“تاريخ البشت مع غير العرب” هل كان ميسي أول شخصية عالمية يرتديه ؟

فَجَّر ارتداء اللاعب العالمي ليو ميسي للمشلح الخليجي نقاشًا عارمًا حول تاريخ البشت خاصةً بعد أن صار ربطه مع كأس العالم الأغلى بالنسبة للأرجنتين إذ فازت به بعد 36 عامًا، فضلاً عن كون البطولة تنظم للمرة الأولى في البلاد العربية؛ ذلك النقاش الذي جعل قناةً مثل الحرة تتساءل (هــنــا) هل هو غسيل رياضي أم احتفاء بالثقافة العربية.

البشت ونطقه

عربيًا فإن البشت نطقه بجاد وهو كساء مخطط من أكسية الأعراب، وَقِيلَ: إِذا غُزِلَ الصُّوفُ بِسُرَّةٍ وَنُسِجَ بالصِّيصَة، فَهُوَ بِجاد، وَالْجَمْعُ بُجُدٌ[1]، ثم قُلِبَت الجيم شيئًا وفق نطق شائع في الجزيرة العربية، وتحول الدال إلى تاء فهو قلب تحتمل العربية باعتبار التاء المقابل المهموس للدال المهجورة.[2]

النطق الحالي بشت مخْتَلف فيه، فهناك من يرى أن أصله فارسي وكان الإيرانيين يسمونه بوشت والتي تعني خَلْف أي ما يُلَف على الخلف (الظهر)[3]، وهناك من يرى أن أصله أكادي ومعناه المهابة والجلال.[4]

البشت وتاريخه

أقدم إشارة عن تاريخ البشت العربي كان في تاريخ هيردوت حيث تكلم أزياء الجنود العرب المقاتلين في جيش الفرس بقيادة اكسركسيس الغازي لبلاد الإغريق وقال «كان العرب يرتدون العباءة الطويلة ويشدونها إلى الوسط بنطاق»[5]، وسماه هيردوت زيرا[6]

غير العرب مع البشت العربي

من المفترض أن يكون ارتداء ميسي للبشت إحدى وسائل قطر في الترويج للهوية العربية عن طريق أحد أهم الأحداث الكروية عالميًا في ذلك، ثم قامت قناة الجزيرة بحصر تلك الهوية في كونها قطرية[7]، لكن هذا لا يتسق تاريخيًا لكون البشت أقدم من دولة قطر.

وعلى كل حال فإن ارتداء ميسي للبشت وتصوير ذلك سيظل محفورًا في أذهان الذاكرة الكروية الأرجنتينية والذاكرة الكروية العالمية؛ غير أنه لقي مع التأييد لذلك، رفضًا من بعض القطاعات إذ وصفوا ذلك بأنه شيء لا قيمة وإجبار من قطر لميسي على قبول ثقافة الغير، وهذا أيضًا غير صحيح.

تاريخيًا فإن ارتداء البشت لغير العرب له سبب من اثنين، إما من باب التمسح في العرب للكشف عن تفاصيلهم الاجتماعية والدينية وهذا يتم من قِبَل غير العرب، وإما من باب إقحام غير العرب في مجتمع العرب لأهداف سياسية وعسكرية واقتصادية؛ والنماذج على ذلك كثيرة ومتعددة.

يمكن التأكد من ذلك عندما نرى ميزانية أول 6 أشهر للحملة المصرية ضد الوهابيين التي حددها محمد علي باشا في 9 مارس 1808م / 11 محرم 1223هـ؛ إذ طلب من الدولة العثمانية 500 شال كشميري بسعر 250 قرش لكل شال، إلى جانب 500 جبة بسعر 80 قرش لكل جبة مع 500 بنش بسعر 80 قرش لكل بنش[8]، وذلك لكي يرتديها العربان وغيرهم من الأجانب الذين صحبوه للحرب ضد الوهابية مثل فيلكس مانجان وبوركهارت وتوماس هيث وأحمد بونابرت.

في تاريخ العلاقات الإنجليزية الخليجية نجد أيضًا نماذج لشخصيات أوروبية ارتدوا البشت، منهم وأشهرهم على الإطلاق الكولونيل توماس إدوارد لورنس المشهور بـ لورنس العرب الذي كان له دور أساسي في تاريخ الثورة العربية الكبرى وافتخر بارتداء ذلك الزي من خلال مذكراته[9].

وينضم إلى لورنس العرب شخص آخر لا يقل أهمية عنه وهو هاري سانت جون بريدجر فيلبي، المشهور في التاريخ السعودي بـ عبدالله فيلبي المستشار غير الرسمي للشؤون الخارجية زمن الملك عبدالعزيز آل سعود.[10]

Sheikh #Messi

This is brilliant. Traditional thobe being worn during the biggest moment in sports history. #Qatar I love you. What a moment. Let the world celebrate the culture. #Qatar2022 #QatarWorldCup pic.twitter.com/pl0PoAcRq6

— Tam Khan (@Tam_Khan) December 18, 2022

استقبال الأوروبيين للبشت بعدما ارتداه ميسي لقي احتفاءًا في المنصات العالمية مثل المعلق العالمي تام خان والذي قال عن ارتداء ميسي للبشت «هذا تصرف عبقري»، لم يختلف كثيرًا عن رؤية الأوروبيين قديمًا للأزياء العربية في الخليج[11]، ورغم اختلافهم في وصفه لكنهم رأوا فيه أمورًا متعددة حول عمق الثقافة العربية.

[1] بن منظور، لسان العرب، ط/3، جـ3، دار صادر، بيروت، 1414هـ/ 1993م، ص77

[2] هيئة التحرير، حسين المحروس، البشت سيرة خطوط الذهب، مجلة الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، البحرين، جـ1، ع1، يونيو 2008م، ص192

[3] سنية خميس، العباءة الخارجية التقليدية “البشت” للرجال في دول الخليج: دراسة تحليلية، مجلة علوم وفنون دراسات وبحوث، مجلد:12، ع3، يوليو 2000م، جامعة حلوان، ص ص178-179

[4] علي فهمي خشيم، الأكدية العربية (معجم مقارن ومقدمة)، ط/1، مركز الحضارة العربية، القاهرة، 2005م، ص140

إقرأ أيضا

سر نجاح أغنية نيللي كان في فراشة

[5] تاريخ هيردوت، ترجمة: عبدالإله الملاح، ط/1، المجمع الثقافي، أبو ظبي، 2001م، ص517

[6] مصطفى كمال عبدالعليم، هيردوت يتحدث عن العرب وبلادهم، مجلة عصور،  مجلد:2، ج1، يناير 1987م/ جمادى الأولى 1407هـ، دار المريخ للنشر، لندن، ص16

[7] محررون، يرمز للهوية القطرية.. “البشت” يتصدر اهتمام المنصات بعد ارتداء ميسي له خلال التتويج بكأس العالم، موقع قناة الجزيرة، قسم منوعات، 19 ديسمبر 2022م

[8] عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، وثائق تاريخ شبه الجزيرة العربية في العصر الحديث، جـ1، ط/1، دار الكتاب الجامعي، القاهرة، 1421هـ/ 2001م، ص54-56

[9] توماس إدوارد لورنس، أعمدة الحكمة السبعة، ترجمة: محمد نجار، ط/1، الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن، 1998م، ص ص789-793

[10] عمر بن صالح بن سليمان العمري، عبدالله فيلبي .. حياته وآثاره، مجلة الدارة، مجلد:25، ع3، الرياض، 1420هـ/ 1999م، ص ص131-196

[11] نوره محسن محمد الدعجاني، دراسة تاريخية للملابس الحجازية من خلال كتب الرحالة والمستشرقين، مجلة الفنون والعلوم التطبيقية، جامعة دمياط، مجلد:7، ع4، أكتوبر 2020م، ص241-257