بناء بغداد نموذجًا .. عندما يكون اسم الدلع سببًا في تأسيس عاصمة
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بدأ بناء بغداد لسبب سياسي أمني، وانتهى بميلاد عاصمةٍ ضمت في جنباتها كافة عوامل الحضارة، فكانت عاصمة الدولة العباسية، وحاضرة حاضنة للعلم وطلابه، وبكى عليها كل المسلمين عندما دخلها التتار.
كيف جاء بناء بغداد ؟
ذلك الزخم الكبير الذي يتسم به تاريخ بغداد وُلِد من رحم الصدفة بنطفة الرغبة، استتب الأمر للدولة العباسية جزئيًا عندما مات أبو العباس السفاح، ثم تولى أبو جعفر المنصور حكم الدولة بعده، فأنهى وجود أبو مسلم الخرساني، واستأصل شأفة العلويين، وقضى على ثورة الراوندية، وبقي له الشيعة العلوية.
مع القلاقل التي كانت تحيط بأبي جعفر المنصور قرر أن يبني عاصمةً لدولته بعيدةً عن أي وجود لشيعة الكوفة، فتنقل في أنحاء العراق للبحث عن مكان ملائم يصلح كعاصمة، فصعد إلى الموصل لكنه لم يجد مكان ملائمًا.
أخبره من كان معه بوجود مكان صالح ورآه هو فاستشار فيه أصحابه فوافقوه عليه كمكان يصلح للحياة، لكنه حدد لهم وجهة نظر أخرى تدعله يرفض اقتراحهم قال عنها «إنه مكان لا يحمل الجند والناس والجماعات، أريد موضعًا يرتفق الناس به ويوافقهم مع موافقته لي، لا تغلو عليهم فيه الأسعار، ولا تشتد فيه المؤونة، فإني إن أقمت في موضع لا يجلب إليه شيء من البر والبحر، غلت الأسعار وقلَّت المادة واشتدت المؤونة وشق ذلك على الناس».
اقرأ أيضًا
هل كان موت أبو حنيفة النعمان في مسلسل الإمام الأعظم صحيح تاريخيًا ؟
وقع اختيار أبو جعفر المنصور على الموضع الذي بنيت فيه مدينة بغداد المدورة، وقد سماها بعد بناءها مدينة السلام، وكانت على شكل دائري محاط بسور وفيه 4 بوابات الأولى باسم باب الشام، والثانية باب الكوفة، والثالث باب البصرة والرابعة باب خراسان، وكان هناك مشرفين كُثُر على بناء بغداد منهم الحجاج بن أرطاة وأبو حنيفة النعمان وخالد بن برمك، وتكلف بناءها 18 مليون درهم في 4 سنوات.
اسم الدلع في بناء بغداد
توفرت كل العناصر اللوجسيتية لتؤيد اختيار أبو جعفر المنصور، لكن هناك شيء آخر أشبه بالنبؤوة جعله يطمئن لاختياره وهو اسم مقلاص.
القصة تبدأ عندما كان يخرج أبو جعفر المنصور بنفسه للبحث له عن موضع يسكنه هو وجنده فانحدر إلى جرجرايا ثم إلى الموصل، وكان أحد جنوده قد تخلف عنه في المدائن للذهاب إلى طبيب يعالجه من الرمد، فسأله الطبيب عن سبب رحلات أبو جعفر المنصور فأخبره الجندي بذلك.
عندما عرف الطبيب الفارسي نية أبو جعفر لبناء مدينة قال للجندي «إنا نجد في كتاب عندنا أن رجلًا يدعى مقلاصًا يبني مدينة بين دجلة والصلاة تدعى الزوراء فإذا أسسها وبنى بعضها أتاه فتقٌ من الحجاز فقطع بناءها وأصلح ذلك الفتق ثم أتاه فتقٌ من البصرة أعظم منه فلا يلبث الفتقان أن يلتئما ثم يعود إلى بنائها فيتمه ثم يعمر عمرًا طويلًا ويبقى الملك في عقبه».
عولج الجندي وذهب إلى أبي جعفر المنصور وأخبره بالحوار الذي دار بينه وبين الطبيب فقال أبو جعفر «إني أنا والله كنت أدعى مقلاصًا وأنا صبي ثم زال عني».
يحكي الطبري تلك الحكاية فيقول وبعث إلى راهب في الصومعة فقال : هل عندك علم أن يبنى هاهنا مدينة ؟ فقال له : بلغني أن رجلاً يقال له مقلاص يبنيها ! قال أنا والله مقلاص».
الخطيب البغدادي يتفق مع ما ذكره الطبري فيقول «رآه راهب كان هناك وهو يقدِّر بناءها فقال : لا تتم ! فبلغه فأتاه فقال : نعم ، نجد في كتبنا أن الذي يبنيها ملك يقال له مقلاص ! قال أبو جعفر : كانت والله أمي تلقبني في صغري مقلاصاً».
ما معنى اسم مقلاص ؟
لغويًا فإن اسم مقلاص هو الناقة السمينة ثم سمي به سارق مشهور ويقول بن كثير ويتفق الذهبي معه «مقلاص : إسم لص كانت تضرب به الأمثال ، وكان أبو جعفر المنصور صبياً سرق غزلاً لعجوز كانت تخدمه وباعه لينفق على أتراب له ، فلما علمت بفعلته سمته مقلاصاً ، وغلب عليه هذا اللقب»
المراجع
- تاريخ الرسل والملوك لـ الطبري
- الكامل في التاريخ لـ بن الأثير
- البداية والنهاية لـ بن كثير
- تاريخ الإسلام لـ الذهبي
- مختار الصحاح لـ بن عبدالقادر الرازي
- أبو جعفر المنصور لـ علي أدهم
- تاريخ بغداد لـ الخطيب البغدادي
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال