في الحظر .. ضفادع داخل رأسي!
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يرتبط حبي للضفادع بحبي للون الأخضر وفضولي في الصغر نحو هذا الكائن الشقي صاحب العيون الدائرية والصوت المختلف والحركة المتمردة المفاجئة، وكان الضفدع الوحيد الذي أعرفه حينها هو الضفدع “كريميت“
منذ بدء الحظر وأنا على وعي تام بأنني لو أهملت في جدولي اليومي للإتزان النفسي سأصل لدرجة موحشة من التوتر والقلق، فأنا من هؤلاء من يعانون من ماكينة القلق التي تفرغ أفكارًا مقلقة طوال الوقت.
بداية قصتي مع القلق
كنت أعلم أنني أعاني من فرط في الحركة وأقفز كالضفادع من مكاني فجأة دون مبرر للتخلص من فكرة ما تطاردني، ثم أتحرك بشكل كبير حتى أتناسى ما يدور في رأسي، ولكن حركتي الزائدة لا تساعدني على التطور، أتحرك وفقط؛ أنظف بشكل زائد عن الحد، وأفرط في الثرثرة ظنًا أنها ستخرج كل أفكاري المزعجة من رأسي
أفكر بالعمل أثناء النوم، وأرتب جدول يومي أثناء النوم، فأصحو بصداع مرهق. أفكر في تقصيري الذي لا يعد تقصيرًا في حق الأصدقاء، وأبكي لذكرى مرت وخطأ بسيط سامحتني عليه صديقة منذ سنوات.
أشعر أنني عبئًا على الغير حتى المقربين، ولأنهم يستوعبون معاناة مخي المرهق يرددون دائمًا أنهم يحبونني حتى يقطعون على القلق خططه المتجددة.
أنا من هؤلاء من يقتلهم أي موعد تسليم بعده “وإلا” لذلك قررت الابتعاد عن أي عمل به أناس بعقول فارغة، أو يسببون لي ضغوط لصالح “الإيجو” الخاص بهم، واتجهت لعمل ما أحب ووسط من أحب.
رغم وعي التام بكل ما ذكرته وقرائتي المتعددة، بل ودراستي لعلم النفس أربع سنوات، لم أستطع على سبيل المثال تأجيل فكرة ما تسيطر على تفكيري، أو .التخلص من القلق الذي يدور بالقولون والمعدة
فكرت يومًا اللجوء لمتخصصة كي أفهم لماذا يصر عقلي على تقليب المواجع حتى أثناء لحظات الاسترخاء؟!..ولماذا لا أحظى بلحظات من التفكير في اللاشيء ؟!
ما هو التفكير الزائد عن الحد؟ ولماذا يقترن بالقلق؟..وكيف أتخلص من عقدة الشعور بالذنب التي تلاحقني تجاه العالم أجمع دون مبرر، حتى هؤلاء من تسببوا في إيذائي!..
وصلت للسر “اضطراب القلق العام” وبالمناسبة فالقلق والتفكير الزائد والاكتئاب هم مشاكل أو اضطرابات هذا العصر الأكثر شيوعًا، حتى أن كوميكس الفيس بوك تدور دائمًا حول القلق والأرق.
باتباع خطوات مرتبة من قبل المختصة ملاكي الحارس ودون تناول أدوية، وفقط عن طريق تدريب العقل على السلوك السوي كي يهزم طرق القلق الشرس أصبحت أفضل حالًا لفترة طويلة.
جاء الحظر وهذا الكورونا ليحطم كل شيء، وأصاب الجميع بالقلق والشك. صمدت لفترة طويلة باعتباري أن الحظر فترة لمراجاعات للنفس، وكنت مستمتعة به حتى تخليت عن خطواتي التي كانت تساعدني على السيطرة على القلق، وأصبح اليوم يمر فجأة!..وأكتشف بنهايته لم أشغل عقلي بجدول السيطرة على القلق.
فقرة للرياضة أو اليوجا، وفقرة روحانية، وفترة للمتعة العقلية كقراءة كتاب، وفقرة أخرى للمتع المتاحة التي تروح عن النفس كمشاهدة مسلسل ما، وفقرة للاهتمام بالجسم والبشرة، وأخيرًا بالصحة النفسية كمشاركة أحد الأصدقاء أحداث اليوم والفضفضة؛ هذا هو جدولي اليومي الذي أهملته بكل أسف فانتكست، كمن أهمل استكمال تناول باقي علبة مضاد حيوي للحمى فارتفعت حرارته من جديد.
عودة للضفادع
ضفادع برأسي؛ هكذا يكون شعوري، الضفدع الذي يمتص بجلده الماء هو مخي الذي يمتص كل شيء ليحوله لقلق بلا مبرر. أعلم الموقف الفلاني لا يستدعي القلق؛ صديقتي لم تغضب مني، زملائي يحبونني، ولكن هناك ضفدع ينط برأسي ويصحب أخوته للتسالي داخل عقلي..
من يعاني من القلق لا يستطيع كباقي البشر أن يقول لنفسه مرة واحدة “ستصبح الأمور على ما يرام” فتنسحب الفكرة من عقله باقي اليوم، من يعاني من القلق المفرط يسكت أفكاره طوال اليوم، ويوجد لها حلول كثيرة مع المختصين كي يمارس حياته دون توتر يحرجه.
يقلق من أن يجعل منه القلق أضحوكة بإجتماع هام أو بلقاء عائلي، ويحاول السيطرة على قطيع الضفادع التي تصر على النط في عقله بأفكار جديدة كلها حول القلق من الفقد بالأخص، ومن كل شيء تقريبًا ولو عودة الديناصورات!
اليوم أقرر العودة لروتيني اليومي وهدوئي الذي أفتقدته بعدما وصلت إليه بأعجوبة بفضل من الله، وأدعو أن يستوعب كل شخص يتعامل مع رفيق له يعاني من القلق ويطمئنه دائمًا أنه يحبه، ويطرد هذه الضفادع من رأسه برسائل الأمان.
اقرأ ايضا
علاقة مارلين مونرو وجون كينيدي .. كذبة صدقها الجميع
الكاتب
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال