تشتري جارية أم تسبي عبدة؟ السبايا قبل وبعد الإسلام
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
في الأصل كان جرجس صاحب البيت ومالكه، وكان قد ضجر من المستأجر القديم فعاني منه ومعه حتي جاء الشيخ مصطفى فقابله بالترحاب وترك له إدارة البيت عن طيب خاطر.
غير أن الشيخ مصطفى بنى مقابل الكنيسة الصغيرة جامعًا ضخمًا بمئذنة عالية وميكروفون مزعج.
وكان الأسطى أحمد يحب جرجس لتسامحه وأمانته وخلقه الطيب، وكان يُسعد بمجالسته ويتجاذب معه دومًا أطراف الحديث.
وكان جرجس هذه المرة في حالة من الضيق والصمت وقد اعتاد عدم الشكوى من مستأجره العنيف الشيخ مصطفى، فسأله الأسطى أحمد وقد لاحظ ضيقه: «مالك يا جرجس؟».
وتنهّد جرجس تنهيدة طويلة حاول بها أن يخمد النار التي اشتعلت في صدر هو عقله، وقال: «امرأتي حزينة وأنا في قلق على أبنائي»..
وسحب الأسطى أحمد كرسيًّا وجلس إلى جواره سائلاً: «وما الذى يُحزن زوجتك وهى امرأة ما رأينا منها سوي المحبة والطيبة؟ وما يُقلقك على أبنائك وهم نموذج للتسامح والمودة؟».
فتردد جرجس قليلاً قبل أن يجيب: «حين تركت إدارة البيت للشيخ مصطفى لم أكن أعلم أنه يكنّ لنا كل هذا السوء، تخيّل يا أسطى أحمد أنه في خطبة الجمعة الماضية كان يصرخ بعلو صوته: اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم، اللهم اقتل رجالهم وشتت أطفالهم واجعل نساءهم سبايا لنا! لقد كان يقصد آل بيتي، ولِمَ؟ هل لأنني وثقت فيه وتركت له الأرض والبناء طوعًا؟».
وأحس النجار بالمرارة والغصة في حلقه، وأن جرجس مغلوبٌ فعلاً على أمره، فقال: «ألم تكن تعلم نيّته من قبل؟».
وتساءل جرجس: «وكيف لي بمعرفة النيَّات وقد كان والده رحيمًا وكنا أسرة واحدة نتشارك في السراء والضراء، كانت أمي تعد مع أمه الطعام فنلتف جميعًا لنأكل صغارًا وكبارًا من نفس الطبق، ولكن الشيخ مصطفى غير، فقد منع أولاده من الاختلاط بأولادي، حتى هو لم يعد يلقي علىَّ السلام، أما زوجته فهي تكيد لزوجتي بلا سبب وتجافيها، هي أمور اعتَدنا عليها.
ولكن الدعاء علينا من فوق المنابر وعبر هذا الميكروفون المزعج لهو أمر في غاية السوء.. بالأمس سألتني زوجتي عن السبايا، قالت لي مَن هن السبايا؟ ولِمَ يرغب الشيخ مصطفى على أن أكون منهن؟ وقلت لها سوف أسأل الأسطى أحمد، وها قد سألت فأرجو منك الإفادة».
وتيقَّن الأسطى أحمد أنه وقع في مأزق، كيف يصارحه وهو الشخص المسالم الذى لم يقترف ضررًا لأحد بمسألة كتلك.. وقال النجار: «السبايا هن النساء غير المسلمات اللاتي أُسرن في الحروب مع المسلمين».
واندهش جرجس: «ولكننا شركاء في وطن واحد وإن واجهنا خطر سأكون حتمًا إلى جواره في المعركة لا في مواجهته».
وكان من الممكن أن يقول له الأسطى أحمد إن الحروب التي يقصدها الشيخ مصطفى لا يمكن أن يكونا فيها في صف واحد أبدًا. غير أنه قال :«أنا أعلم نيتك وإخلاصك، ولكن للشيخ مصطفى نيّات أخرى، دعنا لا نخوض فيها»..
وتنهّد جرجس مرة أخرى، ثم قال :«طيب.. وماذا يحدث مع السبايا وكيف يتعامل معهن أمثال الشيخ مصطفى، هل لهن حقوق؟ هل عليهن واجبات؟ طمني إللهي يطمنك».
وكان الأمر غير مطمئن أبدًا، وقال الأسطى أحمد: «كان السبي سائد في العصور القديمة، وكانت له أنواع وأشكال مختلفة تبدأ بالاختطاف وتنتهى بالحروب بين القبائل والأمم، وكانت النساء تُسبى ثم يتم توزيعهن على المحاربين كغنائم حرب، وكن يبتعن في لأسواق لمَن أرادهن للمتعة وللخدمة».
وتساءل جرجس: «هذا مفهوم ومعروف في كل الأمم السابقة، ولكن أعتقد أن الإسلام دين مساواة ورحمة وقد منع تلك العادة القبيحة».
وتمنَّى الأسطى أحمد من كل قلبه أن تكون الإجابة بـ«أجل»، ولكن الواقع يختلف حتمًا عن التمني..
«في الحقيقة لم يمنع ظهور الإسلام تلك العادة، وقد منعتها القوانين المدنية الحديثة التي جرَّمت تجارة الرقيق والإماء، واعتبر أن العمل بها جريمة لها عواقبها وعقوبتها، أما الحروب فقد تغيَّرت بدورها وأصبحت هناك قوانين دولية للتعامل مع الأسرى، والأسرى لا تشمل بالطبع الأطفال والنساء، ولكنها قاصرة على الجنود».
وقال جرجس:« شكرًا للقوانين التي وضعها الإنسان، ولكن إذا كان الحديث عن السبايا زمن ولَّى ومضي، فلماذا يصر الشيخ مصطفى على دعوته وكأنه يتقرَّب بها إلى الله؟»..
وأجاب النجار: «الشيخ مصطفى كأي أصولي متشدِّد يعيش بوعيه وعقله وإيمانه فى تلك العصور البعيدة، بل يرى أنه لا خير في الدنيا إلا إذا عادت إلى عهدها السابق، وفى العهد السابق كانت السبية تأخذ بعد هزيمة قومه -هي في دارها امرأة محترمة تتبع دينًا آخر، تؤمن به وتدافع عنه وتتمسك بعقيدتها مهما كانت الظروف- لتصبح أمة، والإماء مواطنات دون درجة يسقط عنهن الحجاب فتنكشف عورتهن للعيان ويتمتع بهن أسيادهن ويمكنهم أن يبيعوهن أو يهبوهن هديةً لمَن يشاؤون.. السبية في الأصل امرأة حرة وقد تكون ابنة أسرة عريقة فيُسلب منها كل شىء حتى جسدها».
واستغرب جرجس أشد استغراب: «ولكنّ نساء المسلمين يرتدن الحجاب ويمتلكن حرية اختيار الزوج؟».
وقال الأسطى أحمد موضحًا: «الحجاب فُرض على المسلمات الحرائر فقط، أما الإماء فقد كانت عورتهن من السرة إلى ما فوق الركبة – أي شبه عرايا- في مجتمع يحرص على جسد آل بيته ويتشدَّد مع امرأته، وكان عمر بن الخطاب إذا وجد واحدة من السبايا ترتدى الحجاب ضربها ونهرها، قائلاً: أتتشبهين بالحرائر؟ وقد كنّ حرائر يومًا، ولكن الدنيا غدرت بهن، والإماء أمر شائك ومُبكٍ حقًّا.. فالحروب بوابة التعاسة وطريق الجحيم يرفع فيها الشيطان رايته ويكتب عليها من أجل الرب، ثم ينطلق بجنوده لتدمير الأرض وتخريبها».
وخيَّم الصمت للحظات ثم قال جرجس: «تلك عصور نحمد الله أننا لم نعشها». .
غير أنه تذكر فجأة «داعش» وأتباعها داخل وخارج البلاد، وتذكَّر أخته التي تعيش بالعراق.. أي خطر يحدق بها هناك؟ وكيف سيتعاملون معها إن وقعت في أيديهم، وهم -كالشيخ مصطفى بالتمام- غير أنهم أكثر قدرة وقد تمكنوا فعليًّا من عودة الماضي، أي ماضٍ، إنه ماضي الحروب والمعارك والسبي وتوزيع الغنائم.
وفكر أن الفرق بين الشيخ مصطفى الذى يصرخ بالأذيّة والدعاء على جيرانه الأقباط والدواعش هو نفسه الفرق بين الرغبة والقدرة.. وتخيَّل جرجس لو أن الشيخ مصطفى امتلك حقًّا القدرة.. هل كان سيسبي مريم ابنة جرجس ؟ هل كان سيتخذ من زوجة جرجس «ملك يمين»؟ كيف كان سيتعامل مع عيسى الصغير؟ هل كان سيصلبه من جديد؟ كان عليه في تلك اللحظة أن يتذكَّر أنه كان صاحب البيت ومالكه، وأن الشيخ مصطفى حين جاءه أول مرة قابله جرجس بترحاب ومحبة، فهل مقابل المحبة العداء؟
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد