“إلى آل دياب” تعلموا من فيلمين أحدهما لنور الشريف والثاني تأثر به مع يوسف شاهين
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أثارت رسالة فيلم أميرة التي طرحها آل دياب جدلاً واسعًا خلال الأيام القليلة وانتهى به الحال إلى سحبه من العرض، مع غضب عارمٍ من فكرته التي تسيء إلى الأسرى الفلسطينيين.
قصة الفيلم وما هي رسالته
صاغ صناع فيلم أميرة قصة حول فتاة فلسطينية ولدت عن طريق تهريب نطفة سجين فلسطيني داخل السجون الإسرائيلية، لكنها اكتشفت لاحقا أن النطفة المهربة كانت تعود لضابط إسرائيلي وليست للسجين الفلسطيني الذي يفترض أن يكون والدها.
مخرج ومؤلف الفيلم محمد دياب قال خلال بيان الاعتذار عبر صفحته الشخصية «اختيار الحبكة الدرامية الخاصة بتغيير النطف جاء ليطرح سؤالا وجوديًا فلسفيًا حول جوهر معتقد الإنسان، وهل سيختار نفس اختياراته لو ولد كشخص آخر».
رسالة فيلم أميرة وعلاقتها بفيلمي Hanna K وخيط أبيض؟
رسالة فيلم أميرة هي إجابة على السؤال الوجودي «هل ستختار نفس اختياراتك لو ولدت كشخص آخر»، وتم دمج هذا السؤال مع قصة تتناول الصراع العربي الإسرائيلي ومعاناة الفلسطينيين كشعب وأسرى.
حبكة الربط بين السؤال الوجودي ومعاناة شعب فلسطين تم طرحها من قبل عبر فيلمين قاما بالدفاع عن القضية الفلسطينية وبشكل راقي، أولهما فيلم (Hanna K) – حنا كِـ – إنتاج 1983 م، الذي دافع عن القضية الفلسطينية وناقش السؤال الوجودي، والثاني فيلم خيط أبيض خيط أسود بعده بعام، ولو عُرِضا الآن بالعقليات الحالية لهوجما من العرب أيضًا، وينبغي هنا استدعاء نموذج نور الشريف ويوسف شاهين في ذلك الربط.
حنا كِـ .. نطفات لعينة في لحظة ضعف
تدور أحداث فيلم «حنا K» – الذي كان موجهًا للجمهور الأوروبي -، حول محامية يهودية من أصول بولندية، اسمها حنا كوفمان، هاجرت عائلتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية فرارًا من مذابح هتلر ليهود بولندا، وتولد حنا في الولايات المتحدة الأمريكية وتكبر وتتزوج من محامي فرنسي.
بسبب تلك الزيجة نالت حنا الجنسية الفرنسية، وعقب وقوع خلافات مع زوجها سافرت إلى فلسطين بعد قرارها بأن تصبح إسرائيلية وتسكن في القدس وتشتغل بالمحاماة، دون أن تتطلق من زوجها الفرنسي.
استقرت حنا كوفمان في إسرائيل وعملت بمكتب محاماة ومن خلال عملها تعرفت على رجل يعمل في الإدعاء (النيابة) ونتيجةً لفراغها العاطفي دخلت معه في علاقة أثناء لحظة ضعف أسفرت عن حملها منه.
على نفس الخط الزمني لقصة المحامية حنا كطفلة، يتعرض الطفل سليم بكري إلى التهجير مع أسرته من قرية كفر رمانة إلى المخيمات في الضفة ولبنان، وتفريغ القرية من كل معالمها وتحويلها إلى مستعمرة إسرائيلية للمهاجرين من روسيا، ويظل منزله هو الوحيد الذي لم يتعرض للهدم لأنه قديم.
يكبر الطفل سليم بكري ويسافر إلى القدس للبحث عن منزله ليتم إلقاء القبض عليه بتهمة الإرهاب ويتم تكليف المحامية حنا كوفمان بالدفاع عن الفلسطيني الأسير سليم بكري، فتنجح في تبرئته من تهمة الإرهاب وتصدر المحكمة حكمًا بترحيله بدلاً من سجنه.
وتتطور أحداث الفيلم ليتم القبض مرة أخرى على سليم بكري لكن هذه المرة بتهمة دخول القدس، فيطلب سليم بكري أن تتولى المحامية اليهودية حنا كوفمان مهمة الدفاع عنه مرةً أخرى، وترفض المحامية حنا كوفمان الدفاع عن الأسير الفلسطيني لأنها توشك على الولادة بضغطٍ من حبيبها.
ينتظر الأسير الفلسطيني حتى تضع جنينها، ثم يطلب منها بعد الولادة أن تدافع عنه، لترفض مرةً أخرى بحجة انشغالها في تربية المولود، ليقرر الأسير الفلسطيني الدخول في إضراب عن الطعام لحين موافقتها على الدفاع.
يتصاعد الخط الدرامي للفيلم حين يخبرها أن دخوله إلى القدس ليس من أجل شن هجوم على المستوطنين، وإنما بهدف البحث عن منزله واستعادة الأرض، وتقبل المحامية حنا كوفمان الدفاع عن سليم بكري من تهمة الإرهاب، وتنجح في إصدار قرارٍ بإخلاء سبيله على ذمة القضية، وتقرر أن تتولى رعايته داخل منزلها ثم ترفع قضية ضد السلطات الإسرائيلية لاسترداد منزل سليم بكري وبعد ذلك تنشأ بينهما قصة حب.
يتأزم وضع المحامية اليهودية عندما تتعرض إلى ضغوط من المجتمع الإسرائيلي، ثم عشيقها الذي يعمل ممثلاً للنيابة ضد الفلسطيني سليم، فيطلب من زوجها الفرنسي تهديدها برفع قضية ضدها لضم الطفل له لأنه يسكن مع (إرهابي).
ينتهي الفيلم بمعرفة المحامية حنا كوفمان للخطة بين عشيقها وزوجها، فتطلب الطلاق من الأخير وتعيد طفلها للعشيق لكنه يرفض، وتقول جنينها «يا لها من جلبة كبيرة تسببت فيها بضع نطاف»، وتقرر الاستمرار في الدفاع عن قضية سليم، ليحدث انفجار في قرية كفر رمانة وعلى إثره تحوم الشبهات حول سليم فيترك المنزل وتقوم قوات الأمن الإسرائيلية بمحاصرة منزل المحامية، وينتهي الفيلم بنهاية مفتوحة.
خلال ساعتين إلا ثلث عرض فيلم «حنا K» تفاصيل معاناة الشعب الفلسطيني وسرقة الكيان الصهيوني لتاريخهم، وفي نفس السياق الإجابة عن سؤال «هل ستختار نفس اختياراتك لو ولدت كشخص آخر»، إذ أن حنا كفتاة يهودية تأثرت بما تعرضت له عائلتها أيام هتلر، ولم تتخلى عن يهوديتها ولا ذكرياتها، وفي نفس الوقت رأت في تصرفات إسرائيل تجاه شعب فلسطين تقليدًا أشد دموية مما كان يفعله هتلر باليهود.
الأمر نفسه شعرت به مع ابنها المولود، فهي تلعنه لأنه نطفة جاءت في لحظة ضعف، ولكنها لا تريد التخلي عنه حتى لا يشبه أباه، وبرغم أنها يهودية وأم، فكرت في التخلي عن ابنها دفاعًا عن الشاب الفلسطيني.
رسائل فيلم «حنا K» السياسية والتاريخية كانت مثيرة ومتعددة، أبرزها وألطفها مشهد توجه المحامية إلى قرية كفر رمانة ويوقفها كمين إسرائيلي ينكر وجود القرية، فتُخْرِج له خريطة من 500 سنة وتعطيها للضابط فيقول هذه خريطة قديمة والقرية الآن اسمها كفر ريمان، في رسالة لطيفة إلى أن دولة الكيان ليس لها تاريخ.
جماليات الفيلم تتمثل في المشاهد الخارجية للقدس وأجمل مشهد هو زيارة المحامية للمسجد الأقصى من خلال طريق كنيسة القيامة، وصوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد يصدح بما تيسر من سورة مريم، في إسقاط جميل ونبيل، ثم أغنية إذا الشمس غرقت للشيخ إمام.
ردود الفعل تجاه حنا K .. ومحاولة من نور الشريف ويوسف شاهين
لم يتم عرض فيلم «حنا K» على أي فضائية عربية حتى الآن، باستثناء نسخة مسربة من الولايات المتحدة الأمريكية قبل سحب الفيلم بيوم واحد (شـاهده مترجم هـــنـــا)، وبدأت مشكلات فيلم «حنا K» عندما رفضت دوائر العلاقات الصهيونية مع دول العالم عرضه بتلك الحبكة لأنها تنسف إسرائيل كفكرة وتنصف فلسطين كدولة، وأثار الفيلم حينها جدلاً لدرجة أن شركة الإنتاج لم تدفع دولارًا واحدًا في التسويق والدعاية، فقام المخرج بدفع ثمن الدعاية والتسويق من جيبه لطرحه سينمائيًا.
تعرض الفيلم بعدها لحربٍ شعواء على كافة الأصعدة، فأفراد العصابات الصهيونية زرعوا قنابل داخل دور العرض في أوروبا أجبرت أصحابها لرفض عرض الفيلم، ليتم عرضه في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة يومٍ واحد وفي اليوم التالي تصدر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ريجان قرارًا بمنع الفيلم.
أصيب كوستا جافراس بالإحباط وقرر تغيير الجو مع زوجته فسافرا إلى مصر وداخل أحد المطاعم المجاورة لسينما قصر النيل قابله الفنان نور الشريف والمخرج يوسف شاهين لعرض الفيلم.
يحكي نور الشريف في حوار له مع عمر زهران على قناة CBC سنة 2011 عن ذلك اللقاء ويقول «كنا محرجين أنا وشاهين، يعني هنعرض كام على المخرج عشان يدينا نسخة من الفيلم نعرضها في مصر، كان وقتها ثمن الفيلم التجاري الأمريكي اللي بيجيب فلوس 4 آلاف دولار، فأنا عرضت 6 آلاف دولار، ويوسف شاهين عرض 8 آلاف، بس الراجل ساب الأكل ومشي واعتبر إن دي إهانة».
يوضح نور الشريف مأساة فيلم «حنا K» فيقول أن رأس المال العربي لم يتحرك من أجل الفيلم فصار صيدًا سهلاً للصهاينة ولم يتم عرض الفيلم على أي قناة فضائية عربية إلا بعدها بعدة سنوات، كان لابد حينها أن يقوم رجال الأعمال العرب بشراء الفيلم وعرضه بطريقة لا يحاربنا بها الصهاينة، من خلال توزيعه على طلبة الجامعات في أوروبا والمراكز الثقافية إلى غير ذلك.
خيط أبيض خيط أسود .. التأثر بـ فيلم «حنا K» دون سرقته
بعد أشهر من فيلم «حنا K» تجرأ نور الشريف على المشاركة بشخصية (عيسى المسيحي الفلسطيني) في فيلم آخر اسمه خيط أبيض خيط أسود وهو إنتاج عربي (مغربي) إيطالي أخرجه بو غالب بوريكي، وشارك فيه نجوم عرب وإيطاليين ومصريين أبرزهم نور الشريف وأمينة رزق وصفية العمري.
تدور قصة فيلم خيط أبيض خيط أسود في جو يتشابه نوعًا مع أجواء فيلم «حنا K»، حيث قيام مجموعة من الإيطاليين المسيحيين بزيارة إلى القدس بهدف الحج لكنيسة المهد، ثم يزوروا السوق، وهناك تبيع أم سعد المسيحية، الخضار وتشتري منها امرأة إيطالية تدعى (ايزابيلا) وتقول أنا أعمل في نفس مهنتك، ليقع انفجار ضخم وتصاب إيزابيلا وأم سعد.
تتطور أحداث الفيلم عندما تأتي حفيدة إيزابيلا من إيطاليا لزيارة جدتها وتجدها في منزل أم سعد بعد خروجها من المستشفى، وهناك تتعرف على الشاب عيسى وتقع في غرامه، ثم تتعرف على معاناة الشعب الفلسطيني.
تصاعدت أحداث الفيلم عندما تعترض الجندية سارة على سلوكيات الجيش الإسرائيلي عندما يجتاح قرية عربية في منطقة الخليل لتحويلها إلى مستوطنة ويتم اعتقال عيسى وطرد الأسرة الإيطالية، فيتم صدور قرار بتسريحها.
ينتهي الفيلم بقرار من سارة وهي (يهودية) أن تقوم بمساعدة سعد (المسيحي) لإنقاذ شقيقه عيسى وينجحوا في ذلك دون إراقة دماء، وتهرب المجموعة من الأسر ليتم اكتشافهم بواسطة مروحية صهيونية ويتم قصفهم جمعيًا ليموتوا عدا سارة التي قالت «يا إلهي .. إلى متى يبقى هذا العنف».
أجاب الفيلم عن السؤال الوجودي «هل ستختار نفس اختياراتك لو ولدت كشخص آخر»، دون أن يسيء للأسرى، بل على العكس عرض فيلم خيط أبيض خيط أسود وضع الأسرى بشكل أشد من فيلم حنا كِـ، ولعل أقوى جمل الفريق سؤال عيسى لخطيبته «أنتي مسيحية إيطالية، وعيسى المخلص قبل أن يصبح نبيًا وُلِدَ في بيت لحم، ماذا لو رجع المسيح الآن هل ستكون جنسيته تبع رسالته أم ستكون جنسيته للمكان الذي وُلِد فيه، فلسطينيًا وعربيًا».
تعمق الفيلم في الوضع العقائدي، فكانت سارة (اليهودية) معاونةً لـ سعد (المسيحي) في إنقاذ شقيقه (عيسى) من الأسر، ولم تتخلى لا عن يهوديتها ولا حتى جنسيتها (الإسرائيلية)، كل ذلك تم دون الإساءة إلى أي شيء يخص القضية الفلسطينية.
رد الفعل تجاه خيط أبيض خيط أسود
كان حظ فيلم خيط أبيض خيط أسود، أسوأ من حظ فيلم «حنا K»، فالأخير تم عرض نسخة مسربة منه، أما فيلم خيط أبيض خيط أسود لم يتم طرحه سينمائيًا حتى اليوم.
ذكر نور الشريف في حواره مع عمر زهران أن إسرائيل سرقت نيجاتيف الفيلم إذ الشركة المنتجة لم يكن لديها الخبرة الكافية في الحفاظ على النيجاتيف فتعرض للسرقة وتم إخفاءه.
غير أن بو غالب بوريكي مخرج الفيلم تواصل مع محرر موقع الميزان قبل سنوات وحكى تفاصيل أخرى، قائلاً «قمنا بالتصوير في مراكش المغربية، ومع انتهاء الفيلم فوجئنا بزيارة من عقيد وضابطين يتبعان جهاز الموساد للإطلاع على الفيلم، ومن هنا بدأت المشاكل التعسفية التي جعلتني أغادر المغرب ومعي نسخة مما تم تصويره».
وذكر بوغالب بوريكي أن أحد أشكال المشاكل التي تعرض لها هي التضييق القانوني داخل المغرب، ووصل حتى إلى درجة ملاحقتي قضائيًا وأنا في روما وتم حجز النسخة التي معي، إلى أن استعدتها بعد أن أسْقِطَت عني التهم من القضاء المغربي في أواخر التسعينيات، وقمت بترميمه وآمُل في عرضه، وهو الشيء الذي لم يحدث حتى اليوم رغم التكهنات التي طُرِحت سنة 2005 م بأنه لو عُرِض في الدول العربية سيحقق أرباحًا طائلة.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال