ألبوم محمد محي بتاع زمان .. أن تأتى متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا

كان من المفترض أن أبدا في كتابة هذا المقال الخاص بالأغاني التي صدرت من ألبوم المطرب محمد محي تحديدًا بعد صدور الأغنية الخامسة منه “بعدنا” ولكن حالت ظروف كثيرة أدت لعدم كتابته، ويبدو أن التأجيل لم يكن في صالح تلك الأغنيات الخمس حيث مثلت أحد النقاط المضيئة في موسم كارثي بمعنى الكلمة على مستوى صناعة الموسيقى والغناء في مصر، وأعتقد أنه لا سبيل للتأجيل أكثر من ذلك وحان الوقت كي نطل عليها ونفرد لها مساحة كما أفردنا للعديد من الألبومات التي صدرت معها في نفس العام ومررنا بخيبة أمل كبيرة في العديد منها.

بهذا الألبوم يعود محي إلي الساحة بعد فترة غياب طويلة تخطت العشر سنوات، وأن أصدر خلالها بعض الأغنيات المنفردة “مزيكا حزايني” “الخوف من اللي جاي” و”الراوي” وفي تصريحات له أكد على أنه يختار في هذا الألبوم تحديدًا منذ بعد يناير 2011 واستقر أخيرًا على ثماني عشر أغنية حيث سيكون الألبوم الأضخم في مسيرته الفنية.

أقرأ أيضًا … أشباه منير أتباع الملك السائرون خلفه 

“سهرانين”

مقدمة موسيقية غير مستنسخة من جملة اللحن الأصلية صنعت ما يشبه المفاجأة للدخول الهادئ جدًا من محي، صوت محي في أرق حالاته الفنية يصاحبه إيقاع شرقي بسيط وجمل وتريات رخيمة شديدة العذوبة مع ناي يتألق في خلفية المشهد فيعطي كمال للحالة.

كلمات نور الدين حمدي جاءت بمفردات بسيطة شجية عبرت عن الفكرة جيدًا، لحن محي بسيط حد التعقيد مهد له جيدًا من أول جملة موسيقية فيه وصنع جمل متماسكة تماهت مع مضمون الكلمات، توزيع العشي من أحلي وأبسط ما يكون، جمل وتريات قوية جدًا وصولو ناي رقيق وإيقاع شرقي هادئ يعيدنا إلي زمن الأغاني الكلاسيكية، لزمة الأغنية جاءت بالتبادل بين الناي والوتريات بجمل أصلية غير مستنسخة من اللحن الأصلي، جملة الوتريات التي سلمت الغناء لمحي في الكوبليه الوحيد في الأغنية جاءت رائعة جدًا،  الأغنية واحدة من أفضل ما صنع محي على الإطلاق وواحدة من أفضل أغنيات 2020.

“فوضت أمري فيك”

يشتهر محي كونه ملك الأغنيات الدرامية ويحسن اختيارها على مدار تجربته الغنائية ولا يفوت أي ألبوم دون أن يضم فيه العديد منها، فوضت أمري فيك جاءت ضعيفة في مفرداتها من الشاعر أشرف أمين في مزيج من الخضوع والحسبنة على المحبوب، وعلى الرغم من ذلك أجاد محي في صبغ لحن يتماشى مع تلك الفكرة التي قد لا تروق للبعض بنقلة متميزة جدًا في الكوبليه.

التوزيع جاء جيدًا من محمد العشي خصوصًا في اختيار الإيقاع ولزمة الأغنية القوية جدًا، وأن عابه المبالغة في الأعتماد على اّلة الكلارينت ب صولوهات لم تهدأ طيلة الأغنية أضفت حزنًا مضاعفًا على موسيقى الأغنية.

” قلت أخونه”

فكرة غير تقليدية من الشاعر نور الدين حمدي وأن حملت بعض الطلاسم في سردها، فاختلط الأمر على المستمعين “من الخائن في القصة”، وأن فسرها محي في لقاء على أحد الإذاعات.

الدخول كان جيدًا من الجملة الإيقاعية المتزاوج معها الجيتار، جملة لحن السينو من كريم حمدي كانت رائعة وموسيقي الفاصل من الموزع فهد كانت أفضل ما فيها، وأن عاب التوزيع هو خلوه الهارموني قليلًا معتمدًا على الكي بورد والكولة والجيتار.

دائمًا ما يحلق محي خارج السرب بمضامين أغانيه حتى وأن دارت في فلك العاطفة، لكن قلت أخونه من الأغاني الصعبة جدًا والتي يمكن أن تترك المستمع يستنبط منها ما فهمه. 

“قضية”

محاولة جيدة لصنع أغنية تحمل بين طياتها مفردات هزلية ساخرة، والجديد فيها أنها من فريق عمل معروف عنه صنع الأغاني الجادة، بداية من الشاعر الراحل “رضا أمين” والذي عبر عن الحب في سياق جديد ومختلف ومفردات تستخدم لأول مرة  تذكرنا بمونولوجات محمود شكوكو وإسماعيل يس، وأن كانت تجربة رضا أمين لم تخلو من تلك الأغاني في المطلق وأشهر ما كتب كانت أغنية “المليونيرات” مدحت صالح والتي لا تقل سخرية عن “قضية”

أما اللحن فكان ل مصطفى عوض الذي لا يعتمد على الكم بل الكيف وتتسم ألحانه بالنضوج والجمل القوية المتماسكة، ووضح في قضية قدرته على صنع حالة من البهجة تماشت مع سخرية الكلمات.

توزيع فهد جاء تسعيناتي بإمتياز، إختيار إيقاع المقسوم بحلياته المعتادة كان موفقًا ناسب طبيعة الكلمات الساخرة، لزمة الأغنية حفلت بالعديد من الأصوات التسعينية من الكي بورد والجيتارات.

إقرأ أيضا

سيرة بيرلو (7).. توتي بطريقتي!

“بعدنا”

الثنائية المدهشة بين الشاعر أحمد مرزوق والملحن محمد رحيم صنعت أغنية تعتبر درة الأغنيات التي صدرت من الألبوم حتى الأن.

لحن رحيم طاغي جدًا على الكلمات، أفضل ما في رحيم الملحن هو قدرته على التمهيد إلي اللحن من البداية فيجعلك كمستمع تشتبك مع الأغنية من بدايتها لنهايتها بجمل لحن تصاعدية دسمة جدًا، كلمات مرزوق كانت جيدة بصور قوية ومفردات جديدة، أداء محي يذكرنا ببعض الأغنيات القديمة له حيث طغت التعبيرية على أداؤه.

الأغنية حالة فنية مختلفة جدًا وان عابها هو التوزيع الخالي تمامًا في جزء الهارموني رغم ذكاء فكرة الغناء المرسل دون إيقاع في بدايتها.

يختلف محي عن بقية جيله في امتلاكه مشروعًا غنائيًا طويل الأمد لا يتأثر ولا يعترف بتقلبات السوق الغنائي حتى وإن جنح إلى مداهنته والسير مع ما يتطلبه في وقت من الأوقات.

 في الخمس أغنيات نجده محمد محي يسير وفق رؤيته الفنية شديدة الخصوصية لا يعبأ  بما يقدم حاليًا في السوق الغنائي حتي مع تغير ذوق المستمع يظل راهنه على جمهوره الذي ينتظر الجديد منه بكل شغف، يحافظ على خصوصية مشروعه الغنائي بأغنيات تطبخ في مطبخ فني خاص وهو ما منحها اثرًا لا يزول ابدًا، يغيب محي كثيرًا وأحيانًا يأتي متاخرًا لكن هذا أفضل من ألا يأتي ابدًا.