الرد الكامل على حلقة يوسف زيدان وأبرهة صاحب الفيل “الكوبي بيست ناقصًا يورط الدكتور”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أعادت حلقة الدكتور يوسف زيدان وأبرهة صاحب الفيل الجدل القديم حول حقيقة قصة عام الفيل، إذ ظهر الدكتور في برنامج متواليات ليناقش قضية قُتِلَتْ بحثًا، الفرق بينه وبين الغير أنه أخذ الكلام على طريق الكوبي بيست (لكن بشكلٍ منقوص).
لم تنكر حلقة الدكتور يوسف زيدان وأبرهة سورة الفيل لكنها خَلُصَت إلى 4 أمور هي «القصة المشهورة لأبرهة لم تحدث كما ذكرتها كتب التفسير، موت أبرهة الحبشي لم يتم بالطير الأبابيل، أبرهة الحبشي كان حاكمًا جيدًا، مولد النبي في عام الفيل فيه أخطاء».
ما هو الكوبي الذي استعانت به حلقة يوسف زيدان وأبرهة
كافة مصادر الدكتور يوسف زيدان في حلقة أصحاب الفيل هي الدراسات الاستشراقية لـ نقش منطقة بئر مريغان وهو بئر يقع في محافظة تثليت التابعة لمنطقة عسير في جنوب المملكة العربية السعودية حاليًا؛ والنقش يتناول قصة أبرهة صاحب الفيل، ويعود تاريخ النقش إلى سنة 662 وفق التقويم السبئي الموافق سنة 522 من التقويم الميلادي (وعلى هذا التاريخ) فإن أبرهة لم يمت في واقعة الفيل.
اكتشف النقش بعثة علمية استشراقية في المملكة العربية السعودية سنة 1951 م وهي المعروفة ببعثة جوانزج ريكمانز وهي مكونة من 3 أجانب هم «جونزاج ريكمانز وجون فيلبي وفيليب ليبنز».
ويقول نص النقش الذي ترجمه جاك ريكمانز ابن أخ رئيس البعثة ونشره في مجلة لوموزيون الفرنسية «بقوة الرحمن ومسيحه الملك أبرهة زيبمان ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات (اليمن) وقبائلهم في الجبال والسواحل، سطر هذا النقش عندما غزا قبيلة معد في غزوة الربيع في شهر ذو الثابة عندما ثاروا كل قبائل بنى عامر و عين الملك (القائد) أبي جبر مع (قبيلة) على (القائد) بشر بن حصن مع (قبيلة) سعد (وقبيلة) مراد وحضروا أمام الجيش ضد بنى عامر وجهت كندة وعلى في وادي ذو مرخ ومراد وسعد في وادي على طريق تربن و ذبحوا وأسروا وغنموا بوفرة وحارب الملك في حلبن (حلبان) واقترب كظل معد وأخذ أسرى، وبعد ذلك فوضوا قبيلة معد عمروا بن المنذر في الصلح فضمنهم ابنه عن أبرهة فعينه حاكماً على معد ورجع أبرهة من حلبن (حلبان) بقوة الرحمن في شهر ذو علان في السنة الثانية والستين وسـستمائة».
يؤخذ من هذا النقش أن جيش أبرهة غزا بلاد العرب سنة 662 بالتقويم السبئي (يعني سنة 522 ميلادي)، ولم يستعمل الفيل في غزوه لبلاد العرب، كذلك هو لم يمت في غزوه لبلاد العرب.
حَكِّم عقلك واترك الكتب نهائيًا
أولاً النص الموجود ليس له أي صلة على الإطلاق بمكة (التي تقع فيها الكعبة) وذلك لأن أسماء القبائل الموجودة في النقش ليس لها صلة بأسماء قبائل مكة المشهورة، كذلك فإن المناطق الموجودة في نص النقش وهي تربن وحلبان التي شهدت المعارك لا تقع في مكة أو حتى بالقرب منها، فمنطقة حلبان تبعد عن مكة 800 كيلو (بالسيارة ـ وزمن أبرهة لم يكن فيه سيارة)، اما منطقة تربن فهي تبعد عن مكة 300 كيلو؛ فضلاً عن أن النقش يقول ينص على أن أبرهة قام بـ 3 حملات ضد قبائل معد وبني عامر، وكانت حملاته بتحالف مع 4 قبائل هي قبائل سعد وعليّ وكندة ومراد، وهذا لم يحدث في غزو أبرهة لمكة.
يأتي هنا سؤال ملح
ما الدليل على أن جيش أبرهة يستعمل الفيل طالما أن نقش أبرهة لم يذكر كلمة الفيل؟
لن يكون الرد على الدكتور يوسف زيدان بطريقة سرد معارك عصور ما قبل التاريخ وتاريخ استخدام الأفيال في المعارك، وإنما سيكون الرد من نقش بئر مريغان نفسه، فمما لم يذكره الدكتور يوسف زيدان أن منطقة بئر مريغان ونقشها خضعت لبعثات علمية بعد بعثة ريكمانز آخرها سنة 1990 وكان رئيسها مصري هو الدكتور عبدالمنعم عبدالحليم سيد واكتشف هناك نقشًا أسفل نقش بعثة ريكمانز من 6 أسطر تقول ترجمتها «الفيل منس ذو ذرنح غزا مع سيده الملك أبرهة قبيلة معد»، وهذا يعني أن جيش أبرهة كان يستخدم الأفيال.
مناقشة الأدلة التي تقول أن مولد النبي في عام الفيل لم يحدث
يزعم كثيرون من الذين اعتمدوا نقش بئر مريغان أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدث في عام الفيل، واستدلوا بمخطوط الزبير بن بكار الذي قال أنه بين عام الفيل وحرب الفجار 40 سنة ونقش بعثة ريكمانز مكتوب سنة 522 م والنبي من مواليد سنة 570م ووفيات سنة 633 م بالتالي فإن عام الفيل حدث في سنة 552 م.
اقرأ أيضًا
مع أول أيام شهر رجب “ردود متجددة على هبدة قديمة من يوسف زيدان”
الرد على هذا وبعيدًا عن متاهة التواريخ يكون بطرح سؤال مهم وهو “كم كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حينما انتقل إلى الرفيق الأعلى ؟” الإجابة 63 سنة، فلو طبقنا الحسبة التي تقول أن نقش بعثة ريكمانز المكتوب سنة 522 يحكي عن أبرهة المشهور فيكون النبي صلى الله قد مات عن عمر 111 سنة، ولو قلنا ما قاله المستشرق الإسرائيلي مائير يعقوب كيستر الذي يعتمد عليه البعض التنويريين في تحديد تاريخ مولد النبي، أن الرسول ولد سنة 552 م فإنه يكون قد مات عن عمر 81 عامًا وهذا لم يحدث.
الرد على غير المؤمنين بسورة الفيل
يرفض كل الملحدين قصة أصحاب الفيل بالكُليِّة سواءًا كانت قرآنًا أو قصة سيرة نبوية ويأخذون من نقش بعثة ريكمانز دليل يؤكد ما ذهبوا إليه؛ والرد على هذا ببساطة يكون بالنظر إلى الشعر الجاهلي، فشعراء الجاهلية تكلموا عن عام الفيل ومنهم مثلاً أبو قيس بن الأسلت الذي أدرك الجاهلية وكان حنيفيًا ونظم شعرًا عن عام الفيل يقول فيه
ومن صنعه يوم فيل الحبوش إذ كلما بعثوه رزم
محاجنهم تحت أقرابه وقد شرموا أنفه فانخرم
وقد جعلوا سوطه مغولاً إذا يمموه قفاه كلم
فولى وأدبر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم
فأرسل من فوقهم حاصبا فلفهم مثل لف القزم
فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا بأركان هذا البيت بين الأخاشب
فعندكم منه بلاء مصدق غداة أبى يكسوم هادى الكتائب
كتيبته بالسهل تمسي ورجله على القاذفات في رءوس المناقب
فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم جنود المليك بين ساف وحاصب
فولوا سراعا هاربين ولم يؤب * إلى أهله ملحبش غير عصائب.
كذلك وإن رفضنا فكرة وجود الشعر الجاهلي، فنسأل سؤالاً “لماذا لم يُكَذَّب النبي من كفار قريش حين نزلت سورة الفيل كما كذبوه في قصة الإسراء ؟، خاصةً وأنهم شهود عيان على ما حدث من الفيل”.
الرد على من يقول: أبرهة الحبشي كان هدفه نشر المسيحية سلميًا وليس هدم الكعبة
يشير الكثيرون من الذين اعتمدوا نقش بعثة ريكمانز على أن أبرهة كان مسيحيًا متدينًا يرفض كل ما هو وثني، وعاصمة الكفر عند العرب كانت مكة حيث الأصنام الموجودة حول الكعبة، فكان غزوه لها لهذا السبب.
اقرأ أيضًا
عن إيمان أهل الجاهلية بوجود الله “كيف اجتمع مع عبادتهم للأصنام في وقت واحد”
قبل الرد على هذا الزعم يأتي سؤال عقلاني “كيف كان ينظر أهل مكة (الوثنيين) في الجاهلية للمسيحيين كأصحاب ديانة (سماوية) ؟”، والإجابة قد تكون صادمة للبعض وهي أن أحد المسيحيين المصريين كان يعمل نجارًا شارك في بناء الكعبة قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بـ 5 سنوات وهذا ما ذكره بن كثير في كتابه البداية والنهاية الجزء الثاني؛ فعلى فرض أن أهل الجاهلية كانوا مبغضين لكل ما هو مسيحي بسبب أبرهة ما كانوا ليسمحوا لواحدٍ على دين أبرهة أن يشارك في بناء الكعبة.
لم يكن هدف أبرهة الحبشي نشر المسيحية سلمًا أو حربًا في بلاد العرب عن طريق اليمن، لأن أساس القصة هو أن أبرهة الحبشي قتل أرياط الحبشي حاكم اليمن ولكي يتمكن أبرهة من اتقاء شر النجاشي قام ببناء القليس (الكنيسة) في اليمن كوسيلة للتودد منه، وهنا فإن سبب بناء الكنيسة كان سياسيًا وليس دعويًا.
فضلاً عن أن القصة المشهورة لم تنص على قيام أبرهة بإرسال محمد بن خزاعي من بني سليم إلى قبيلة بني كنانة للدخول في المسيحية وإنما لإرغامهم على الحج عند القليس بدلاً من الكعبة، لأنه أصلاً كان هناك مسيحيين في شبه جزيرة العرب، لكن عرب الجاهلية وإن كانوا يحترمون المسيحيين لكنهم لا يقبلون الدخول في دينهم أو الحج لمكان غير الكعبة، كذلك فإن عرب الجاهلية كانوا مرحبين بغير المعترفين بالأوثان ممن ليس لهم ديانة مسيحية أو يهودية مثل الحنفاء.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال