ورثت “الكار” من القللي .. هكذا بدأت المخدرات في الباطنية
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
إذا بحثت بالتاريخ عن أشهر المناطق المرتبطة بالكيف، فإن الباطنية في المخدرات هي أشهرهم على الإطلاق، لكن البدايات الأولى تبدو مجهولة.
الطريق إلى دخول المخدرات في الباطنية
في العام 1949م بدأت إدارة مكافحة المخدرات في مصر تنتبه للباطنية، وكان الذي اكتشف أمرها هو اللواء عبدالعزيز بك صفوت «أول مصري يتولى إدارة مكتب مكافحة المخدرات (تأسس المكتب سنة 1929م باسم مكتب المخابرات العامة للمواد المخدرة وكان تحت السلطة البريطانية قبل تمصيره بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية)».
بموجب المعلومات التي وردت إلى اللواء عبدالعزيز صفوت بدأت أول حملة أمنية لمداهمة حي الباطنية والكشف عن المخدرات، وحدثت تلك الحملة في 6 أكتوبر 1949م، بعدما وصلت تحريات تفيد بأن تجارة المخدرات في الباطنية بدأت تنتشر، وفق ما نشرته جريدة البلاغ في 7 أكتوبر 1949م.
اقرأ أيضًا
قصة رجل انتحل صفة وزير الداخلية زكي بدر من أجل التجارة في المخدرات
واضع خطة المداهمة كان اللواء عبدالعزيز بك صفوت مدير مكتب مكافحة المخدرات، وأول من أجرى تحريات على حي المخدرات في الباطنية كل من «الصاغ أحمد رمضان رئيس مكتب القاهرة بمراقبة حي الباطنية ومقاهيها، ويعاونه اليوزباشي محمد دسوقي والملازم أول فرج الله خليل».
ذكرت التحريات أن أصحاب المحال العامة والمقاهي في منطقة حي الباطنية يتاجرون في المخدرات ويتخذون من أعمالهم الأصلية ستارًا لهم، وأن الشبكة العنكبوتية للتجار يقودها صاحب مقهى في شارع المقريزي اسمه سعد الله علي وشهرته جعلص، ويعاونه صاحب مقهى آخر في نفس الشارع يدعى شفيق حسين المسلكاتي.
وأشارت التحريات إلى أن جميع أصحاب المقاهي الذين يتعاملون مع جعلص والمسلكاتي قد اجتمعوا لوضع معاهدة فيما بينهم تقضي بتقسيم حي الباطنية إلى مناطق اختصاص وكل منطقة عليها تاجر، كذلك تعاهدوا ألا يعتدي بعضهم على بعض وأن كل تاجر له نوع من المخدرات ولا يتاجر في نوع زميله الآخر، كذلك لا يأخذ التاجر زبون التاجر الآخر.
بعد استئذان النيابة، خرجت القوات الأمنية على رأس قوة كبيرة بزي مدني مع شروق الشمس وأخذوا يرابطون حول شارع المقريزي واندس رجال الشرطة بين الجمهور المتردد على المقاهي، ومع الساعة العاشرة صباحًا بدأت عملية الإتجار، فتمت مهاجمة مقهى جعلص وألقى الملازم أول فرج الله خليل القبض على صاحب المقهى متلبسًا عندما كان يُعِد الحشيش على ورق سلوفان وتم ضبط كمية أخرى في دولاب المقهى.
في نفس الوقت كان اليوزباشي محمد دسوقي يتجه إلى مقهى المسلكاتي في شارع المقريزي والذي كان يبيع الأفيون وألقي القبض عليه متلبسًا وبحوزته 23 كيلو أفيون، وتم عرضهما على النيابة وحقق معهما عادل نور وكيل النائب العام.
مناطق سبقت الباطنية في المخدرات وتسببت في شهرتها
قبل ذلك التاريخ (1949م) بـ 20 سنة صنفت مجلة الدنيا المصورة في عدد 11 ديسمبر 1930م مناطق «الحناوي (حاليًا في منطقة الترعة البولاقية في شبرا) والقللي (تتبع الآن الوراق)، والزهار (الأزبكية)» بأنها المناطق الأكثر توزيعًا للمخدرات بعدما اهتم البوليس المصري بتطيرها ومطاردة تجار ومدمني المخدرات فيها، وكذلك هي المراكز الرئيسية لتجارة المخدرات في مصر.
الحملات الأمنية على تلك المناطق جعلت موزعي المخدرات يتشككون من أي غريب يدخل تلك المناطق، لدرجة أنهم اشتبهوا في محرر مجلة الدنيا المصورة ورأوه مخبرًا إلى أن قال أحدهم له «لا مؤاخذة يا أفندي، المخبرين مضايقينا في عيشتنا»؛ لكن أظرف ما قيل من مدمني المخدرات في القللي «هو الهروين بيموت ؟ حتى إن كان بيموت، ماهو التروماي بيموت، ينفع يبطلوا التروماي ؟!؛ دي مسألة مزاج وكل واحد صاحب مزاج فإيه معنى المضايقة دي؟».
كان يتم توزيع المخدرات في تلك المناطق بشكل علني فتم مداهمتها جميعًا بحملة أمنية أدت لاختفاء طريقة التوزيع الجهرية، لتنتقل إلى طريقة التوزيع السرية داخل الأزقة والمنعطفات، وكان ستار موزعي المخدرات هي محال عملهم سواءً كان الموزع منهم نجارًا أو قصابًا أو مكوجيًا أو قهوجيًا.
لم تسفر الحملات الأمنية عن نتيجة مؤثرة للقضاء على تجارة المخدرات في القللي والزهار والحناوي سواءً العلنية منها والسرية، فكان القرار هو نزع ملكية المنازل العشوائية وهدمها، ووضع حواري تلك المناطق الثلاث في شكلٍ ما من المراقبة بعد توسعتها، وهو الشيء الذي أدى لتراجع تلك المناطق في ترويج المخدرات كما كانت في السابق، إلى أن دخلت المخدرات في الباطنية سنة 1949م وأخذت شهرةً أكثر من الأماكن الثلاثة السابقة
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال