همتك نعدل الكفة
1٬775   مشاهدة  

تدوير الفن الهابط

من صفحة كل يوم فيديو مهم وغير مفيد


لا أعرف من مؤسسي سلسلة فيديوهات “كل يوم فيديو مهم وغير مفيد“، الذي سُرق حسابه على فيسبوك للأسف، سوى آدم مكيوي، ولولا الكسل والذي لست على يقين الآن إن كان من جانبي فقط، لكان هذا حوارا مصورا كما طمحت، لأسجل تلك الحالة الفودفيلية التي يظهر بها آدم إذا تحدث والتي لم أرها عن قرب لكن في سلسلة فيديوهات توقف عنها وفي محاورات مسجلة أجراها، وفي تعليقاته على الفيسبوك، حالة بالغة الظرف والمسرحة مع مزاج عال لرجل متخفف في حانة بعد ثلاث كؤوس.

ربما بجانب كسلي، كنت خجلا أن أكون أنا مصدرا للملل إذا لم أتمكن من مجاراة تلك الخفة وذلك المزاج.

لذا أختار أضعف الإيمان: أن أوجه إليه تحية سريعة، تحديدا في الجانب الذي فتنني لسنوات بشكل شخصي. فأنا أظنه مسؤولا عن إدخال معجم التراث المسرحي والسينمائي من الدرجة الثانية أو الثالثة حتى بإيفيهاته ونجومه كـ وحيد سيف، فؤاد خليل، محمود القلعاوي، محمد نجم، إلى السوشيال ميديا، وأن يمنحنا نظرة أخرى أكثر تفهما لجهودهم التي مارسوها بحب من أجل تسلية جمهورهم بأعمال شعبية، مع قدرة على إدراك مكامن الاستمتاع بها.

 

 وأظن أن السبب هو أن آدم استمتع بتلك الأعمال حقا وبكواليسها، فانتقل شغفه بها صادقا، دون أن يقع في فخ مبالغتين، السخرية المتعالية أو التعاطف الأعمى، لذا فهو يميز حتى داخل ذلك النوع من الفن، الجيد من الرديء، ولا يرحم المتطفلين عليه، اللذين لم يهبهم الله من ظرف الروح أو خفة الدم شيئا، بل غلاظة الظل وانصرافا لا حضورا، كما قال الفنان محمود عبد العزيز لمحمد كريم ذات يوم ببصيرة نافذة:” كل الناس عندها حضور إلا إنت عندك انصراف”، واعتقد أن المسؤول الأول عن انتشار تلك الطرفة شديدة البلاغة كان آدم مكيوي.

في سلسلة فيديوهات “كل يوم فيديو مهم وغير مفيد” والتي اهتمت بشكل خاص بالأفلام الرديئة التي لم يصرف لها الله سوى ” الانصراف” فكرة عبقرية، خاصة أنها تواجه تلك الرداءة بأفضل طريقة ممكنة: هو ألا تؤخذ على محمل الجد، ولا يُرد عليها بل يتم الهزء بها، لكن ما ينتج عن تلك الفكرة من خلال الفيديو هو عمل فني جيد ومتقن مصنوع من مخلفات غير صالحة للاستعمال الفني.

اللافت أيضا أن مكيوي ذي ثقافة عالية، ومع ذلك فهو لا يستعرض بها أبدا، بل يعيد توظيفها داخل حالة المسرحة الهزلية التي يلعبها.

في حواريه المسجلين مع محمود القلعاوي ومظهر أبو النجا على موقع مدى مصر والمتاحين على موقع ساوند كلاود، يتكلم مكيوي معهما بحميمة وصدق في جلسة أقرب لجلسات الأنس، دون ذرة تلاعب واحدة، أو حتى بادرة سخرية مبطنة أو تعاليا مستترا لكونهما أكثر من شاركا في فن لا تعتبره الذائقة الرسمية رفيعا، لا يمكن أن تخطئ في صوته المحبة ، استمتاع لا نهاية له بالحالة كلها، يبدو لي مكيوي في الحوراين، كمن يقابل نجوم أحلامه. أقارن ما يفعله آدم ببساطة وأريحية بجلافة مضادة لا تستطيع عندما تسخر من الرديء داخل هذا النوع من الفن، إلا أن تكون أكثر سماجة مما تسخر منه، مستغلة إياه كموقع لتمييز الذات كذات ذكية عن الحماقة العمومية، بينما تفضح الجلافة حماقتها المستترة، أما ما يفعله مكيوي فهو درب من ذكاء نادر وأصيل غير متكلف جوهره اللطافة ومزاج الأنس.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
11
أحزنني
0
أعجبني
4
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (3)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان