همتك نعدل الكفة
157   مشاهدة  

بين تركيا والاتحاد الأوروبي “لماذا اتفقوا على الإدانة واختلفوا حول العقوبات ؟”

تركيا والاتحاد الأوروبي
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



شهدت منطقة شرق المتوسط خلال الآونة الأخيرة حالةً من التوتر بين تركيا والاتحاد الأوروبي بكل أعضاءه، خاصة فرنسا، وذلك في أعقاب تحرش سفينة بحرية تركية بفرقاطة فرنسية يونيو 2020 كانت في مهمة تابعة لحلف الناتو كما تشهد المنطقة انتشارًا عسكريًا واسعًا لعدد من الأطراف، إلى حد أن خطر المواجهة العسكرية بين أعضاء الناتو لم يعد مستبعدًا في ظل مواصلة أنقرة أنشطة التنقيب عن الغاز.

في هذا السياق نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ECFR، تقريرًا لعرض وتقييم مواقف عدد من العواصم الأوروبية أصحاب المصالح المختلفة في منطقة شرق المتوسط ولأهمية هذا التقرير سوف نعرض ما جاء به من خطوط عامة.

باريس وفرض الإرادة

ماكرون وأردوغان
ماكرون وأردوغان

كشف التقرير عن حجم الخلافات بين فرنسا وتركيا، موضحًا أن هناك عددًا من الملفات المتشابكة بين الطرفين، خاصة شرق المتوسط وليبيا وسوريا، وهو ما يزيد من حدة التوتر بين الجانبين وقد تصاعد هذا التوتر وظهر للعلن في أعقاب تحرش السفينة التركية بالفرقاطة الفرنسية، خاصة في ظل استياء فرنسا من موقف أعضاء حلف الناتو وردود أفعالهم تجاه هذه الحادثة، حيث رأت فرنسا أن موقف الدول الأعضاء في الحلف لم يكن على مستوى الحدث.

وتنظر فرنسا لتحركات تركيا وسياسات أردوغان التوسعية على اعتبار أنها لا تتوافق مع المصالح الأوروبية ومن هنا بدأت تنخرط بشكل أكبر في شرق المتوسط، سواء من خلال المناورات العسكرية، أو عبر نشر عددٍ من القطع الحربية الفرنسية في المنطقة، من ناحية أخرى، تقود فرنسا معسكرًا أوروبيًّا يضم اليونان وقبرص، والذي يستهدف خلق موقف أوروبي موحد لفرض عقوبات على تركيا للعدول عن موقفها مقابل هذا الموقف، هناك معسكر آخر أكثر مرونة وأقل حدة في موقفه مع تركيا، ويضم كلًّا من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا.

وفي ظل الانقسام الأوروبي، تعمل فرنسا على فرض إرادتها وضبط قواعد اللعبة في شرق المتوسط، وهو ما بدا واضحًا خلال قمة الدول السبع المتوسطية التي عُقدت في 10 سبتمبر 2020 بين كل من قبرص واليونان وإيطاليا ومالطا والبرتغال وإسبانيا وفرنسا، فضلًا عن محاولات فرنسا التعبئةَ ضد تركيا خلال اجتماع المجلس الأوروبي الذي عقد في 24/25 سبتمبر لتشكيل موقف أوروبي ضد تركيا.

برلين والبحث عن وساطة

ميركل وأردوغان
ميركل وأردوغان

على خلاف باريس، تسعى برلين للتوسط بين أنقرة وأثينا. ورغم مساعيها في هذا المجال إلا أنها لم تقدم أية نجاحات ملموسة في هذا الصدد. وفيما يتعلق بموقف ألمانيا، فقد أكد التقرير أن الحكومة الألمانية لا تقف بوضوح بجانب اليونان كما هو الحال بالنسبة لفرنسا، إذ تفضل ألمانيا لعب دور الوسيط النزيه بين مختلف الأطراف، بما يتماشى مع رئاستها للاتحاد الأوروبي، وهو ما بدا من خلال تصريحات وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في أغسطس 2020، حيث أكد أن الحكومة الألمانية وشركاءها الأوروبيين لن يقبلوا بسياسة تركيا المزعزعة للاستقرار في ليبيا وشرق البحر المتوسط، ومع ذلك فقد أشار إلى أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الأزمة الحالية.

اقرأ أيضًا 
تاريخ مؤتمر برلين .. لعنة مزمنة من 142 سنة على الدولة العثمانية وتركيا

وشدد التقرير على أن ألمانيا تولي اهتمامًا بالغًا بأهمية فتح قنوات الحوار مع تركيا، على أمل حدوث انفراجة في الموقف، وتسوية الأوضاع وقد أكد التقرير أنه رغم اختلاف المقاربتين الألمانية والفرنسية تجاه تركيا واليونان، إلا أن ألمانيا تحاول منع ظهور هذه الاختلافات والتباينات للعلن، وعدم تعريض الانسجام الفرنسي الألماني للخطر، وقد ألمح التقرير إلى أن ألمانيا تعتبر أكثر الدول الأوروبية التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع تركيا، وهو الأمر الذي ينظر إليه البعض كنقطة قوة يمكن أن تمارس ألمانيا من خلالها نفوذًا على تركيا، في حين يوظفه آخرون للتشكيك في مصداقية ألمانيا باعتبارها وسيطًا نزيهًا.

وقد انتهى التقرير إلى أن الجاليات التركية في ألمانيا، باعتبارها أكبر تجمع تركي في الدول الأوروبية، تمثل محددًا قويًا في طبيعة العلاقة بين الطرفين، وهو ما يحفز ألمانيا على تبني نهج الحوار مع تركيا؛ فبالنسبة لألمانيا لا تتعلق سياسة تركيا بالجغرافيا السياسية والأمن فحسب، بل تتعلق على الأقل بالسياسة الداخلية وسياسة الهجرة.

روما وانخراط أعمق في المتوسط

أردوغان ورئيس وزراء إيطاليا
أردوغان ورئيس وزراء إيطاليا

أوضح التقرير أن إيطاليا تشارك بعمق في منطقة شرق المتوسط، وذلك من خلال شركة إيني، خاصة أنها صاحبة اكتشاف أضخم حقل في المتوسط عام 2015 حقل ظهر كما أنها إيني المسئول الرئيسي عن تطوير الغاز الطبيعي في قبرص، كما تقود خطط تجميع الغاز القبرصي والمصري والإسرائيلي واستخدام محطات التسييل في مصر لتسييل الغاز ومن ثم نقله إلى أوروبا.

وقد لفت التقرير إلى أن الاستراتيجية الإيطالية رغم أنها مربحة اقتصاديًا؛ إلا أنها تسببت في عقبات جيوسياسية لتركيا، خاصة ما يتعلق بتحطيم حلم أنقرة في التحول لمركز إقليمي للطاقة من ناحية أخرى، أشار التقرير إلى أن موقف إيطاليا في ليبيا ساعد الجانب التركي في تعظيم مكاسبه وبسط نفوذه، خاصة أن إيطاليا عملت على البحث عن مسافات متساوية بين الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر وحكومة الوفاق بقيادة السراج، وهو ما أدى –بحسب التقرير- إلى فقدان حكومة الوفاق الثقة في إيطاليا، الأمر الذي جعلها تبحث عن البديل المناسب، حيث وجدت أن تركيا مؤهلة لذلك وقد أسفر هذا التقارب عن توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين أردوغان والسراج في نوفمبر 2019.

وانتهى التقرير إلى أن تحركات إيطاليا محكومة بمسألتين؛ الأولى تتعلق بالطاقة، بينما ترتبط الثانية بدورها في ليبيا، حيث تمتلك روما مصالح اقتصادية وأمنية حيوية، لذا فإن موقف إيطاليا في التغيرات الجيوسياسية بشرق المتوسط يتسم بالحذر والغموض، خاصة في ظل التزامها المزدوج بالعملية البحرية درع البحر المتوسط التي تقودها تركيا، بجانب مشاركتها في المبادرة الرباعية مع كل من فرنسا وقبرص واليونان ضمن عملية Eunomia وعلى الرغم من مشاركة إيطاليا بصورة أكبر في المبادرة الرباعية مقارنة بمشاركتها في عملية درع البحر المتوسط التي تقودها أنقرة؛ إلا أن التقرير وجد أنه من الصعب تحديد ما إذا كانت إيطاليا تدعم تركيا أو اليونان.

وخلُص التقرير إلى إمكانية اعتماد الاتحاد الأوروبي على إيطاليا طالما أن الاتحاد لا يتبنى نهج المواجهة مع تركيا، خاصة أن روما لديها القدرة على الحوار مع الجانبين رغم ذلك اعتبر التقرير أن إيطاليا لا تزال غير قادرة على بناء سياسة استباقية أو لعب دور قيادي في مبادرة دبلوماسية واسعة النطاق.

مدريد وترسيخ مبدأ الاحتواء

أردوغان ورئيس وزراء إسبانيا
أردوغان ورئيس وزراء إسبانيا

شدد التقرير على أن التفاعلات شرق المتوسط لا تحتل مكانة كبيرة بالنسبة لمدريد، خاصة في ظل التحديات الداخلية المرتبطة بالحاجة لتمرير الموازنة، علاوة على مساعيها لاحتواء الموجة الثانية من وباء كورونا وقد أوضح التقرير أن إسبانيا التي تقع في الطرف الآخر من البحر الأبيض المتوسط- تشعر بقلق متزايد بشأن عدم الاستقرار شرق المتوسط أكثر من اهتمامها بحماية مصالحها الحيوية، سواء الاقتصادية أو الجيوسياسية وقد أكد التقرير على العلاقة الجيدة بين البلدين، خاصة بعد الإطلاق المشترك لتحالف الحضارات عام 2007. من ناحية أخرى، اعتمدت إسبانيا على خطاب الاحتواء تجاه تركيا في عدد من القضايا التي تشتبك فيها أنقرة، كالتعامل مع الأكراد أو الإبادة الجماعية للأرمن أو موقفها من الأزمة السورية في الوقت ذاته، دعمت إسبانيا تاريخيًّا محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

إقرأ أيضا
القطط بسبع أرواح

في هذا السياق، اتخذت إسبانيا موقفًا داعمًا للتهدئة على غرار الموقف الألماني فعلى الرغم من أن الخارجية الإسبانية ترفض خطاب أردوغان، إلا أنها تعتقد أن فرض العقوبات لن تكون الأداة الفاعلة لإجبار تركيا على الجلوس إلى مائدة المفاوضات، حيث ترى أن فرض العقوبات قد يأتي بنتائج عكسية، وقد تدفع تركيا لممارسة المزيد من الضغوط والتلويح بورقة اللاجئين ومن ثم، يمكن تحديد طبيعة الموقف الإسباني من تفاعلات المتوسط من خلال اتباعها سياسة خفض التصعيد، والعمل على تهدئة الأجواء من أجل الحوار.

أثينا والردع عبر تعزيز الدفاعات

أردوغان ورئيس وزراء اليونان
أردوغان ورئيس وزراء اليونان

أوضح التقرير أن الاستفزازات التركية في المتوسط تُسبب قلقًا شديدًا لليونان، خاصة مع استمرار أنقرة في عملية التنقيب عن الغاز بالقرب من الجزر اليونانية في المناطق البحرية التي لم يتم تحديدها بين البلدين. فقد استجابت اليونان لهذه التحديات عبر تعزيز منظومتها الدفاعية وتبني سياسة خارجية نشطة، إذ أعلنت أنها ستحصل على 18 مقاتلة طراز رفال، وأربع فرقاطات جديدة، وأربع مروحيات بحرية وأسلحة مضادة للدبابات وصواريخ موجهة وطوربيدات بحرية كما تخطط لتحديث أربع فرقاطات موجودة لديها، وإضافة 15000 جندي إلى قواتها المسلحة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، سعت اليونان إلى ممارسة الضغط على شركائها لتمرير وفرض عقوبات على تركيا خلال الاجتماع المقرر له 24-25 سبتمبر (2020) وفي حالة نجاح هذا التوجه فقد يتسبب ذلك في ضرر كبير للاقتصاد التركي.

وقد أوضح التقرير أن اليونان تعتمد في مواجهتها مع تركيا على الدعم الذي تقدمها فرنسا، فضلًا عن مساعيها لتوسيع التعاون الدفاعي معها صورة مكثفه، كما أنها لا تزال ترتكز على علاقتها مع واشنطن والتي عززتها بتوقيع اتفاقية تعاون دفاعي مشترك في أكتوبر 2019 بالإضافة إلى ذلك، تعتمد اليونان على آليات التعاون الثلاثي مع إسرائيل وقبرص وكذلك مع مصر وقبرص، كما أن الديناميات الإقليمية والتغيرات المتسارعة، خاصة ما يتعلق باتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات، قد تخلق فرصًا جديدة لتطويق تركيا، خاصة أن إسرائيل والإمارات قد أعلنتا تضامنهما مع اليونان في مرات عديدة.

في الأخير، يُبرز هذا التقرير مدى التباين واختلاف الأدوات لدى عدد من الدول الأوروبية فيما يتعلق بالسلوك التركي في منطقة شرق المتوسط، حيث يبدو المشهد الأوروبي منقسمًا بشكل كبير بين معسكرين أساسيين، أحدهما يرى ضرورة كبح جماح أنقرة وإجبارها على تغيير سلوكها عبر فرض عقوبات وتبني موقف أوروبي موحد، في حين ترى الكتلة الثانية ضرورة العمل على احتواء الموقف والبعد عن التصعيد وذلك من خلال الحوار. ويبدو أن حدود وطبيعة العلاقة بين أطراف كل معسكر وتركيا هي المحرك الأساسي لأي تحرك مستقبلي من شأنه أن يحتوي أنقرة أو يردعها، وقد يُظهر اجتماع الاتحاد الأوروبي القادم 24/25 سبتمبر حجم هذا الانقسام، كما قد يُجيب بصورة واضحة عن التساؤل الأبرز: لمن الغلبة؟ ومن يمكنه أن يمرر خطته؟ المعسكر المؤيد للعقوبات أم الرامي للتهدئة؟.

الكاتب

  • تركيا والاتحاد الأوروبي وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان