همتك نعدل الكفة
77   مشاهدة  

الخلاف حول الخلافة.. بين تأكيد السنة وسكوت القرآن

الخلاف حول الخلافة
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



الخلاف حول الخلافة هو أحد أهم إشكاليات الإسلام والمسلمين في العصر الحديث؛ فمشروع “دولة الإسلام” القائم على فكرة خلافة الرسول المستند إلى مقولة غير محددة المصدر بشكل قاطع؛ المعلوم فقط هو أن أحد لم ينسبها حتى الآن إلى النبي محمد، وهي مقولة: “الإسلام دين ودولة“، ومن المعلوم أن هذه المقولة المؤسسة ليست قرآنية، فيبقى السؤال هل هناك تأكيد أو نفي بشكل واضح لفكرة الخلافة في القرآن أو السنة؟

تحتاج الإجابة عن هذه التساؤلات إلى جولة في أروقة التراث الإسلامي بين آراء مؤيدة وأخرى رافضة بحثًا عن قبس من الحقيقة.

الخلاف في الخلافة

بَقى مسمى “دولة الخلافة” على مدار خمسة عشر قرن من الزمان، لكنه تغير تغيرات جذرية من حيث طبيعته السياسية على مدار تلك الحقبة من تاريخ البشر، فانقسم تاريخ دولة الخلافة لعناوين فرعية تحت هذا المسمى التاريخي، أخذ كل عنوان قليلًا مما قبله وأضاف وحذف حسب واقعه وظرفه التاريخي.

فهل الخلفاء المتعاقبين عدلوا وبدلوا ما جاء به الوحي؟ أم إنه آتي بدين فقط ولم يآتي بدولة؟

الخلافة الراشدة:

ضمت هذه الحقبة أربع خلفاء تنوعت طرق اختيارهِم للمنصب أو وصولهم إليه، في سير أعلام النبلاء يقول الإمام الذهبي (1274 – 1348م) ضمن ما يقول عن خلافة أبي بكر الصديق: “قال زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: لما قبض رسول الله قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله قد أمر أبا بكر فأم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر“.

ومن هذا المشهد، الذي تعددت رواياته، نرى إنه لم يكن هناك أمر متفق عليه لكيفية إدارة الأمور بعد وفاة النبي، فلا هناك أتفاق على أن يكون له خليفة ولا من سيكون ولا ما هي صفته، إنما حصل اختلاف في الآراء وقدم كل فريق رأيه وحجته حتى أقنع أحدهم الأخر.

YouTube player
حروب الزكاة:

كما استهل أبي بكر ولايته بالحرب مع كثير من قبائل العرب، ومنهم من كان على الإسلام لكنه أمتنع عن إرسال الزكاة إلى المدينة؛ فحدث خلاف بين كبار الصحابة على قتالهم كما ورد في صحيح البخاري برواية أبو هريرة:

لَمَّا تُوُفِّيَ رَسولُ اللَّهِ وكانَ أبو بَكْرٍ، وكَفَرَ مَن كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، فَقالَ عُمَرُ: كيفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وقدْ قالَ رَسولُ اللَّهِ: أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فمَن قالَهَا فقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ ونَفْسَهُ إلَّا بحَقِّهِ، وحِسَابُهُ علَى اللَّهِ فَقالَ: واللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بيْنَ الصَّلَاةِ والزَّكَاةِ، فإنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّهِ لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رَسولِ اللَّهِ لَقَاتَلْتُهُمْ علَى مَنْعِهَا، قالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ ما هو إلَّا أنْ قدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أبِي بَكْرٍ، فَعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ“.

تظهر هذه الرواية وجود تباين إداري وسياسي بين أقرب الناس إلى النبي؛ ما يبدو معه أن الأمر في هذه الشؤون لم يكن محسومًا في أذهان المسلمين الأوائل بما فيهم كبار الصحابة.

في السياق نفسه مهم أيضًا ملاحظة الفرق بين تولية عمر بن الخطاب بتسمية مباشرة من الصديق، ثم اختيار عمر لسِتة يتشاورون فيما بينهم؛ فنلاحظ مرة أخرى عدم وجود شكل شرعي متفق عليه في هذا الأمر السياسي.

الخلاف حول الخلافة
الخلفاء الراشدين
الدولة الأموية:

مع استقرار أمر الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان أستحدث أمر جديد وهو ولاية العهد، حيث أخذ البيعة لولده “اليزيد” ليصير الخليفة من بعده، وهو أمر جلل في تاريخ الإسلام والمسلمين تناولهُ الباحثان “بدر بن هلال العلوي” و”خلود بنت سالم باحشوان” بالبحث والتدقيق في دراسة بعنوان “استحداث الخليفة معاوية بن أبي سفيان لنظام ولاية العهد وردود الأفعال التي واجهته”.

لتدخل دولة العرب المسلمين إلى طور سياسي جديد؛ حيث أصبحت السلطة فيها مَلَكْية وراثية في بيت بني أمية.

الدولة العباسية:

انتقال السلطة من البيت الأموي إلى العباسيين لم يكن قائم على أي قواعد شرعية أو فقهية إنما جاء شديد الدموية، فيقول ابن الأثير (1160 – 1233 م): “وأمر عبد الله بن علي بنبش قبور بني أمية بدمشق، فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان، فلم يجدوا فيه إلا خيطا مثل الهباء، ونبش قبر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فوجدوا فيه حطاما كأنه الرماد، ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجدوا جمجمته، وكان لا يوجد في القبر إلا العضو بعد العضو، غير هشام بن عبد الملك فإنه وجد صحيحا لم يبل منه إلا أرنبة أنفه، فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح“.

لكنهم حافظوا على نهج التوريث العائلي؛ وحافظوا على شرط أن الحكم في قريش، ما أبقى دولتهم على قيد الحياة -ولو أسميًا- قرابة السبع قرون.

YouTube player
الدولة العثمانية:

أبتداء فإن العثمانيين أتراك، بالتالي كسروا بذلك شرط القرشية في الإمامة الكبرى الذي استمر قرابة الألف عام، ما استوجب تدخل فقهي لحل أزمة الشرعية في تلك الدولة الدينية، وهو أمر رصده بالبحث والتحليل د. محمد الشوا، دكتور الفقه وأصوله، والأستاذ مساعد بالجامعة الإسلامية – منيسوتا، أمريكا، في دراسة فقهية مقارنة بعنوان (ولاية المتغلب)، وفيها كتب مبحث بعنوان (قبول التغلب حالة استثنائية وضرورة كالميتة) ومنه أقتبس: “القول بقبول حكم المتغلب – في مناطاته الخاصة – ليس أصلًا ولا تأصيلًا للتغلب، ولكنه – عند فقهائنا – حالة استثنائية وضرورة كالميتة، وتحمل لأخف الضررين“.

واستدل على ذلك بأقوال الكمال بن الهمام الحنفي وعَلَاء الدِّين الحَصْكَفي، واختتم المبحث بالاقتباس من “منهاج السنة” لأبن تيمية: “قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وقل من خرج على إمام ذي سلطان؛ إلا كان ما تَوَلّْد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير“.

الرأي الآن

الحديث حول مسألة شرعية إمامة المتغلب يدور الآن من حيث المبدء؛ إذ لم تعد هناك إمامة كبرى أو دولة  خلافة، فيقتصر الأمر على شرح دوافع الرأي الفقهي أو إبداء الرأي فيه بتبنيه من عدمه.. ويذهب البعض لتقديم قراءة حديثة لأحكام وآراء قديمة.

رأي الشيخ العثيمين:

في (سلسلة لقاء الباب المفتوح) سُأل الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1929 – 2001): “هل يجوز لعبد حبشيّ أن يكون إمامًا أعظم؟“.

فأجاب: “نعم، إذا يسّر الله للعبد الحبشيّ أن يكون إمامًا أعظم فليكن إمامًا أعظم، والرّسول إنّما قال ذلك في الاختيار، إذا أردنا أن نختار إمامًا للمسلمين فلنختر من قريش، لكن من قريش الذين قاموا بالدّين، أمّا مجرّد الانتساب لقريش أو للرّسول فإنّه ليس لفضيلة إلاّ إذا اقترنت بالدّين، لو جاءنا واحد من قريش وقال: أنا أحقّ بالإمامة من غيره وهو فاسق قلنا: لا، لأنّ من شرط الإمامة عند ابتداء الاستخلاف أن يكون عدلًا، لكن لو أنّ أحدًا قهر النّاس وحكمهم فإنّه يجب السّمع له والطّاعة ولو كان عبدًا حبشيًّا كأنّ رأسه زبيبة، ففرق بين الاختيار وبين أن يسطوَ أحد ويستولي على النّاس بقوّته فهنا نقول: نسمع ونطيع ولا ننابذ إلاّ أن نرى كفرًا بواحًا عندنا فيه من الله برهان“.

ما يعني في المُجمل أن على الناس الخضوع للإمام المتغلب ما لم يروا منه الكفر البواح، على حد قوله.

وحين أضاف السائل: “وهل يوجد الإمام الأعظم يا شيخ؟“.

جاء رده: “لا، هذا من زمان، الإمامة العامّة فقدت من زمان، من عهد الصّحابة، ألم تعلم أنّ عبد الله بن الزّبير كان خليفة في مكّة والحجاز، وأنّ بني أميّة في الشّامّ وما ولاها، وأنّ فرقة أخرى في العراق منذ زمان، ولكن من تولّى على قطعة من الأرض وصار إمامها فهو إمام، نعم“.

إقرأ أيضا
مؤذن أصفهان

وهو رأي يشي بإن صاحبه يرى شروط الإمامة الكبرى بشكلها، الذي يراه شرعي، قد انتفت مع نهاية حقبة الخلافة الراشدة. فبذلك يمكن القول إن الشيخ يرى في توريث الحكم عائليًا خروج عن شروط الإمامة الكبرى؛ لكنه يتبنى الرأي القائل بالخضوع لتلك السلطة ما لم يُظهِر صاحبها الكفر البواح.

الخلاف حول الخلافة
الشيخ بن عثيمين
رأي أحمد الريسوني:

أما الفقيه/ أحمد عبد السلام الريسوني، عضو مؤسس ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فاستهل مقاله المعنون “إمامة المتغلب بين الشرع والتاريخ” بتوضيح موقف الشرع وتقديم الشكل الذي أقره الإسلام، كما يرى، فكتب: “الإسلام لم ينص على مشروعية هذه الطريقة في تولي الحكم، ولا هو أرشد إليها ولا أقر وقوعها ولو في نازلة واحدة، فلا نجد شيئًا من هذا لا في القرآن الكريم، ولا في السنة الشريفة، ولا في سنة الخلفاء الراشدين.

أما المسلك الشرعي المنصوص عليه والمأمور به في باب السياسة وتولي الحكم، وفي باب تدبير الشؤون العامة فهو مسلك الشورى وما تسفر عنه من قرار واختيار، وهو الذي قال الله تعالى فيه: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ (38 – الشورى).

فما جاءنا عن طريق الشورى ومؤسساتها، من اختيار وتولية وبيعة، أو من عزل وإعفاء وإلغاء، أو من “حل وعقد” فهو شرعي ومشروع، وهو من الإسلام وإليه، لكونه مأمورًا به في القرآن والسنة، ومعمولًا به في سنة الخلفاء الراشدين“.

بعد ذلك استدل على أصالة الشورى بفترة الخلافة الراشدة، معتبرًا تولي أبي بكر تم بها، وختم مقاله بشرح أسباب فتوى إمامة المتغلب.

ختامًا

استمر الخلاف حول الخلافة على طول تاريخ “دولة الخلافة” نفسها، والتي لم تعرف شكل واحد مُعتمد لاختيار الحاكم/الخليفة/الإمام؛ وأكثر الأشكال التي تمتلك سند قرآني هي “الشورى”، كما أورد الريسوني، وطور في فهمها بإشارته إلى “مؤسساتها“.

وهو رأي يتفق أيضًا مع أحد روايات السُنة النبوية، بالتحديد مع واقعة النخل المنسوبة إلى النبي والمذكورة في صحيح مسلم برواية أنس بن مالك:

أنَّ النبيَّ مَرَّ بقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ، فَقالَ: لو لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ قالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بهِمْ فَقالَ: ما لِنَخْلِكُمْ؟ قالوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بأَمْرِ دُنْيَاكُمْ” (حكم المحدث: صحيح).

 

الكاتب

  • الخلاف حول الخلافة رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان