298 مشاهدة
تاج البلاد ليسوا قردة أو خنازير
الدنيا ليل والنجوم طالعة تنورها..
نجوم تغري الفنون من حسن منظرها..
لم يكن جالسًا.. كان الأسطى أحمد النجار يقف أمام باب دكانه الصغير يصنفر ترابيزة على البنك وهو يدندن مع صوت عبد الوهاب.
كان منسجمًا ومنتشي بالألحان، كان سعيدًا بلا شك حتى دخل عليه الشيخ مصطفى الذى صاح: «إيه دا يا أسطى أحمد؟ اطفي يا راجل انت عاوز تروح في داهية!».
الأسطى أحمد يكره من يعكر مزاجه.. رد وهو متحفز: «داهية إيه يا شيخ؟».
هنا، كان على الشيخ مصطفى أن يلعب الدور الذى يحبه ويجيده: «ألم تسمع تفسير ابن مسعود للآية الكريمة «مِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ» سورة لقمان/ آية 6.. ألا تعرف أن المقصود بـ«لهو الحديث» الغناء؟.. ألم تسمع بحديث البخاري «ليكونن من أمتى قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والميسر»؟.
ألم تسمع بحديث ابن مالك «صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة»؟!
الفن مين يوصفه إلا اللي عاش في حماه..
والفن مين يعرفه إلا إللي هام في سماه..
رد النجار وهو يواصل عمله بهدوء «كيف استدل ابن مسعود على تفسيره؟ ما وجه الترابط بين لهو الحديث وتلك الكلمات الرنانة التي تسرى في العقل والقلب.. ما هو وجه الضلال هنا؟ ألم يسمع ابن مسعود قوله تعالي «.. بغير علم»؟.. ما العلم الذي استند إليه؟ أم أنه يوحى له؟ هل تريد أن تعرف رأى العلم في الموسيقى؟
ألم تقرأ ما كتبه أرسطو وأفلاطون عن تناغم الروح والجسد بالموسيقى؟ دعنا منهما فهما من وجهة نظرك كفار.. ألم تسمع عن مخطوطة ابن الهيثم وهو من علماء الإسلام عن الغناء؟
لقد كتب ابن الهيثم مخطوطة تُعد من أقدم المخطوطات التي تتحدث عن تأثير الأنغام على أرواح الحيوانات والطيور.. هل تعرف أنه اكتشف أن الإبل تصبح أكثر سعادة مع سماع المعازف؟ الإبل يا شيخ مصطفى تحب الغناء وتهضمه!
ألم تقرأ ما كتبه الفارابي في كتابيه «كتاب صناعة الموسيقى/ الموسيقى الكبير»؟! دعني أخبرك أن ابن سينا كان يصف الغناء كعلاج ومُسكن حين قال «من مسكنات الأوجاع الممشى الطويل لزمن لما فيه من الإرخاء والغناء الطيب خصوصا عند النوم به، والتشاغل بما يفرح.. مسكن قوى للأوجاع».
إنه يُعرف الغناء بالطيبة في حين يخلط رجال الدين بين الغناء والميسر والخمور كأنها وجبة واحدة لا تتجزأ.
دنيا الفن دي جميلة وانتوا أنوارها..
والفن لحن القلوب يلعب بأوتارها..
بلهجة الواعظ قال الشيخ: “يا أسطى أحمد أنا خايف عليك انت.. العقاب شديد وانت مش حمله.. ألا تعرف أن من يستمع للغناء يُمسخ؟!
ألم تسمع بحديث أبي هريرة «يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير.. قالوا يا رسول الله: أليسوا قد شهدوا أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول؟! قال: بلى، ويصلون ويحجون. قيل: فما بالهم؟!
قال: اتخذوا المعازف والدفوف والقينات فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير».. قردة وخنازير يا أسطى أحمد.
الفن دنيا جميلة وانتوا أنوارها..
تعجب الأسطى أحمد كما ينبغي: “يا شيخي إذا كنت تقصد مسخي خنزيرا فالخنزير متبلد الإحساس، والموسيقى يا شيخي ترقي الإحساس وتعلي من العاطفة، وهذا ليس بكلامي ولكن الدراسات الحديثة قد أثبتت ذلك، فالشخص الذى يستمع للموسيقى تكون مشاعره أكثر رقة وإحساسًا..
وهي تستخدم أيضًا في العلاج النفسي خصوصًا لمرضى الاكتئاب وفى التخلص من القلق وتحسين الحالة المزاجية..
أما إذا كنت تقصد مسخي قردا فالموسيقى ترخى الأعصاب وتنشط الذاكرة ولذلك يستخدمها الطلبة في أثناء المذاكرة.. حتى الأجنة يا شيخنا الوقور تصلهم الأنغام وهم فى أرحام أمهاتهم.. وتساعد أيضا على تحسين وظائف القلب والتنفس لدى الأطفال الذين ولدوا قبل ميعادهم..
كيف سيُمسخ الإنسان إلى قرد عندما يستمع للموسيقى إذا كان الأطفال –القرود- يصبحون أكثر هدوءً وقدرة على النوم عند الاستماع إلى الموسيقى؟!
يا شيخي إذا كان نبات اللبلاب ينمو مع الموسيقى، والبقرة تدر لبنا أكثر، والدجاجة بإمكانها أن تميز الأنغام، الموسيقى تسمو بالحيوان والنبات، فكيف بالله عليك أتحول أنا إلى حيوان، لأه، وكمان قرد أو خنزير؟!
الفن جنة بتسحرنا بألوانها..
نعيش على بدرها ونغني ألحانها..
وغضب الشيخ كما ينبغي أيضًا: “أنت تدافع عن أهل الفسق الفجور، من قال عنهم الإمام الصنعاني «وأما الرقص فشأن أهل الفسق والخلاعة لا شأن من يحب الله ويخشاه»..
وبناء على ذلك فقد أفتى الإمام مالك بعدم قبول شهادة أهل الطرب.. واحذر فإن حبك لهم سيحشرك معهم.. فالمرء يُحشر مع من أحب.
إحنا تاج البلاد الجنة سكانها..
وانت راعيها وحارسها ورضوانها..
أجل… أنتم تاج البلاد يا موسيقار الأجيال، ولكن الشيخ مصطفى لا يعرف مدى قيمتكم، وها هو مرة أخرى يخلط بين الغناء والرقص، وها هو شيخه مالك يتعامل معكم كفاسقين لا يجوز الأخذ بشهادتهم، ونسوا أن المغنى وقت الأزمات والحروب والثورات يصبح مناضلاً وزعيمًا، وتصير ألحانه وكلماته سلاحًا ودرعًا، وأن الجماهير تتحرك خلفهم، تصدقهم، وتؤمن بقضيتهم، ولمَ لا وهم شهداء أوطانهم وأزمانهم يعبرون بصدق وفن وجمال عن حال الناس.. المطرب ليس بفاسق وسامع الغناء لا خنزير ولا قرد.. وإن كان ترهيبك بأن أحشر معهم يوما ما فهنيئا لي.
وإزاي ما كونش متهني وأنا مع سيد درويش ومحمد فوزى وأم كلثوم وبليغ ومكاوي؟!
انت اللى أكرمت الفنان ورعيت فنه..
رديت له عزه بعد ما كان محروم منه..
وأنتم أمتعتمونا، وأفنيتم أعماركم من أجل إسعادنا، رزقكم الله الموهبة فكانت لنا دواء ومتعة وارتقاء، لا أسكت الله لكم حسًّا أبدًا.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
