همتك نعدل الكفة
345   مشاهدة  

تاريخ عريق يأبى الاندثار.. شواهد قبور تضم رفات عظماء “ملف خاص”

شواهد قبور لضم رفات عظماء


يعود المسلسل المأساوي لعمليات هدم جبانات القاهرة القديمة للتصدر مرة أخرى بعد انتشار العديد من الصور التي توضح عودة الهدم من جديد بمقابر الإمام الشافعي، وكأن القائمين على هذا المسلسل يتعمدون موارة التاريخ المصري العظيم تحت الركام، وأبدى كل من يحمل في قلبه حبًا لهذا الوطن استياؤه من المنهجية المتبعة لضياع جزءًا من التاريخ باندثار مثل هذه الصروح المعمارية الجنائزية التي تتمتع بعدد هائل من التحف والزخارف، والكل يتساءل “هل سنعود لعصور الاضمحلال ومتى ينتهي هذا الكابوس! “.

فبالرغم من توجيه الرئيس المصري”عبدالفتاح السيسي” في شهر يونيو الماضي بتشكيل لجنة تضم جميع الجهات المعنية والأثريين المختصين والمكاتب الاستشارية الهندسية تحت رئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء، وذلك من أجل تقييم موقف نقل المقابر في منطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي ما أدى إلى طمأنة المكترثين بالحفاظ على تاريخ مصر، إلا أننا فوجئنا بمواصلة عمليات الهدم ووضع علامات إزالة أخرى وعادت المشاهد المُخزية للبلدوزرات التي لا تُبدي أية أهمية لمقابرٍ تضم بين جنباتها رفات عظماء ساهموا في رفعة هذه البلد سواء على الصعيد الوطني أو الفكري.

 

مدافن تعود للأسرة العلوية تساوت بالتراب

طال الهدم مدفن الابن المحبب للخديوي “إسماعيل” حيث كان من أعز زوجاته إليه الأميرة “جنانياز هانم”، وهو الأمير “إبراهيم حلمي” والذي يلقب بالأمير العالِم لتمتُعه بثقافة عالية حيث تمكن من إتقان عدة لغات ونبغ نبوغًا فريدًا في التاريخ فأصبح مؤرخًا جليلًا ووضع فهرسًا مكونًا من جزئين الأول للمؤلفات التي كُتبت عن مصر والثاني بأسماء الكتب الخاصة بتاريخ السودان، كما امتلك مكتبة كبيرة في قصره بمدينة نيس الفرنسية، ومن حب الخديو لابنه “إبراهيم حلمي” تمنى أن يُورث له الحكم إلا أن تغيير نظام الوراثة بفرمان من الدولة العثمانية سُمي باسم “فرمان مصر” حال بين ذلك، حيث كان يقضي بانتقال ولاية مصر من أي إلى الابن الأكبر فكان العرش من نصيب “محمد توفيق”، وذلك وفقًا لما ذكره “إلياس الأيوبي” في كتابه “تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا”.

الأمير إبراهيم حلمي اين الخديوي إسماعيل
الأمير إبراهيم حلمي اين الخديوي إسماعيل

وقد تزوج الأمير “إبراهيم حلمي” ثلاث زيجات من “وجدان هانم- قمر هانم- نظيمة هانم”، وكان نِتاج هذه الزيجات خمسة أبناء وهم الأمير “محمد حلمي إسماعيل” والأميرات “صالحة- نعيمة- هوشيار- زينب”، ويُذكر أنه توفى وهو في العقد السابع من عمره وكان قد أوصى بأحقية الجامعة المصرية “جامعة القاهرة” في امتلاك مكتبته بعد وفاته والتي تحتوي على ما يقرب من ١٠ آلاف كتاب، ويوجد هذا الكم الهائل من الكتب حاليًا في قاعتين كبيرتين بمكتبة قسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة القاهرة.

 

صورة عتيقة توثق وفاة الأمير إبراهيم حلمي
صورة عتيقة توثق وفاة الأمير إبراهيم حلمي

 

الإزالة لاحقت مقبرة تاريخية عمرها ١٢٠ عامًا

يعود تاريخ حوش عُتقَاء البرنس إبراهيم حلمي المبني من الحجر الجيري لعام ١٣١٩ هجريًا الموافق لعام ١٩٠١ ميلاديًا، وهو ما أوضحه النص التأسيسي للحوش والذي قامت بإنقاذه مبادرة “شواهد مصر” والتي تسعى منذ بداية أزمة هدم المقابر التاريخية في عام ٢٠٢١ لتوثيق وإنقاذ الآثار غير المسجلة في حيز مشروع توسعة طريق صلاح سالم، وأصبحت المبادرة تحت مظلة المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث، وكانت عملية إنقاذ عدد من المكونات المعمارية النادرة في واجهة الحوش بمساعدة عدد من مُمثلي حي الخليفة والمحافظة بعد الاستجابة لنداءات المتطوعين بالمبادرة.

تحف معمارية لم يُقدر لها الهدم

“مدفن عُتَقاء دَولَة البرنس إبراهيم حلمي باشا نجل المغفور له إسماعيل باشا الخديوي الأسبق سنة ١٣١٩”، هذا هو النص التأسيسي للحوش المنحوت نحتًا بارزًا على قطعة حجرية تعلو باب الدخول الرئيسي ونُحت النص بخط الثُلث بإبداع فاق الخيال، كما كان محفورًا أعلى القطعة الحجرية إمضاء الخطاط “عبدالله عمر”.

النص التأسيسي لمدفن عُتقاء البرنس إبراهيم حلمي
النص التأسيسي لمدفن عُتقاء البرنس إبراهيم حلمي

 

يتجلى الطراز الإسلامي في العديد من الزخارف والمكونات الفنية للحوش التي تزين الواجهة الرئيسية والجانبية حيث توجد مقرنصات منحوتة بدقة مبهرة بأحجار البناء، وهي عبارة عن وحدات زخرفية ابتكرها الفنان المسلم لتجميل مناطق الانتقال في المباني”، وكانت هذه المقرنصات ضمن ما تم انقاذه وتوثيقه كآثار غير مسجلة بمدفن عُتقَاء البرنس إبراهيم حلمي الذي تم هدمه.

عملية إنقاذ المقرنصات الزخرفية
عملية إنقاذ المقرنصات الزخرفية

 

وأيضًا لوحة رخامية عتيقة تعبر عن احتواء الحوش لسبيل ماء من أجل سقاية المارة كصدقة جارية على أرواح القابعين تحت تراب هذا الحوش، ونُحت على هذه اللوحة نحتًا بارزًا لنصٍ تم نظمه على ٤ بحور وهو الآتي:
“إذا رأيت سبيلاً صيغ من حكم … فاشرب هنيئاً مريئاً إنه صافي
و كيف و الشهم إبراهيم أنشأهُ … إلى الأدل نعم المورد الوافي”

اللوحة الرخامية لسبيل الماء بعد محاولة الإنقاذ
اللوحة الرخامية لسبيل الماء بعد محاولة الإنقاذ

وحسب القائمين على مبادرة “شواهد مصر” فإنه تم تسليم كل هذه القطع لوزارة الأوقاف حيث أن هذا الحوش تحت عهدتهم بالوزارة.

 

وإيمانًا منا بموقع الميزان على الحفاظ تراث وهوية بلدنا الحبيب مصر فإننا حرصنا على التوثيق التاريخي لأهم المقابر التي نالت منها عمليات الهدم في جبانات القاهرة القديمة وتناول الأحداث برؤى جديدة، وتجمعت هذه الموضوعات في ملف خاص يشمل الآتي:

 

– الضرب في الميت حرام.. ماذا يحدث لشواهد القاهرة و مقابرها؟ .. ويمكنكم قراءة التقرير من هنا

– شواهد القبور في القاهرة التاريخية تحت أنقاض التراب وباحثون: نعمل بالجهود الذاتية لإنقاذها .. ويمكنكم قراءة التقرير من هنا

إقرأ أيضا
لافينيا نادر

– “بعد هدم قبره” حكاية عبدالله الزهدي بك خطاط المسجد النبوي وكسوة الكعبة .. ويمكنكم قراءة التقرير من هنا

 

– منيتُ بما لمْ يجرِ في بالي.. أمر بإزالة لضريح “رب السيف والقلم” على هامش توسعة طريق صلاح سالم .. ويمكنكم قراءة التقرير من هنا

– المغاربة يطالبون برفاته.. أين نحن من إزالة قبر الإمام ورش؟ .. يمكنكم قراءة التقرير من هنا

– ألم يسمع تاريخ علي بك بهجت عن هدم قبره .. يمكنكم قراءة التقرير من هنا

– إزالة مقبرة حافظ إبراهيم.. ألن تكون قصائد حب الوطن شفيعة لرفاته وحائلًا دون محو أثره؟ .. يمكنكم قراءة التقرير من هنا

 

* ملحوظة: هناك بعض الصور بالمقال تابعة لمبادرة شواهد مصر من تصوير “حازم عبد العظيم” أحد مؤسسي المبادرة، وتم نشرها على الصفحة الرسمية.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان