“عاشت فلسطين” 

جملة أطلقتها سيدة من الحضور بعد انتهاء العرض الرائع بيدرو والنقيب الذي نقب عن خبايا النفس البشرية لكل صاحب كلمة وحق يدافع عنه مقابل الجلاد أو النقيب الذي له أكثر من جانب إنساني خفي، كشف عنه المعتقل بدر الذي قام بدوره الفنان المتميز محمد الطيطي.

تصفيق حاد للفنان رائد الشيوخي أيضا الذي قام بأداء دور النقيب، بأداء السهل الممتنع، فلا مبالغة وصراخ بلا معنى ولا كلاشيهات كنت أخاف حدوثها في عرض فلسطين.

عرض متكامل من جميع الجوانب حقق نجاحًا وأتوقع له بالجوائز بمهرجان الاسكندرية المسرحي الدولي، وكان لابد لي من محاورة الفنانرائد الشيوخي عن شخصية النقيب المعقدة للغاية التي أداها،  وأغوص في بحر أفكاره عن أراءه عن أكثر من قضية تخص فلسطين وتخص الإنسان بوجه عام.

كيف تعاملت مع شخصية النقيب بكل صراعها الذاتي وجوانبها المعقدة؟

كان المحقق قبل عمله إنسانًا عاديًّا ولكن تحول إلى شخص مختلف بسبب اغراءات في المناصب واغراءات مالية، فلنقل أن ديونه وأحلامه ما دفعته لطريقه.

وقد تعرض لتدريبات بشعة جدا حتى يصير محقق، فقد تعرض هو الآخر للتعذيب كالمعتقلين كي يعرف مناطق الضعف الإنساني. فتحول من شاب طيب إلى إنسان سادي.

هل الجوانب الإنسانية التي لمسناها بشخصية النقيب تبرر له في نظرك أن يصبح جلادًا؟

الشيء الوحيد الذي تخوفت من حدوثه أن يبرر الجمهور للنقيب. فنعم للنقيب حياة وأسرة وجوانب إنسانية وكذلك أماني يريد تحقيقها بالمناصب، ولكن هو اختار بالنهاية هذا الطريق ؛ أن يصبح ظالما وجلادا. 

وكيف رأيت الصراع بينه وبين بدر، هل هو إسقاط على الصراع بين الخير والشر؟

الصراع بين الخير والشر سيظل دائما، ولكن ستختلف وطعام نظر المتفرج، فالبعض سيرى مثلا المعارض للسلطة عليه السكوت من أجل سيادة النظام في نظره ، والبعض سيرى الصراع بين النقيب وبدر صراعا بين الخير والشر. 

على ذكر الجوانب الإنسانية بكل شخصية، ما رأيك بمن يروجون للتطبيع من هذا الباب؟

لقد قال ناجي العلي يوما ” أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر” فعلى ذكر الإنسانية أنا لست ضد اليهودي ولا ضد أي مختلف عني، ولكني ضد الصهيوني الذي اغتصب أرضي وبنى بيته على دم أخي وأبي ورفقائي أنا ضده، لأن هذه ليست أرضه هي أرضي ومن حقي مقاومته.

ربما الشر إلى الآن هو الأقوى ولكننا نقاوم بالطريقة التي نراها مناسبة. وعلى ذكر ما دار بالعرض، فقد تحول الإسرائيليين من ضحية هتلر يوما ما إلى جلادين بدلا من أن يبتعدوا عن الظلم وما تعرضوا له، مارسوا ما فعل فيهم علينا وأصبحنا نحن ضحيتهم. وغير مستبعد كما حدث بالعرض، أن تصبح ضحية اليوم قاضي الغد بما لديهم من رغبة في الانتقام بعد الظلم.

كيف ترى المعاناة وما يمكن أن تخلق من الإنسان؟ هل يختار الإنسان طريقه بعد شعوره بالمعاناة أن يصبح جلادا أو أكثر رحمة بالغير؟

المعاناة مثلا خلقت من الفلسطينيين أناسا أقوياء يدافعون طوال الوقت عن وطنهم. والفلسطيني عنيد ليس من النوع الذي ينبطح بعد الظلم، فمن يقتل له أخا ينتقم له، ومن يقتل له أبا ينتقم بعد أنا من الخليل وأرى كل يوم شباب الألفينات يقاومون ويتبنون القضية كما لو كانوا عاصروا ما عانيناه في شبابنا من أحداث .

وقد قال بنجريون يوما” الكبار سيموتون والصغار سينسون” ولكن ما حدث عكس ذلك، فالصغار لا ينسون وعلى العهد يحافظون ويقاومون رغم أنهم لم يعاصروا النكسة ولا النكبة ولا الانتفاضة الأولى. 

لقد أصبت بالرصاص الحي عام ١٩٨٨ ورغم ذلك أرى جميلا جديدا يقاوم رغم أنه لم يشهد ربع ما شهدناه نحن من أحداث وظلم. 

فالمعاناة تخلق الاختيار أن يصبح الإنسان خيرا ويقاوم من أجل الخير أو فاسدا ظالما.

اقرأ أيضا…إصبع روج يخيف المجتمع

ماذا عن رؤيتك للنفس البشرية بوجه عام؟ هل ترى الإنسان بلونين فقط أبيض وأسود؟

إقرأ أيضا

كنا أطفالا كالرجال رغم عصا المدرس لدعم القضية الفلسطينية

الإنسان خليط بين هذا وذاك. وعندما خلق الله الليل خلق النهار ، وكما هناك ملائكة هناك شياطين، وكما هناك خير هناك شر. ولابد من وجود الصراع بينهما كي يصل الإنسان إلى الأفضل، والصراع مع الشر الذي يجعل الإنسان يصر على نشر الخير.

 حدثنا عن تعاونك  مع المخرج إيهاب زاهدة والفنان محمد الطيطي.

انا وإيهاب زاهدة ومحمد الطيطي لسنا فقط زملاء ولكننا أخوة.  بدأنا بدراسة المسرح من ١٩٩٧ وعملنا مسرحية بالبداية كهواة. وقد بدأنا الدراسة سويا وتخرجنا سويا وبدأنا بالعمل سويا ، وكنا أول أستاذة دراما ومدربين وأسسنا مسرح بمدينة الخليل به ألوانا شتى من فنون المسرح، ونأمل في نشرها بفلسطين وخارج فلسطين. وهذا  المسرح  هو الوحيد بالخليل .

يتوقع الجمهور من العروض الفلسطينية أن تناقش الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فقط، فما تعليقك على هذا الأمر؟

نحن نبتعد عن نقاش القضية بشكل مباشر أو شحن الجمهور عن طريق البكاء والاستجداء. أنا أعطيهم فن إنساني ومحترم وأحاول دلئما إثبات نفسي كفنان وفقط كأي فنان آخر يناقش عدة قضايا.

هل هذه هي المشاركة الأولى لكم بالمهرجان؟ وهل تتوقع للعرض بجوائز بختام المهرجان؟

لم تكن هذه هي المرة الأولى لنا بالمهرجان، فقد شاركنا بعرض بالمهرجان من قبل عام ٢٠١٩، وعن الجوائز لا يشغلني هذا الأمر، المهم بالنسبة لي هو رد فعل الجمهور ومدى استمتاعهم بالعرض.