489 مشاهدة
“تغيير جو” جولة في لبنان التي لا يعرفها أحد
في الحلقات الأولى من تغيير جو يصحبنا المسلسل في جولة حيث لبنان التي لا يعرفها أحد، تستكشف شريفة بيروت على صوت فيروز في الخلفية لأول مرة. تتكدر اللمعة في عينيها كقطة حبيسة، نلمح فيها انعكاس حزين لمدينة الأنوار لا يتسنى للجميع رؤيته.
عادة لا تتطرق الدراما لأبعاد حياتية خارج قصة العمل، بل وأحيانًا لا تهتم بالأبعاد النفسية للشخصيات؛ لكنَّ تغيير جو أحد قلة من مسلسلات موسم رمضان 2023 التي تناقش التفاصيل الصغيرة مساحةً والكبيرة شأنًا. حتى الآن طرحت الحلقات الأولى أبعاد الشخصيات الرئيسية بشكل سلس وغير مباشر، يمنح المشاهد فرصة للتفكير والاستنتاج، كما عرض كادرات مميزة لبيروت وتطرق إلى أحوالها بجمل حوارية بسيطة.
لبيروت السلام..
يمكننا أن نعتبر تغيير جو عملًا متكاملًا يسمح للجمهور بالاشتباك مع أبطاله وواقعه؛ نقلنا معه إلى بيروت وأشار بخفة إلى جانب من المدينة التي تعاني وتحمل بين ثناياها المبتسمة آثار المعارك. مع بداية الحلقة الثانية تخطو شريفة أولى خطواتها في بيروت، تشاهد المدينة من خلف زجاج السيارة مع وسام ومريم. تلمح بيوتًا لم تستطع أن تخفي آثار المعارك المتتالية، فتتساءل “لسه في بيوت متدمرة من أيام الحرب؟”.
هنا تبدأ أولى اللمحات عن لبنان بواقعها الجديد، البلد الذي لطالما عانى منذ الحرب الأهلية والعدوان الإسرائيلي مرورًا بثورة تشرين وحتى انفجار المرفأ. تعبر مريم صديقة شريفة الجديدة عن حالة من الانكسار المخلوط بالأمل يعيشها اللبنانيون قائلة “لبنان بيستاهل أحسن من هيك”.
تسير الأحداث وتأخذنا شريفة معها في تمشية سريعة، نتعرض من خلالها لمواقف كوميدية خفيفة في شوارع المدينة المتشابهة باختلافها مع شوارعنا. ترفع شريفة الحذر وتترك حقيبتها فرصة سائغة للنشالين، سوءات بيروت المتربصة بالغرباء السواهي. وهنا تبدأ فصلًا جديدًا مع جانب آخر من المدينة تلتقي خلاله بـ”أيمن” (عصام عمر).
ولأن نحس شريفة مكتوب عليها حتى في بلاد الأَرز؛ لم تكد تفرح بتحقيق مقصد زيارتها القصيرة حتى واجهت حادثًا ضرب بكل خططها عرض الحائط. خلال رحلة بحثها عن حقيبتها تخوض مغامرة صغيرة في المناطق الأقل حظًا من بيروت، لتصل إلى اتفاق مع كبير المنطقة الذي يحفظ كل نشال فيها.
اقرأ أيضًا
“تغيير جو” دراما الحياة من داخل المتاهة وأغاني أمير عيد المميزة
أشار السيناريو في عدة مواقف إلى حجم المعاناة التي يعيشها اللبنانيون مع التضخم. بدايةً من الأسعار الخرافية بسبب التدني الرهيب في قيمة الليرة، وحتى تعليق مريم (آية أبي حيدر) على ظاهرة النشالين في بيروت باعتبارها نتيجة للقحط الذي أصاب المجتمع.
تميزت مشاهد تلك الحلقة بعدة لقطات من شوارع المدينة ودكاكينها القديمة، بين الناس وعلى المقاهي وفي محل الخضار. أتيحت لنا الفرصة لرؤية المزيد من حاضر لبنان ممتزجًا بالماضي، في كادر جمع بين رسمة جرافيتي للشحرورة وإطلالة على الشارع.
مثلما نقل المعاناة لم ينسى العمل ترك مساحة للنصف الحلو، حين زين مشاهد الحلقة الخامسة بمناظر الطبيعة الساحرة في لبنان. من جبال تعانق السحاب وغابات لا ينقطع عنها خرير الشلالات، مزينة للسائحين. ربما أفسد المشهد فقرات الرومانسية المشابهة للمسلسلات التركية، لكنّ حتى تلك السذاجة لها جمهورها.
تفاصيل صغيرة مثل هذه تجعل العمل يجمع بين اللطافة والجدية، ويضفي إلى الدراما الخفيفة أبعاد أخرى أكثر عمقًا. صعود “تغيير جو” إلى المرتبة الثانية على موقع شاهد بعد بضعة أيام فقط من عرضه لم يكن مفاجئًا، بل المفاجئ هو أنه لم يصل بعد إلى المركز الأول.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
