إله النقد أو حُسحُس الوسط الثقافي

“أنا حسحس وحسحس أنا .. إسمعها مني يا بلدية كلمة صغيرة لكن هي .. كيد العوالم مين قده لو مال على حيط هدُه” .. كلمات خالدات قالها المبدع محمود حميدة في المشهد الختامي من فيلم كيد العوالم بعد أن سمع بأذنيه الحكم عليه بالسجن عشرة سنوات واكتشف أن خديعة نسائه كانت السبب في ذلك ففقد عقله ومشى في الشوارع بفانلة حمّالات ممزقة طالقًا شعره ولحيته بعشوائية يضرب في هذا ويروّع ذاك .. كلمات خالدات تلخص حالة رجل مجنون يظهر في فيديوهات تشبه فيديوهات المضطربين على مواقع الديب ويب والإنترنت الأسود .. رجل يشبه تعساء كل مجال، الذين لا يجيدون العمل المستمر والشقاء وحفر الاسم بالصبر والعرق فيختصرون كل ذلك ويضرمون النار في الجميع وفي أنفسهم كمحاولة تعيسة أخيرة للظفر بما يظنون أنهم يستحقون، وفي النهاية يخرجون من المولد بلا حمص وإنتاجهم كله – بعد سنوات – سيكون عبارة عن نُكتة في الجلسات الخاصة حيث يقول أحدهم للآخر : فاكر الواد اللي حاول يعمل كذا من كام سنة؟! .. وتنتهي النكتة بضحكة غير مكتملة لعدم أهمية الأمر من الأساس .

من الممكن أن تسأل : طالما الأمر برمته مجموعة من  الكلمات التافهات التي خرجت في الهواء الطلق فضاعت كما يضيع دخان الشيشة بلا بقاء ولا تأثير .. لماذا انتفض الكثيرين للرد عليه؟ .. أقول لك أن زمن الفضاء الإلكتروني المفتوح صنع شرخًا في موازين الحق والخير والجمال .. اختل الميزان بالقدر الذي لابد أن تحافظ فيه على نفسك من كل من هَب ودَب .. وبالأخص إذا كان هذا كائن المذكور كائن ظلامي مريب قرر أن يخترق الحياة الشخصية وينتهج طريق كيد العوالم في حديثه إلى خصمه .. حيث كان يوجه كلامه للكاتب طارق إمام في لايف على حسابه الشخصي، توقيت اللايف بالضبط 11 دقيقة قال فيها كلمة “الست اللي خلعتك” حوالي 10 مرات أو أكثر .. وهي طريقة بلدي قديمة أن أدس لك ما أظن أنها إهانة مُضفّرة في سياق الرد .. وهي طريقة يمكن لأي امرأة في الحواري الإبداع فيها أكثر من هذا الذي يطلق على نفسه “إله” وقد فشل حتى في صناعة إهانة تليق بحجم كاتب حقق نفسه أدبيًا كـ طارق إمام .

من هو حسحس؟ .. حسحس يا أصدقاء هو واحد ممن يتكلمون بثقة مطلقة، وكأن الله خلقهم وأغلق من بعدهم خط الإنتاج .. وهذه الطريقة – عمومًا – هي العملة السحرية في عصرنا الحالي .. تحدق بثقة وضع سياجًا حول كلامك ودججه بالاتهامات وتنهد بين الكلمة والأخرى وضع السيجارة في جانب الشفاة الأيسر لتصنع صورة هي الأقرب لزبون السوشيال ميديا .. يقول أن “المظلومية بتجيب” لكن الحقيقة أن إدعاء الثقة المبالغ فيه “بيجيب أكثر” .. ويظهر “حسحس” للأسف على محطة النيل الثقافية للأسف – وهنا لنا لوم على استضافة مثل هؤلاء – في مشهد تخريبي ليس له من الدلائل سوى مجموعة منشورات على فيس بوك لا تسمن ولا تغني من جوع .. منشورات وكلمات وفيديو مبتور يتهم فيه نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، وبهاء طاهر بالسرقة علنًا .. ولو كان نجيب محفوظ على قيد الحياة وسمع لهذا ما كان التفت إليه من الأساس وتركه ليحرق نفسه كما يفعل الآن .. لكن الزمان – وما أدراك – جعلنا مضطرين للرد على حسحس .. فلتضعوا كل حُسحس في حجمه !

إقرأ أيضا

شخصية سترة في العتاولة .. “فريدة سيف النصر” وحصاد خبرات السنين