همتك نعدل الكفة
269   مشاهدة  

تلك قضية .. كايروكي و الكشف عن وجه العالم القبيح

كايروكي
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



السابع من أكتوبر 2023 يوم انكشف فيه وجه العالم الحقيقي، أزيلت كل الأقنعة التي تخفي خلفها وجهًا أخر قبيحًا منحطًا، كنا نخجل او نخاف من أن نراه رغم وضوحه كالشمس، تارة نغوص في نظريات المؤامرة وتارة نشعر بالدونية والانسحاق أمام الحضارة الغربية التي تصدر لنا وجهها المزين بالمساحيق بينما تمسك بيدها سكينًا ملطخًا بدمائنا وأحلامنا عن العالم الجميل المتحضر المبهر، منذ ذلك اليوم سقطت الانسانية في اختبارها الأصعب على الإطلاق، وبدت مصطلحات مثل الديمقراطية،الحرية وحقوق الإنسان، مبتذلة منزوعة من سياقها لا معنى لها في ظل عالم يقف مع القوي حتى لو كان قاتل غاشم ويبارك الإبادة الجماعية لشعوب تبحث عن حريتها، يقسم البشر فئات على حسب مصالحه، بكل بساطة هم مواطنون مسالمون لا قتلة مغتصبون ونحن حيوانات بشرية لا مقاومون.

في واحدة من أفضل ما صيغ عن القضية الفلسطينية كتب الشاعر المتميز”مصطفى إبراهيم” قصيدة “تلك قضية وتلك قضية” والتي تفضح وجه هذا العالم القبيح ومعاييره المزدوجة، تلك القصيدة التي غناها “أمير عيد” مع فرقة كايروكي في رسالة تضامن للقضية الفلسطينية التي لم تعد تخص شعبًا واحدًا بل أصبحت المعيار الوحيد لتحديد ما تبقى لدينا من إنسانية.

سدد مصطفى إبراهيم كلمات قوية مباشرة جدًا في وقت لن تجدي فيه نفعًا القوافي الرنانة وغزل الأخيلة والصور الشعرية هو فقط قرر ومن البداية فضح هذا العالم الذي ينتفض لإنقاذ السلاحف البحرية ويتعامل معنا على أننا حيوانات بشرية تستحق القتل والإبادة بحسب تصريح وزير دفاع الاحتلال فتلك قضية وتلك قضية وسواهم فقط هم من يحددوا أي قضية أهم.

“ينقذ في سلاحف بحرية، يقتل حيوانات بشرية، تلك قضية وتلك قضية” هذه السخرية الممزوجة بالأسى من عالم مزدوج المعايير يدعي المثالية و لا تتساوى عنده حقوق البشر حتى مع حقوق الحيوان، يتعامل معنا بنصف ضمير ويقف بجانب حركات الحرية الفاسدة التي تحقق له أحلامه في السيطرة على الكوكب ويقف أمام أي حركات تحرير تناهض تلك السياسات

 “كيف تكون ملاكًا أبيض، يبقى ضميرك نص ضمير، تنصف حركات الحرية وتنسف حركات التحرير، وتوزع عطفك وحنانك ع المقتول حسب الجنسية وتلك قضية وتلك قضية”

هذا العالم الموحش الذي يحتكر الخطاب ويفرض قيودًا على مفرداته ويتغنى بالصوابية السياسية التي بدلت القاموس البشري بمفردات تقاس بحسب ميزانهم الأعوج فلا فارق بين القاتل وبين المقاوم فالكل في النهاية ضحية وتلك قضية وتلك قضية “

كيف تكون إنسانًا راقي و مطابق للاشتراطات كل كلامك لابس واقي وبتحضن كل الشجرات بتقول ع البواب الحارس جنبك جيش بيهد مدارس وأما بتقفش نفسك لابس دم تقول الكل ضحية وتلك قضية وتلك قضية

جديد بهاء سلطان قبل أما أمشي الموهبة وحدها لا تكفي 

تعامل مصطفى إبراهيم بواقعية مع صياغة القصيدة فنقل مواقف مؤلمة شاهدناها بكل أسى عن الأم التي تبكي أطفالها لأنهم قتلوا جوعى وسط عالم يحكمه قانون الغاب ووسط قطاع محاصر انتفض مقاومًا يبحث عن كرامته وحريته وسط صمت وتواطئ من هذا العالم الذي عندما شاهد الحقيقة عارية فقرر أن يغلق عينيه حتى لا تؤرقه عقدة الذنب فتلك قضية وتلك قضية.

بدوره أمير عيد لم يكن بحاجة لأن يضع لحنًا قويًا ثائرًا هو فقط قرر أن يلقي كلمات القصيدة منغمة “ريستاتيف” بصوت يملؤه الغضب يصاحبه جيتاره الكلاسيكي مع كوردات بسيطة من البيانو ثم يدخل بعد ذلك الإيقاع الخافت مع تشيللو يقطر حزنًا واسى وقهرًا مع منح الإلكتريك جيتار صولو أنهى به الأغنية  وكأنه صرخة موجه إلى هذا العالم الظالم المجحف، أما غلاف الأغنية فعبر بشكل قوي عن مضمون الأغنية حيث كان عبارة عن  خلفية مخضبة بالدماء يظهر فيه تمثال الحرية بوجهين الأول نعرفه جيدًا أما الثاني فهو الوجه الخفي الحقيقي متمثلًا في وجه الشيطان الذي يمارس ابشع الجرائم الانسانية بإسم الحرية.

إقرأ أيضا
أسئلة

لا يكف مصطفى إبراهيم عن ابهارنا كشاعر يسخر قلمه لخدمة القضايا الإنسانية بتكثيف مدهش يكشف فيه الحقيقة للأجيال الجديدة الغارقة في وهم العالم الحر المؤمن بالتعددية الثقافية والمساواة بين البشر وأن القضية هي قضية إنسانية في المقام الأول تهم البشر جميعًا، أما أمير عيد فلم يخذلنا ابدًا كونه أحد الأصوات الموسيقية على الساحة التي تؤمن بدور الفن في توثيق الأحداث السياسية والإنسانية و يتعامل مع فنه بضمير يقظ وإيمان تام بالقضية دون كليشهات أو متاجرة.

منذ بدء عملية طوفان الأقصى واشهرت الخناجر في وجه المقاومة الفلسطينية متهمين إياها بالإرهاب، في ظل عالم فاسد يتحكم في أي شئ وكل شئ ويفرض صوتًا يرى فيه الحقيقة بعين واحدة، يفبرك أخبارًا عن قتلى مدنيين وحرق أطفالًا ويكذب الكذبة ويجبر العالم على تصديقها، يحجب أي صوت مغايرًا لصوته بحجة الدفاع عن المعايير الدولية التي لا يقيم لها وزنًا، يتحدث عن صوابية سياسية يحرم فيها الحديث عن أي شئ يخص القضية، لكن الصورة أوضح من أن يتم تجاوزها أو إنكارها، هذا العالم الموحش الذي ينتفض لمنع سلحفاة من الانقراض او لإنقاذ قطة ضالة، يغض الطرف عن جرائم الإبادة الجماعية لآلاف من الأطفال والأمهات قتلوا بدم بارد من دولة هجمية استولت على الأرض وهتكت العرض والآن تستولي على دور الضحية، أما العالم فيقف صامتًا جاهلًا مجهلًا لا يعبأ بتلك الجرائم ولا يهتم سوى كونه مواطنًا يخاف على السلاحف من الانقراض، فتلك قضية وتلك قضية.

YouTube player

الكاتب

  • كايروكي محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان