همتك نعدل الكفة
102   مشاهدة  

“تصوير الجنازات” أهميته للذاكرة وحل للتعامل مع مهازله في الصحافة

تصوير الجنازات
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



تصوير الجنازات في إطار التغطية الصحفية أمر ليس بجديد في تاريخ الصحافة المصرية، لكن إن ارتضينا بذلك لوجود ما يؤكده من تراث الصحافة المصرية، فطبيعي يأتي سؤال ملح: ما هو لزوم تصوير الجنازات أصلاً ؟.

في الأساس فإن هناك هدفين من تصوير جنازات الشخصيات العامة، أحدهما هدف لحظي، والآخر هدف مستقبلي رمزي

أما الهدف الأول واللحظي هو إعطاء المعلومة والخبر للجمهور، وذلك لكون الجنازة (حدث) والصحافة شغلها (الخبر) والخبر يتناول الحدث.

أما الهدف الثاني المستقبلي والرمزي هو التوثيق للذاكرة الشعبية، كون أن الشخصيات العامة (أغلبها) لهم صلة مباشرة بالقوة الناعمة لبلد له تاريخ، فتصوير الجنازة صورة مكملة لحياة الفنان الراحل، وفي بعض الأحيان تتم الاستفادة من ذلك التوثيق، فمثلاً لو أن صانع محتوىً أراد إخراج فيلم عن أم كلثوم، بالتأكيد سيختمه برحيلها ويقينًا سيستعين بفيديوهات جنازاتها وذلك حتى يبني ديكورًا مطابقًا للديكور الذي كان عليه ميدان التحرير في السبعينيات.

وحتى لو أراد أحد بعد مئات السنين أن يقوم بعمل دراسة عن تطور شكل المقابر في مصر، فطبعًا سيجد لوحات وصف مصر ورسومات المستشرقين للقرن الثامن عشر والتاسع عشر، وسيجد صور الصحافة الورقية للقرن العشرين، وصور الموبايلات وغيرها للقرن الحادي والعشرين.

بالتالي فإن تصوير الجنازة من حيث المبدأ له فائدة وهدف، لكن من حيث التنفيذ الفعلي فهو مهزلة، وحتى نحدد شكل المهزلة علينا أن نعرف من وراءها وأسبابها.

جنازة مصطفى درويش
جنازة مصطفى درويش

السبب وراء مهازل تصوير الجنازات أن هدفها ليس صحفيًا وإنما ربحيًا، والذي يقف وراء تلك المهازل هو كل رئيس تحرير/قسم في تلك المواقع لأنهم يكلفون أي مراسل ومصور بالتصوير دون تدريب مهني وأخلاقي.

كل مصور/ة ومراسل/ة يعرفون من داخلهم أنهم مجبورين على تحمل السب واللعن (المبرر) من أهل الفقيد، وأغلبهم إن يكونوا كلهم يعرفون أن طريقتهم تلك سخيفة لكنهم مجبورين أن يكونوا في وضع تكالب الذئاب المسعورة على فريسة ضعيفة ليرصدوا بكاءها وضعفها وانهيارها إلخ.

الجابر لهؤلاء المصورين والمراسلين هم رؤساء أقسامهم أو تحريرهم، فلو أن المصور/ة لن يستطيعوا النجاح في عمل بث مباشر أو أخذ صور فسيتم الخصم من مرتباتهم الضئيلة أصلاً.

فأس الداء والبلاء يكمن في رئيس القسم أو التحرير الذي لم يدرب من يعملون تحت يديه على كيفية تصوير جنازة مع مراعاة مشاعر مشيعيها، لكن لا أظن أن هناك نية لتدريبهم، لأن الصور والفيديوهات والبث المباشر عنصر قوي جدًا لانتشار صفحة كل موقع وجريدة، فالمسألة يحكمها الربح لا التغطية الخبرية.

 

مثلاً من أشكال عدم الاحترام أن كل مصور/ة يتعمدون الذهاب إلى الشخص المكلوم المفجوع بوفاة المرحوم/ة ويلتقطون له صور وهو في حالة يرثى لها بحالة شديدة الخصوصية، وللمعلومية هذا أمر ليس بجديد في الصحافة، فمثلاً في العدد السادس من مجلة الكواكب بعد عودتها (عدد يوليو 1949م، ص4) هناك 5 صور مُرْفَقِين في مقالٍ كتبه عباس محمود العقاد عن نجيب الريحاني، والصور الخمسة كانوا من جنازة الريحاني وجميعهم لشخصيات تبكيه على نعشه وتوديعه (بديعة مصابني، زوزو شكيب، ميمي شكيب، كاميليا، حسن إبراهيم).

من جنازة نجيب الريحاني
من جنازة نجيب الريحاني

لكن نموذج مجلة الكواكب عام 1949م لا ينطبق على ما يجري الآن، فبغض النظر عن سمعة وصيت الكواكب في ذلك الوقت، وبغض النظر عن أن الله أعلم برد فعل من صورتهم عدسة الكواكب، لكن في ذلك الوقت كان عدد الصحف قليل، وعدد المصورين أقل، بعكس الوضع الحالي، فالصحافة ارتبطت بالسوشيال ميديا مما يعني أن أي شخص معه (تلفون بكاميرا نضيفة) مؤهل لأن يكون مراسلاً ومصورًا، وبالتالي صار في الأمر هجمية.

النموذج الصارخ للهمجية والشعبوية أن المراسل يسأل أسئلة شديدة البلاهة من عينة (تحب تقوله إيه ؟) أو (إيه إحساسك وفلان رحل عن عالمنا)، أسئلة لا تقابل إلا بإجابة واحدة هي التجاهل وطبعًا هذا صعب على المُشَيِّع فيضطر للانفعال عليه لغباء السائل في السؤال أولاً، ولاختياره الوقت غير المناسب ثانيًا.

إقرأ أيضا
شفاط
الفنان كريم عبدالعزيز منفعلاً في جنازة عزاء والدة الفنانة يسرا
الفنان كريم عبدالعزيز منفعلاً في جنازة عزاء والدة الفنانة يسرا

شكل آخر من أشكال الوضاعة الصحفية (وهذه لا يبرره جهل ولا جبر ولا هندسة)، أن المراسل يتعمد تصوير النساء من الشخصيات العامة المشيعة للجنازة (ممثلة/إعلامية/ إلخ) وهذا لأن أغلبهن يأتين بدون ميكب، ويسيل لعاب المصور/ة كلما رأى ممثلة بدون ميكب، حتى يرضي شهية رئيس تحريره وأدمن صفحة الموقع على السوشيال ميديا في لم أكبر قدر من اللايكات والتعليقات والريتش على شكل الممثلة بدون ميكب.

هناك حل للقضاء على تلك المهزلة ويكمن ذلك الحل في أن يكون إداريًا وانتقائيًا (للأسف الشديد) وأقول للأسف الشديد لأن مثل هذه الأمور ينبغي أن تحل أخلاقيًا ومهنيًا، لكن لأن المسألة ربحية مما يعني تجاوز كل وضيعة، يجيء ذلك الحل.

تصوير الجنازات
أحمد السعدني في جنازة والده منفعلاً

الحل هو حظر دخول أي مصور/ة صحفي يتبع أي موقع سواءًا الكتروني أو ورقي نقابي أو غير نقابي، لحرم المسجد أو تخوم المقابر، فيما تتولى نقابة المهن التمثيلية بتكليف مصورين بمعرفتها ويتبعونها، وتكون صور وفيديوهات نقابة المهن التمثيلية هي الصور الرسمية التي تأخذها المواقع الصحفية لنشر الخبر الصحفي من خلال بيان صحفي تنشره النقابة.

الإشكالية في أنك لا تضمن هل سيكون المراسل بلا كرامة كمن يكلفه، فيدخل الجنازة منتحلاً صفة مصلٍ مسلمٍ للمسجد أو مسيحي للكنيسة، ليقوم بإخراج هاتفه ويقوم بالتقاط الصورة ؟!، هذا وارد لأنه كما قلت الأزمة صارت ربحية ولا تحكمها أخلاق ولا مهنية.

لكن هذا الحل هو حل مقترح لحل المشكلة بشكل عاجل وليس شكل جذري، لحين ما نقابة الصحفيين (تشوف صرفة) لهذه المهازل.

الكاتب

  • تصوير الجنازات وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
1
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان