همتك نعدل الكفة
505   مشاهدة  

القصة خلف اتهام “أوبنهايمر” بالتجسس لصالح روسيا وظهور برائته بعد 68 عامًا

أوبنهايمر
  • صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال



عاد “أوبنهايمر” إلى الساحة بقوة بمجرد إطلاق فيلم يحمل اسمه من إخراج العالمي كريستوفر نولان. ليثير الجدل مجددًا بعد عقود من صعوده إلى القمة باختراع أول قنبلة نووية في تاريخ البشرية، ثم هبوطه إلى سابع أرض بعد اتهامه بالتجسس لصالح روسيا في الخمسينيات، مما تسبب في انتهاء مسيرته العلمية بأكثر شكل مهين ممكن. 

الفيلم فتح الباب مجددًا على الحادثة التي جعلت أبو القنبلة النووية ينتهي ويتحول من بطل قومي أنهى الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء، إلى خائن تآمر على بلاده لصالح روسيا بتسريب أسرار مشروع مانهاتن ثم معارضته للقنبلة الهيدروجينية تعاطفًا مع السوفيت. حتى ظهرت برائته بعد 68 عامًا حين أفرجت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، عن وثائق جلسات الاستماع السرية التي انتهت بإلغاء تصريحه الأمني الذي يمنحه إذن الولوج إلى الأسرار النووية للبلاد، واعتباره مصدر خطر على الأمن القومي.

ما هو مشروع مانهاتن؟

أوبنهايمر
أوبنهايمر مع الجنرال ليزلي غروفز في منطقة التجارب النووية بصحراء نيو ميكسيكو

في البداية يجب أن نشرح الحدث الذي نتحدث عنه والظروف المحيطة به. على مشارف الحرب العالمية الثانية- نهاية العام 1938 م- خاض العالم الألماني “أوتو هان” تجربة مع زميله “فريتز ستراسمان” لدراسة نظائر اليورانيوم؛ أدت في النهاية لاكتشاف سيحول مسار العلم الحديث تمامًا حين تتوصل صديقته القديمة “ليز مايتنر” إلى “الانشطار النووي” الذي حققته التجربة بشكل غير متوقع. في هذا الوقت من التاريخ كان العالم يغلي والحرب تدق الأبواب، وبالطبع سباق التسلح على رأس أولويات الدول المتحاربة.

أوبنهايمر
أوبنهايمر مع أينشتاين

بعد شهور قليلة من هذا الاكتشاف توالت الأبحاث حول الذرة والانشطار النووي، وأصبح من الممكن البناء على نتائج تجربة أوتو هان والنظرية النسبية لإحداث تفاعل انشطاري متسلسل في مادة اليورانيوم؛ بالتأكيد سينتج عنه قدر هائل ومدمر من الطاقة. في هذا الوقت كان الفيزيائي العظيم “ألبرت أينشتاين” يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية بعد تركه ألمانيا وإعلانه معادة النازية. أينشتاين الذي كان يراقب الأوراق البحثية الجديدة عن كثب رأي ضرورة تحذير الرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت” من إمكانية تصنيع القنبلة النووية، والتي بالتأكيد ستمكن النازيين من السيطرة على العالم إذا وقعت في أيديهم. 

بناء على رسالة أينشتاين بدأت أمريكا الإعداد لأحد أهم المشروعات العلمية في التاريخ الإنساني “مشروع مانهاتن”، حيث سيقود الفيزيائي “جاي. روبرت أوبنهايمر” فريقًا من 4000 عالم في لوس ألاموس بصحراء نيو ميكسيكو لمدة 3 سنوات للعمل على تصنيع أول قنبلة نووية في العالم. المشروع كان يسير تحت قيادة أوبنهايمر وإشراف الجيش الأمريكي في سرية تامة، منعت حتى أعضاء المشروع نفسه من مناقشة نتائج أبحاثهم مع أي قسم آخر داخل المشروع نفسه؛ إلا أن هذا لم يمنع الروس من الحصول على جميع المعلومات التي مكنتهم من صنع القنبلة النووية بعد أمريكا بأربع سنوات فقط. 

المحاكمة الانتقامية لأوبنهايمر وحادثة شوفالييه

أوبنهايمر
أوبنهايمر خلال جلسة الاستماع السرية

في العام 1945 م وتحديدً في 16 يوليو/ تموز شهدت صحراء نيو ميكسيكو تجربة “ترينيتي”- أول انفجار نووي في العالم-، ثم أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على القيام بأول قصف نووي في العام نفسه على مدينتي هيروشيما وناجازاكي؛ لإجبار اليابان على الاستسلام وإنهاء الحرب دون تدخل بري. وبعد فترة من وقوع الانفجار ورؤية أوبنهايمر المسئول الأول عن المشروع لنتائج أفعاله؛ قرر الإعلان عن آرائه السياسية التي اعتبرتها الحكومة الأمريكية خطيرة. 

أوبنهايمر
هاكون شوفالييه

نظرًا لتاريخ أوبنهايمر المتصل بشكل ما بالحزب الشيوعي الأمريكي، حيث ارتبط في فترة من حياته بعضوة في الحزب، كما كان صديقه المقرب “هاكون شوفالييه أحد قادته؛ أصبح من السهل اتهامه بالتجسس للروس خاصةً وأن أمريكا حينها كانت في خضم الحرب الباردة. وكانت أهم دعائم اتهامه ما عرف لاحقًا باسم “حادثة شوفالييه”، والتي وقعت في 1943 م أثناء بداية مشروع مانهاتن، حين كان شوفالييه وزوجته يقضون أمسية في منزل أوبنهايمر وتطرق صديقه إلى الحديث عن رجل يعمل على تسريب معلومات تقنية للروس بمقابل مادي.  

حاول أوبنهايمر تحذير المخابرات الأمريكية وكشف عن اسم الجاسوس الذي تحدث عنه شوفالييه، لكنه لم يرد توريط صديقه في هذا المعترك، خاصةً وأنه كان من أبرز قادة الحزب الشيوعي الأمريكي. فقرر إيصال المعلومة منقوصة دون ذكر اسم شوفالييه، وكانت هذه هي الحجة الدامغة التي استندت إليها اللجنة التي كانت تنظر أمر اتهامه بالتجسس لإثبات التهمة. إضافةً إلى معارضته السابقة لمقترح العالم إدوارد تيلر حول إمكانية صنع قنبلة هيدروجينية، وتفسير موقفه هذا بالسعي لحرمان الولايات المتحدة من الحصول على هذا السلاح قبل السوفيت.

أوبنهايمر موضع شك رغم ظهور الجاسوس الحقيقي

أوبنهايمر
الجاسوس كلاوس فوكس

في العام 1949 م وصل إلى المخابرات الأمريكية خبر حول جاسوس للروس كان يعمل في مشروع مانهاتن يدعى “كلاوس فوكس”. كان فوكس ألماني منتمي للحزب الشيوعي، وبمجرد وصول هتلر إلى الحكم هرب إلى بريطانيا حيث سيتمكن بعد سنوات من الحصول على الجنسية والمشاركة في الأبحاث الذرية هناك، ثم يتم إرساله إلى لوس ألاموس لينضم إلى فريق علماء مشروع مانهاتن. وبحلول نهاية المشروع كان قد تمكن هو وجاسوس آخر يدعى هاري جولد من تسريب نتائج أبحاث القنبلة الذرية والمخطط النظري لصنع القنبلة الهيدروجينية إلى الروس. لكن هذا لم يمنع وكالة الطاقة الذرية من الشك في ولاء أوبنهايمر بعد خمس سنوات من اكتشاف الجاسوس.

إقرأ أيضا
قهوة خفاجي في الإسكندرية

سنوات مرت على قرار وزير الطاقة في عهد مكارثي بإلغاء التصريح الأمني لأوبنهايمر وإنهاء مسيرته العلمية بشكل مهين. ومع الوقت ظهرت أدلة جديدة تؤكد وجود تحيز وظلم خلال جلسات الاستماع التي خاضها أوبنهايمر في العام 1954 م، وظهور أدلة أخرى تؤكد ولائه للولايات المتحدة. ففي العام 2014 م رفعت إدارة أوباما السرية عن وثائق جلسات الاستماع، والتي أشارت إلى عدم وجود أدلة دامغة ضده، إضافة للعديد من الشهادات في صالحه. 

كما أشارت  تلك الوثائق إلى أن علاقة أوبنهايمر بالشيوعية كانت على غرار العديد من الليبراليين الذين تأثروا بهذا الفكر قبل نشوب الحرب الباردة بسنوات، وأن معارضته للقنبلة الهيدروجينية كانت لأسباب فنية وعسكرية وليس تعاطفًا مع الروس. 

الكاتب

  • أوبنهايمر إسراء أبوبكر

    صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان