تجربة مرعبة وفرصة إلهية قد تكون الأخيرة
-
سعيد محمود
كاتب نجم جديد
“فجأة توقف قلبك”.. جملة سمعتها من ابن عمتي الطبيب بعد استفاقتي من إغماءة سيطرت على جسدي داخل القبر، وسببت الرعب لكل من حولي، لأدرك أن الله منحني فرصة جديدة للحياة، ومن يدري؟ فقد تكون الأخيرة هذه المرة.
بداية القصة كانت بتلقي مكالمة من والدي في الثامنة صباحا، يخبرني فيها بوفاة عمتي في المستشفى، فتناولت أدويتي مسرعا، ثم أعددت فطورا بسيطا، قبل أن أرتدي ملابسي وأذهب إلى المستشفى للاستعداد لصلاة الجنازة، ثم التوجه إلى المقابر لدفن الجثمان.
خلعنا أحذيتنا وجورابنا وحملنا “الأمانة” إلى القبر، وبعد وضعها بثوان قليلة شعرت بتسارع في ضربات القلب، صحبته حالة من النهجان المستمر دون توقف، ثم بدأت أطرافي تتخدر تماما ولم أتمالك نفسي فجلست على سلم القبر، ثم ذهبت في حالة عجيبة، حيث كنت أسمع أصوات من حولي لكنها مبهمة غير مفهومة بالمرة، ولا أشعر بما يصدر مني من حديث معهم، وفقدت القدرة على الرؤية السليمة، وانتابني شعور بأني لن أخرج من القبر حيا، فأخذت أردد الشهادتين بعقلي دون أن أحرك فمي الذي أصابه الخدر هو الآخر.
ظللت على هذا الحال فترة ليست بالقليلة، ثم لم أعد أشعر بأي شيء بالمرة، أو كما يقولون بالعامية “النور قطع تماما”، واستفقت بعد ذلك على ابن عمي يحملني فوق كتفه ليضعني في سيارة ابن عمتي الطبيب الذي أخذني للطوارئ في إحدى مستشفيات المعادي، وهناك أخبرني أن نبضي توقف للحظات في المقابر فجأة وهو بجواري، فأسرع بإجراء عملية إنعاش قلبي يدوي حتى ينقذني قبل الذهاب للمستشفى، فأدركت أن الله أعطاني فرصة جديدة للحياة بكرمه ورحمته، حتى لا يصبح طفليَّ يتيمين وهما لم يكملا ثلاثة أشهر من عمرهما بعد، وقررت بيني وبين الله أن أغير من نفسي ومن طريقة حياتي وتعاملي مع الأمور والأزمات المتلاحقة في الدنيا.
وقتها تذكرت كم مرة منحني الله فرصة في الحياة منذ أن كنت في المرحلة الثانوية، ففي المرة الأولى سقطت نظارتي الطبية على الطريق وأنا في الصف الثاني الثانوي، فانحنيت لألتقطها فجأة، ليصدمني “إكصدام” سيارة في مؤخرة رأسي وأفقد الوعي فترة لا بأس بها، قبل أن أستفيق مرة أخرى وسط ذهول زملائي في المدرسة.
وفي المرحلة الدراسية نفسها، قمنا بعملية “تزويغ” أنا وبعض الأصدقاء من المدرسة، وذهبنا إلى منطقة “منيل شيحة” لنقضي بعض الوقت على النيل، وهناك أراد أحد الرفاق أن يدفع صديقا لنا في المياه فحاولت أن أجذبه بسرعة، وبالفعل نجحت في مسعاي لكني سقطت أنا في النيل بدلا منه وأنا لا أجيد السباحة نهائيا، قبل أن ينقذني من الغرق صديقا آخر ويكتب لي الله عمرا جديدا للمرة الثانية.
وفي سنوات الدراسة الجامعية، وتحديدا في السنة الثانية منها، كانت الفرصة الإلهية الثالثة لي، حيث كنا نشارك في مهرجان مسرحي في المعادي الجديدة، وفي صبيحة يوم العرض الذي شرفت بإخراجه، تعرضت لحادث مرعب، سقطت فيه على ظهري من أعلى سلم خشبي لمسافة تقارب الأربعة أدوار على خشبة المسرح، بحيث كان نصفي السفلي أسفل حافة المسرح، ونصفي العلوي أعلاه، وهو وضع كان من الممكن أن يتسبب في كسر عظام الظهر.
أما المرة قبل الأخيرة، فكانت منذ ثمانية أعوام، عندما اختبرني الله بمرض نادر لا يعلم الأطباء سببه حتى اليوم، ويطلقون عليه اسم “الساركويد”، وهو عبارة عن أورام حبيبية تظهر في بعض أجزاء الجسم، كان نصيبي منها في الرئة، وكانت الخطورة في إمكانية انتقال تلك الأورام إلى القلب، حيث من الممكن جدا أن تسبب الوفاة في هذه الحالة، وبعد علاج مرهق لمدة سنتين، كتب الله لي النجاة من ذلك المرض برحمته وفضله.
تذكر معي عزيزي القارئ، كم مرة منحك الله فيها فرصة أخرى للحياة ولم تستغلها أفضل استغلال مثل العبد لله؟ ودعنا نفكر في لحظة لقاء ربنا التي لا بد آتية لا محالة، هل استعددنا لها جيدا؟ ودعونا نطلب من الله أن يصلح أحوالنا في الدنيا، ويتوفنا وهو راض عنا ويلحقنا بالصالحين.
الكاتب
-
سعيد محمود
كاتب نجم جديد