الوقف الفاطمي للتعليم والظلم التاريخي له (2-3) دار الحكمة واللغز المجهول
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لعل أكثر الجوانب التي خضعت للبحث في تاريخ الدولة الفاطمية هو وضع دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله، لكن يحتوي تاريخها على جوانب لم يتطرق لها البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
دار الحكمة الشيعية والاستعانة بعلماء السنة قبل قتلهم
جاء تشييد دار الحكمة في عهد الحاكم بأمر الله حيث أسسها لمنافسة الأزهر الشريف ثم جعل فيها اثنين من أهل السنة، وقال ابن تغري بردي في كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة “وأمر (يقصد الحاكم) بعمارة دار العلم وفرشها، ونقل إليها الكتب العظيمة وأسكنها من شيوخ السنّة شيخين، يعرف أحدهما بأبى بكر الأنطاكىّ، وخلع عليهما وقرّبهما ورسم لهما بحضور مجلسه وملازمته وجمع الفقهاء والمحدّثين إليها، وأمر أن يقرأ بها فضائل الصحابة، وكأنها كانت مدرسة شكلية لإسكات الناس عنه: لكنه سرعان ما أبطلها وقتّل أهلها بسبب تعصبه في التشيع والله أعلم”.
اقرأ أيضًا
“أصلك بفعلك تواصل فعله ويواصلك” حكاية ترزي صار معيدًا في جامعة الأزهر
الأمر نفسه يؤكده محمد بن عبد الرزاق في خطط الشام حيث قال “وأنشأ الفاطميون في القاهرة دار العلم في القرن الرابع تشبهاً بالعباسيين في بغداد، أنشأها الحاكم العباسي بأمر الله سنة 400 وفرشها ونقل إليها الكتب العظيمة وأسكنها من شيوخ السنة شيخين وبقي الحاكم كذلك ثلاث سنين ثم أخذ يقتل أهل العلم وأغلق دار العلم”.
واستفاض تقي الدين المقريزي في كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار عن حال دار الحكم بقوله “قال المسبحيّ: وفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة فتحت الدار الملقبة بدار الحكمة بالقاهرة، وجلس فيها الفقهاء، وحملت الكتب إليها من خزائن القصور المعمورة ودخل الناس إليها، ونسخ كل من التمس، نسخ شيء مما فيها مما التمسه، وكذلك من رأى قراءة شيء مما فيها، وجلس فيها القرّاء والمنجمون، وأصحاب النحو واللغة، والأطباء بعد أن فرشت هذه الدار، وزخرفت وعلقت على جميع أبوابها وممرّاتها الستور، وأقيم قوّام وخدّام وفرّاشون، وغيرهم وسموا بخدمتها، وحصل في هذه الدار من خزائن أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله من الكتب التي أمر بحملها إليها من سائر العلوم، والآداب والخطوط المنسوبة ما لم ير مثله مجتمعا لأحد قط من الملوك”.
موقف صلاح الدين من دار الحكمة
أهمل صلاح الدين دار الحكمة باعتبار أنها رمز شيعي لكن الكارثة تمثلت في عدم إدراكه للقيمة بالكتب التي لم تكن شيعية فقد أشرف على توزيعها على مكتبات الشام وخص القاضي الفاضل بها فكانت كتب دار الحكمة هي أساس مكتبة المدرسة الفاضلية، بينما باقي الكتب كما ذكر المقريزي وُزِعَت وبقي القليل منها من الكتب إلى أن حُرِقَت في فتنة عبيد القصر الأيوبي وقال المقريزي في هذه المحرقة ” وقعَ بها الحريقُ يوم الجمعة 4 صفر سنة إحدى وتسعين وست مائة، فتلفَ بها من الكتب، في الفقهِ والحديثِ والتاريخ وعامة العلوم، شيءٌ كثيرٌ جداً كانَ من ذخائرِ الملوكِ ، فانتهبها الغِلمان، وبيعت أوراقاً مُحرقة ظفر الناسُ منها بنفائسَ غريبة ما بين ملاحم وغيرها، وأخذوها بأبخس الأثمان”.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال