تاريخ دار الفطرة في مصر “قصة مؤسسة حكومية مهمتها إعداد كحك العيد وتوزيعه مجانًا”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أخذت احتفالات عيد الفطر في مصر في التطور بدءًا من العصر الفاطمي والذي أكسب الاحتفالات الطابع المؤسسي، واتسقت عادات الفاطميين مع روح المصريين في المرح، وكانت الاطعمة شكلاً من أشكال الاحتفالات.
تاريخ دار الفطرة وموقعها
قبل زمن العزيز بالله الفاطمي خامس حكام الدولة الفاطمية وثانيهم بمصر بعد المعز، كانت الأطعمة والحلويات تُقَّدم في موائد كثيرة عُرِفَت باسم السِّمَاط؛ لكن العزيز بالله أراد أن يضفي النكهة المؤسسية لحلويات العيد وكحكه فأسس دار الفطرة.
كانت دار الفطرة بمثابة إدارة حكومية خاصة مهمتها تجهيز الكميات اللازمة من الكحك والحلوى وتوزيعها على الناس وكان العمل في إعداد هذه الكميات الهائلة يبدأ من شهر رجب حتى منتصف شهر رمضان، ويتم التوزيع في مطلع شهر شوال.[1]
ذكر بن عبدالظاهر في خططه أن مكان دار الفطرة هو قبالة مشهد الحسين وتحديدًا الفندق الذي بناه الأمير سيف الدين بَهادُر، وبناءًا على تحقيق الدكتور أيمن فؤاد سيد لكتاب بن عبدالظاهر بقوله فإن موقع دار الفطرة الآن هو مجموعة المباني الواقعة بين شارع الباب الأخضر وشارع أم الغلام.[2]
ميزانية دار الفطرة ونظامها
كان عدد من يعملون في دار الفطرة حسب المقريزي 205 شخص تتوزع مهامهم بين تحصيل الأصناف والمواد الخام وتخزينها وتجهيزها وتوزيعها، ومرتب كل واحدٍ منهم 60 دينار، وكان إجمالي ميزانتها 16 ألف دينار، وأما الأصناف فهي «ألف حملة دقيق، و700 قنطار سكر، و6 قناطر فستق، و8 قناطر لوز، و4 قناطير بندق، و400 إردب تمر، و300 إردب زبيب، و3 قناطر خل، و15 قنطار عسل نحل، و200 قنطار شيرج (زيت سمسم)، و1200 حملة حطب، و2 إردب سمسم، و2 إردب ينسون، و30 قناطر زيت طيب، و50 رطل ماء ورد، و5 نوافج مسك، و10 مثاقيل كافور، و150 درهم زعفران مطحون».[3]
وأثناء العمل كان الخليفة الفاطمي يحضر بنفسه بصحبة الوزير لكي يطمئن على سير العمل في النصف الثاني من شهر رمضان، وبعد زيارته يتم توزيع الحلوى على جميع أرباب الرتب في الدولة الفاطمية والموظفين كبيرهم وصغيرهم في صواني تحمل كل صينية اسم صاحبها وتختلف حجم الصينية وكمية الحلوى حسب مكانة كل فرد، ويحمل هذه الحلوى فراشون مخصصون لهذا العمل وهم في أتم زينة ويرتدون الثياب الفاخرة.
اقرأ أيضًا
بالأسماء والعناوين .. رحلة البحث عن تاريخ ارتباط تعاطي المخدرات بالأعياد في مصر “تحقيق”
كان ما يتم إنتاجه من دار الفطرة يتم وضعه في سماط هائل يبدو كجبل عظيم امام شباك قصر الخليفة الفاطمي والذي كان يجلس بعد صلاة العيد ليرى بعين رأسه الناس وهي تأخذ الكعك لتأكله أو تهديه او تبيعه في الأسواق البعيدة عن القاهرة.[4]
ليس معروفًا على وجه الدقة كيف كانت نهاية تاريخ دار الفطرة كعمل مؤسسي وإن كان هناك ذكر وحيد لوجودها في العصر المملوكي عند بن عبدالظاهر في خططه حيث قال أنها بدار عز الدين الأفرم في الفسطاط[5]، لكن لم يوثق المؤرخين لها مثل توثيقهم لعادات المصريين في عيد الفطر زمن المماليك والعثمانيين مثلاً.
[1] عبدالمنعم عبدالحميد سلطان، الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي .. دراسة تاريخية وثائقية، ط/1، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية ـ مصر، 2009م، ص141.
[2] ابن عبدالظاهر، الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية القاهرة، تحقيق: أيمن فؤاد سيد، ط/1، الدار العربية للكتب، القاهرة ـ مصر، 1417هـ / 1996م، هامش2، ص26.
[3] المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج2، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1418هـ / 1998م، ص ص321–322.
[4] أحمد الصاوي، رمضان زمان، ط/1، مركز الحضارة العربية، القاهرة ـ مصر، 1997م، ص31.
[5] ابن عبدالظاهر، الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية القاهرة، ص27.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال