174 مشاهدة
المولد النبوي في المرجعيات الإسلامية
جاء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف متأخرًا، فقد ذكر “المقريزي” أن الترويج والاحتفال بيوم ميلاد النبي كان في القرنين الرابع والخامس الهجري، واتفقت المصادر التاريخية أن بداية الاحتفال كانت في عهد الدولة الفاطمية، إذ توددوا إلى المصريين بهذه الاحتفالات، فقد علموا أن المصريين متيمون بحب الإسلام والرسول وآل البيت.
وكانت الاحتفالات في عهد الدولة الفاطمية على شكلين؛ شكل رسمي وشكل شعبوي، فأمّا الشعبوي فكان بتوزيع الصدقات والحلوى، وعن الرسمي فكان يتمثل في موكب قاضي القضاة الذي يمر بالأزهر الشريف ثم قصر الخليفة، وطوال الطريق كانت توزع صواني الحلوى على الجميع، ويؤكد ذلك الدكتور ” عبد المنعم سلطان ” في كتابه” الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي” إذ يقول:” اقتصر احتفال المولد النبوي في الدولة الفاطمية بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أمّا الاحتفال الرسمي، فكان يتمثل في موكب قاضي القضاة، حيث تحمل صواني الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة، حيث تلقى الخطب، ثم يدعى إلى الخليفة، ويرجع الجميع إلى دورهم، أما الاحتفالات التي كانت تلقى مظهر الاهتمام، فكانت للأعياد الشيعية”.
تأخر الاحتفال بالمولد النبوي والجدل الفقهي
لمّا كان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف جاء متأخرًا، إذ كان بداية الاحتفالات في القرن الرابع الهجري، فإن علماء الفقه ( السنة والشيعة) لم يتفقوا على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي،كما في الكثير من القضايا الإسلامية، كما لم يتفق المؤرخون على تاريخ مولد النبي، فهو كذلك محل خلاف بين السنة والشيعة، فالراجع عند السنة أنه يوم 12 من ربيع الأول، أمّا الشيعة فيحتفلون بمولد النبي يوم 17 ربيع الأول.
الاحتفال بالمولد النبوي في المرجعية الصوفية
تولي الطرق الصوفية اهتمامًا كبيرًا بإحياء المولد النبوي والاحتفال به، فهو من التقاليد الراسخة للتيارات الصوفية في بقاع العالم الإسلامي، ومن أشهر الطرق الصوفية احتفالًا بالمولد النبوي الطريقة النقشبندية، ومن طقوسهم في التعبير عن حب رسول الله يوم مولده:
1ـ تقديم النية الصالحة قبل يوم المولد النبوي الشريف لصوم يوم المولد النبوي الشريف.
2ـ تجمع الناس في المسجد أو الحلقات لقرأة القرآن وختمه.
3ـ الإنشاد في مدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه، بعد خاتمة القرآن الكريم مباشرة، في صوت جماعي جهوري.
4ـ الدعاء إلي الله والتقرب إليه بوسيلة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجمعين.
5ـ يقوم أمام المسجد بتأدية خطبة فى محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه والتذكير بسيرة سيدنا رسول الله وشمائله أنه القدوة وأسوة حسنة في الدنيا والآخرة.
لماذا يحتفل الصوفية مولد النبي
يعتبر الصوفية أن الاحتفال بالمولد النبوي أصل من أصول الإيمان، وهو من أعظم الأعمال التي يتقرب بها المسلمون إلى ربهم، وأسوة في النبي محمد إذ كان يحتفل بعيد مولده، ويستندون في دليلهم على ما ثبت عن النبي أنه كان يصوم يوم الإثنين لأنه اليوم الذي ولد فيه.
الاحتفال بالمولد النبوي في المرجعية السلفية
يحرم السلفية الاحتفال بالمولد النبوي، ويعتبرونه بدعة، ولعل رد السلفية على دعوى الاحتفاء والاحتفال بالمولد النبوي تكاد تكون واحدة، ونخترها في فتوى ” ابن الباز”،إذ يقول:” ولم يرشد النبي أمته إلى الاحتفال، ولم يحتفل في حياته بمولده، ولا فعله الصديق ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم من الصحابة، ولا في القرون المفضلة القرن الأول والثاني والثالث، وإنما أحدثه الرافضة، ثم تابعهم بعض المنتسبين للسنة.
يعتبر الأزهر الشريف ذات مرجعية إسلامية لا تتسم بالتطرف و الغلو، وفتواه حول الاحتفال بمولد النبي تُأخذ في عين الاعتبار، ويعتبرها المسلمون في بقاع الأرض الأقرب للصحة، وجاءت فتوى الأزهر المقيدة برقم 1186 بجواز الاحتفاء والاحتفال بالمولد النبوي.
وعللت الفتوى هذا بقولها أن الاحتفاء به صلى الله عليه وسلم هو أصل الأصول ودعامتها الأولى، فقد علِم الله -سبحانه وتعالى- قدرَ نبيه، فعرَّف الوجودَ –بأسره- باسمه وبمبعثه وبمقامه وبمكانته، فالكون كله في سرور دائم وفرح مطلق بنور الله وفرجه ونعمته على العالمين وحُجَّته.
ومما جاء في الفتوى :” والاحتفال بذكرى مولد سيد الكونَين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبي الرحمة وغوث الأمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنها تعبير عن الفرح والحب للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ومحبة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أصل من أصول الإيمان، وقد صح عنه أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ”.
واستندت الفتوى على قول ابن رجب: “محبَّة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من أصول الإيمان، وهي مقارِنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها،وتَوعَّدَ مَن قدَّم عليهما محبَّة شيء من الأمور المحبَّبة طبعًا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: 24]، “وَلَمَّا قاَلَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيءٍ إلَّا مِنْ نَفْسِي، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه؛ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّه الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: الْآنَ يَا عُمَرُ”
يحتفل الشيعة بالمولد النبي الشريف يوم 17 من ربيع الأول، عكس أهل السنة الذين يحتفلون به يوم 12 ربيع الأول على الراجح، والاحتفال مولد النبي في المرجعيات الشيعية هو التعبير عن حب وتكريم وتعزيز للنبي، ويعتبرونه من الأحداث الدينية الهامة.
ويحتفل الشيعة بمولد النبي عن طريق الصلوات والذكر في المساجد والحسينيات، إلى جانب الندوات التي توضح أهمية السنة النبوية، وتعريفها وتفسيرها.
كما تنتشر الأعلام الخضراء والزينات واللافتات التي تعبر عن حب النبي، كما يقوم الناس بتوزيع الحلوى والعصائر والمأكولات ابتهاجًا بمولد النبي الكريم.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
