا تقرأها، والأغاني المحرمة لا تستمع إليها، كما أن الإعلانات الخليعة المتآمرة ضدك يمكن تجنب مشاهدتها ببساطة. المزايدات تلف وتدور إلى ما لا نهاية، حتى المواطن الإسلامي الملائكي يمكن بسهولة المزايدة على تصرفاته، لكن رمضان أبسط من كل الجدالات السخيفة تلك.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال