الجهل المفترس
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
“تاريخنا مكتوب بالحبر الأبيض. إن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين. ويا الله، ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض! هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون كذلك.. إن جلّادنا المقدّس واحد”.
(مايكل هولي إيجل، ناشط من السكان الأصليين في أمريكا)
صراع الفرنجة والمسلمين والضحايا ناس تانيين
خلال السعي الدؤب للأوربيين إنهم يلاقوا طريق للشرق الأقصى بدون المرور ع الشرق الأوسط (الأمبراطورية الإسلامية وقتها)، اكتشف البحارة الأوربيين طريق رأس الرجاء الصالح، ومن بعده وصلوا الأمريكاتين. وفي الحالتين دفع سكان المناطق دي التمن غالي جدًا، الأمركيين الأصليين تم إبادتهم والاستيلاء على أراضيهم.. وسكان غرب أفريقيا تم استرقاقهم عشان يزرعوا أراضي الأمريكتين اللي استولى عليها الأوروبيين.
مش هنود.. ولا حُمر
تم تسمية السكان الأصليين لأمريكا بالهنود الحمر، لأن الراحل كريستوفر كولومبوس كان فاكر إنه بالإبحار غربًا في بحر الظلمات “المحيط الأطلنطي” هيوصل السواحل الشرقية للهند، هو نظريًا كان صح.. بس ماكنش يعرف إن في السكة هيلاقي قارتين كاملين بسكانهم بحضاراتهم ببابا غنوجهم. فلما لقى الناس دي أفتكرهم هنود.. ولإنه عنصري ميزهم بلون جلدهم اللي سماه خطأ بالأحمر.
القتلة يلهوك واللي فيهم يجيبوه فيك
بعدها تمت أكبر عملية إبادة جماعية في تاريخ البشرية، وقتل أكتر من 90% من السكان الأمريكاتين على أيد الغزاة الأوروبيين أو بسببهم، في نفس الوقت اللي الدعاية الأوروبية وقتها كانت بتشحن دماغ الرأي العام حداها بإن السكان الأصليين دول “هنود حمر” ومتوحشين، وبكده تم تبرير تمويل رحلات لمجموعات من القتلة بكامل عتادهم عبر المحيط لقتال المتوحشين؟!؟! متوحشين عمر المواطن الأوروبي ما سمع عنهم ولا أصابه منهم أي أذى.. إنما هو اللي عمل المستحيل وخاض المجهول لحد ما أصطدم بيهم على أرضهم، فأعلن الحرب عليهم وقتلهم، في أكبر عملية إبادة جماعية عرفها التاريخ.
مش أول مرة
غزو الشعوب وإبادتها والاستيلاء على أراضيها وخيراتها وكمان أتهامهم بالوحشية مش جديد على الإنسانية ولا حِكر ع الأوروبيين، إحنا كمان درسنا كلام مطابق للدعاية الأوروبية سالفة الذكر وصدقناه، جيلي وأجيال قبله وكتير بعده يقدروا يفتكروا قصص درسناها في منهج العربي خلال فترة التعليم الأساسي، زي قصة عقبة بن نافع، وفيها أتعلمنا إن الجندي العربي الوافد من شبه الجزيرة هو الطيب الخير الجميل وصاحب الأرض المدافع عن وطنه في شمال أفريقيا هو متوحش والهمجي.
نتايج طبيعية
بالتالي عادي جدًا، بل من الطبيعي، إننا نشوف النهارده ناس بالغين راشدين “المفترض إنهم” في كامل قواهم العقلية، وليهم الحق في الانتخاب وحتى الترشح للمناصب المختلفة، وهمه بيضربوا جثة سمكة مفترسة عشان قامت بدورها في الحياة وأفترست إنسان.
علمًا بإن المرحومة كلته نَّي بدون قَلّي أو شَوّي، سادة من غير سلاطات، باختصار أكلته بوصفه المتاح قدمها. يعني مادخلتش محل مخصص لبيع البشر بيستلم بضاعته من تجار بيتاجروا في جثثهم اللي بيستلموها من أسماك عاملة فرق وشركات مهمتها صيد البشر وسحبهم للمية عشان يموتوا غرقانيين.
حقايق مُعاشة
يعتمد أكثر من 3 مليارات شخص في العالم على الأسماك للحصول على البروتين الحيواني الحيوي، وقد سجّل استهلاك الفرد من الأسماك في جميع أنحاء العالم رقماً قياسياً جديداً بلغ 20.5 كيلوغراماً سنوياً، ومن المتوقع أن يزداد ذلك في العقد القادم، وهو ما يؤكد على دور الأسماك الحاسم في الأمن الغذائي والتغذية في العالم.
الفقرة دي عبارة عن افتتاحية لتقرير اقتصادي نشره موقع الأمم المتحدة، من 3 سنين، وهي معلومات مبنية على تقرير أصدرته منظمة الزراعة والأغذية “الفاو” في السنة نفسها، 2020.
والأنفوجراف ده بيرصد الأعداد -الموثقة- للبشر العايشين على صيد الأسماك أو تربيتها بغرض الاتجار فيها، تم نشره على عبر حساب الفاو بالعربي، في السنة نفسها.
وبعد كل ده يتجرأ الإنسان ويستخدم كلمة “وحش” في الإشارة لكائنات غيره
قاتل الله الكلاشيهات.. والأسباب الحقيقية
يفط وينط مواطن متحمس ويقول إن هجمة زي دي تهدد السياحة وتخرب بيوت ناس كتير، لهذا المواطن الغيور على اقتصاد البلاد وارزاق العباد.. أحب أقوله:
- كنت قاعد مع مواطنة أوروبية في منشأة سياحية، والسِت طلبت إزازة بيرة، الجرسون اللي كان بيخدم في المكان خدني على جنب وقالي إنه مابيشيلش بيرة عشان حرام، فأضطريت أقوم بشغله لإنقاذ سمعة السياحة في البلاد وأرزاق العباد.
- سنة 2016 أتعرض الفنان العالمي براين أدامز، وخلال زيارته لمصر عشان يقدم حفلة خاصة بواحدة من شبكات المحمول حدانا، اتعرض لمشكلة عبثية في مطار القاهرة، ملخص المشكلة إن مسؤولين الجمارك كتبوا/ختموا بقلم فسفوري على جيتاره “الآثري”، صنع سنة 1957م، كجزء من إجراءات الخروج من الأراضي المصرية.
كتب “أدامز” في صفحته على فيس بوك، إنه هيحاول يشيل “الختم”، غير القابل للإزالة بالطرق العادية، عن طريق اللجوء لمتخصصين في صيانة الآلات الموسيقية. - من كام يوم جمعية اللاعبين المحترفين الدولية حذرت لعيبة الكورة من التعامل مع الأندية المصرية، بدعوى إن أنديتنا وارد يشتغلوهم في إجراءات التعاقد، وده تم عبر بيان رسمي للمنظمة الدولية.
فياترى إيه المؤذي للسياحة أكتر، بالتالي يستحق الوقفة الشعبية دي، هل مقتل سايح روسي بأسنان حيوان مفترس داخل البيئة الطبيعية للحيوان؟ ولا الأمثلة السابقة؟
شاطئ الألغام
الساحل الشمالي حدانا يمتاز بشواطئ بديعة، صحيح الغوص في البحر الأحمر مالهوش مثيل.. بس سياحة الشواطئ ع البحر المتوسط برضه ليها سمعة كبيرة جدًا عالميًا.
ماقصدش إننا نلغي سياحة شواطئ البحر الأحمر لصالح شواطئ البحر المتوسط، إنما أقصد توضيح إن كل واحد فيهم له “زبونه”. بس ماحدش بيتكلم عن أزمات تنشيط السياحة “الخارجية” على ساحل المتوسط، رغم إن الخطر فيها أكتر.
فمثلًا مشروعات كبرى زي مدينة العلمين الجديدة ومحطة الضبعة النووية ومشروع امتداد ترعة الحمام، احتاج يسبقها تعاون دولي لتطهير حوالي خمستلاف كم2 (نُص المساحة الملغومة) من الألغام اللي تم زرعها خلال الحرب العالمية التانية، فيما يعرف تاريخيًا باسم “معركة العلمين”.
معركة بين ناس غيرنا بسببها بلدنا بقت في صدارة الدول المزروع فيها ألغام، كمية ألغام أرضية قدرها تقرير صادر عن الأمم المتحدة سنة 2017 بأكتر من 20 مليون لغم، 20% من إجمالي الألغام في الكوكب.
الخوف
فبذمتكم مين المخيف أكتر، القروش في أعماق البحار وآكلات اللحوم في الغابات؟ ولا الإنسان اللي فكر يزرع كمية الألغام دي في أرض مش أرضه؟
بذمتكم إيه اللي ممكن يرعب السواح، إن البحر عندنا فيه قروش زي غالبية شواطئ العالم؟ ولا إنهم هيقضوا أجازتهم وسط ناس بتتخانق مع سمكة ميتة وبتضربها؟
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال