إعلان زين 2024 .. وردة فوق صدر الشهيد
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ربما لا يغير الفن من الواقع تغييرًا ملموسًا وقتيًا، لكن الفن دائمًا يمكنه تلوين الواقع شديد السواد والكآبة إلى الأحمر والأخضر والأصفر والأبيض .. ربما لا يطعم الفن الأطفال المحتجزين في الحضّانات وفوق رؤوسهم فوهات الدبابات التي تمنع عنهم الغذاء والماء والدواء، لكنه –بالتأكيد- يمكنه أن يربت على أكتاف زويهم .. ربما لا يصنع الفن قبة تحمي الرؤوس من قصف الفانتوم، لكنه قادر على تحويل صوت القصف لسيمفونية .. ربما لا يحيى الفن من مات في غزة .. لكنه على الأقل سيرسم وردة على صدر الشهيد!
هذه المقدمة تحديدًا هي روح ما حدث في إعلان زين هذا العام .. الذي يجوز لنا أن نصفه بـ “مرافعة جديدة لحنظلة” .. وحنظلة هو أيقونة الرسام الفلسطيني ناجي العلي، وهي شخصية كاريكاتيريه، يبلغ من العمر عشرة سنوات، وهو السن الذي طرد فيه من وطنه الأصلي في فلسطين، ويدير ظهره للجميع ويظهر دائمًا مكتوف الأيدي في علامة لرفض كل مظاهر التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني، ولن يظهر وجهه إلا عندما يعود لوطنه الأصلي وتعود الكرامة العربية، ولا تنطبق عليه قوانين الطبيعة إذ أنه سيظل في العاشرة من عمره حتى يعود! .
ويظهر إعلان رمضان 2024 لشركة زين، حنظلة في مقدمة صفوف الأطفال الذين يتعرضوا لحرب إبادة بالسلاح الصهيوني تحت مظلة صمت ومداهنة دولية، ويبدأ الإعلان بكلمات شديدة التأثير :”لأن الكبار سكتوا سيترافع الأطفال .. وستتنصفنا الشعوب .. إذا ميزان الساسة مال”، ونسمع مجموعة من الكلمات الشهيرة التي أصبحت بمثابة “سلوجان” أو “رمز صوتي” للقضية الفلسطينية في موجتها الجديدة بعد حرب السابع من أكتوبر .. كلمات يحفظها الجميع عن ظهر قلب، مثل : “روح الروح هذه” .. “يوسف .. شعره كيرلي .. وأبيضاني وحلو” .. “يا كمال” .. وكذا يرسم “الموديلز” في الإعلان تجسيد لصورة أطفال غزة الأصليين، والذين يصطفون في الإعلان خلف شخصية حنظلة التي تتزعم الطابور في اقتحام لجلسة مجلس الأمن، التي تُطبخ فيها المهادنات المائعة والسياسات التي توفر الحماية للكيان الصهيوني في قتل وتشريد وإبادة الأبرياء من أطفال فلسطين، في اغتيال عَلني لروح الطفولة حول العالم كله.
وكانت كلمات الإعلان مؤثرة للغاية، وصريحة وصارخة في وجه السياسة العالمية الظالمة لأطفال فلسطين، وكاشفة حتى إنها فيها روح من فاجومية عمنا أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى، وانبرى الإعلان في إظهار التوتر على وجوه الساسة الذين كانوا قد استكانوا في حلقة الحوار التي تُدار في اتجاه واحد، أو على الأقل في اتجاهات متفرعة تفضي في النهاية إلى توجه واحد، وهو عدم الوقوف في وجه الكيان الصهيويني، لكن صوت حنظلة ومن خلفه أطفال فلسطين كان قد أقلق الجَمع السياسي .. وبشّر الإعلان في نصفه الثاني بالعودة إلى الديار، وهي بشرى حنظلة الذي لم يكل ولم يمل في التبشير بها، وعلى الرغم من اسم العنوان “سنعود”، إلّا إن الإعلان –وبعيدًا عن بشرى العودة – يعد صرخة في وجه العالم تتبعها وضع وردة فوق صدر الشهيد.
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال