الثوابت الوهمية.. (الجزء التالت: تحريم الرق) 06 – التجريم بالإكراه

خلال خمس حلقات وضحنا عدم تحريم الرق لا بشكل مباشر ولا حتى تدريجيًا، كمان استعرضنا وجود الرق في مختلف مراحل دولة الإسلام، من أول جواري النبي مرورًا بمعاهدات الخلفاء الراشدين وتطور النخاسة في العصر الأموي وصولًا إلى ثورة الرقيق في العصر العباسي.

الحلقة دي هنخلص إثبات استمرار الرق في دولة الخلافة في كل عصورها.

مرور سريع

كل الدول أو المسميات الشهير منها والمغمور أغلبها حكم من الباطن، زي الأيوبيين والأخشيديين والأتابكة والمماليك.. إلخ، كل دول كان بيلزمهم طول الوقت برفان “عربي” يحكموا باسمه، فالشرعية كانت أن الإمام الكبرى لقريش، أول من تحدى القاعدة دي علنا في المعسكر السُني همه بنو عثمان بإسقاطهم للخلافة العباسية “الصورية” وإعلان الخلافة العثمانية.

بالتالي مافيش داعي نفضل نستعرض كل اللي حكموا تحت يافطة العباسيين، فهكتفي بما سبق وقلناه عن الدولة العباسية نفسها، وبأن أكبر وأهم من حكموا من الباطن في العصر العباسي همه المماليك نفسهم، فمافيش داعي نحرق كهربا في إثبات ما هو مثبت من اسمه.

خلال العصر العباسي قامت خلافتين مستقلتين وأعلن قائد كل منها نفسه خليفة المسلمين، الدولة الفاطمية وعاصمتها القاهرة.. والخلافة الأموية في الأندلس، يمكن دول بس اللي هنحتاج بسرعة نسبت أستمرار الرق في فترة حكمهم قبل ما نخش على العثمانيين.. أخر دول الخلافة الإسلامية.

الدولة الفاطمية

غالبية مشايخ السُنة بيتنصلوا أو بيتجنبوا ذِكر “الفاطميين” لأنهم شيعة، رغم كونهم بُناة الأزهر (اسم الأزهر نسبة للسيدة فاطمة الزهراء)، بس أنا هنا مضطر أذكر الفاطميين لأن دولتهم كانت بمثابة التمهيد اللي بعده بقى وصول الرقيق للعرش وإعلان دولة المماليك مسألة وقت.

فدور الرقيق في دولة الفاطميين كان أكبر من الخدمة في البيوت أو الفلاحة في المزارع، فتم تجنيدهم بكثافة عالية لدرجة وجود فرق كاملة من الجيش قوامها بالكامل من الرقيق، ومع الوقت تدرج النابهين والمميزين منهم من عساكر لقادة.. إلخ، الأمر نفسه حصل في الجهاز البيروقراطي للدولة، فشهدت الدولة صعود اجتماعي وظيفي للرقيق عسكريًا وإداريًا.

الباحثة العراقية مها عبد الله الشرقي في دراسة دور العبيد العسكري والإداري في مصر الفاطمية رصدت مصادر الرقيق وأماكن بيعهم ومدى تنوع أجناسهم وعلاقة التنوع ده بتمدد هيمنة الدولة ثم إلى أي مدى وصل الاعتماد عليهم وتوغلهم التدريجي في أجهزة الدولة.

الدولة الفاطمية سقط على أيد أخر الـ “وزراء العظام” صلاح الدين الأيوبي، أعاد القائد الكردي مصر لحضن الدولة العباسية أسميًا وبدء يتوسع ويضم الولايات الإسلامية المتفرقة تحت حكم الأيوبيين باسم العباسيين، لغاية ما مات وأتفتت الكتلة مرة تانية على الورثة، لغاية ما أنهت جارية الملك الصالح أيوب “شجرة الدر” الدولة الأيوبية وبدءت بمعاونة فارس الدين أقطاي وركن الدين الظاهر بيبرس دولة المماليك، اللي طبعًا بتحكم من الباطن باسم العباسيين.

 شجرة الدر

حكم الرقيق/المماليك استمر من 1250م لغاية 1517م، واتقسم لحقبتين رئيسيتين، دولة المماليك البحرية (1250-1382) ومن بعدها دولة المماليك البرجية (1382-1517).

الرق في الأندلس

الحكم الأموي للأندلس استمر قيمة 7 قرون (316-1030)، مبدئيا كده اللي يحب يقرا بالتفصيل.. د. هيفاء سليمان الإمام ليها كتاب عنوانه “دور العبيد والجواري في الأندلس”، كمان فيه رسالة ماجستير مشتركة بعنوان الرق في الأندلس، الباحثتين راصدين حكم الرق في الإسلام.. مصادر الرقيق.. أنواع الرقيق.. تجارة الرق.. وأخيرًا دور الرقيق في المجتمع.

غلاف الكتاب

وكفكرة عامة فالدولة الأموية في الأندلس قامت واستمرت على أكتاف الرقيق، إن كان على مستوى القتال أو الاقتصاد أو حتى الترفيه، فتجييش الرقيق للحرب تحت لواء دولة الخلافة ظل سائد من صعود الدولة حتى نهايتها، وأنتهج الأمويين في الأندلس نفس نهج العباسيين في الشرق.. كانوا يشتروا العيال الصغيرة يدربوهم ع السلاح ويعلموهم الدين وبعد 10 سنين بالكتير يبقى عندهم مقاتلين متدربين طول عمرهم ع القتال ومؤمنين بقدسية الغزو وشرعية الخليفة.

من أشهر رقيق الأندلس “قمر البغدادية” جارية إبراهيم بن حجاج، صاحب إشبيلية، ويحكى إنها كانت شاعرة متمكنة، وبينسب لها روايات كتير أشهرهم هتلاقوها متداولة بعنوان من سكة (جارية غلبت علماء الأندلس).

العثمانيين.. والتجريم بالإكراه

إقرأ أيضا

لانش بوكس.. أو لما أمك تعمل Good Girl في البيت

الخلافة العثمانية (1517-1924)، كعادة الأمبراطوريات الكبرى هي دولة مترامية الأطراف والسلطة والنفوذ والخيرات كلها أو أغلبها متركزة في العاصمة، وأستمرت الخلافة العثمانية على النهج اللي رسخه معاوية بأن تداول السلطة بيكون بموت الخليفة ويورث داخل أسرته.

أما بالنسبة للرق فاستمر عادي جدًا ولم يحرم أبدًا، إنما بدء تجريمه ومكافحة تجارته بالإكراه تحت ضغوط أوروبية، بعد ضعفها في القرن التسعتاشر، وبقوانيين محدودة المجال والتأثير، زي فرمان السلطان محمود التاني سنة 1830 اللي بمقتضاه تم تحرير العبيد البيض، أصل الضغط كان من روسيا.. واستفاد من الفرمان الشركس والجورجيين والأرمن والأجريج.

تدريجيًا حصل تفلتات في بعض ولايات الدولة العثمانية المتهالكة، كانت البداية مع تونس سنة 1846، ووقتها القرار كان مستهجن من المجتمع وأعتبره البعض قانون مخالف للشريعة.. زي ما ممكن نقرا بشكل مفصل عند المؤرخ التونسي أحمد بن أبي ضياف في كتابه “إتحاف أهل الزمان في أخبار ملوك تونس وعهد الأمان”.

بعدها دخلت مصر ع الخط بتوقيعها معاهدة “تجريم تجارة العبيد” سنة 1877، وأنشأ الخديو إسماعيل هيئة رسمية باسم قلم تحرير العبيد، وده برضه كان أقليمي خاص بالخيديوية المصرية التابعة أسميًا للخلافة.

قبل انهيارها بحوالي 35 سنة بس وقعت الدولة العثمانية شبه مجبرة على قانون مؤتمر بروكسل الصادر سنة 1890 لتجريم ومناهضة تجارة الرقيق.

 الصفحة الأولى من نص قانون بروكسل بالإنجليزية

الحلقة الجاية هنختم الجزء ده بالرد على أسطورة “الإسلام مهد الطريق للقضاء على الرق”.