270 مشاهدة
جدلية القوة والشرعية.. وحكاية رصد النوبية في الحشاشين
في مسلسل الحشاشين شوفنا نظام الملك، وزير الدولة السلجوقية وهو بيأكد -مرتين- على السلطان السلجوقي، إن الحفاظ على علاقة جيدة بالخليفة العباسي أمر لابد منه، وإن الدخول معاه في أي صراع أو عداوة معلنة مش هيكون في مصلحة دولتهم، مهما بلغت قوتهم ومهما كان الخليفة العباسي ضعيف ومالهوش عازة، وفي المرتين لَخّْص العلاقة بينهم في كونها علاقة تبادلية (هُمّه سيفه.. وهو شرعيتهم).
إيه العلاقة العجيبة دي؟ ويعني إيه هو شرعيتهم؟.. هو ده اللي جاي أحكيه.
مفهوم الشرعية
هي الرضا والقبول العام للنظام السياسي، أي موافقة الشعب للخضوع وتقديم الطاعة لسلطة معينة لتقوم بممارسة مهامها في إطار هذه الطاعة والرضا. من هذا المنطلق يتضح أن القبول والطاعة هما أساس الشرعية. لذلك فأي نظام سياسي بحاجة إلى قبول شعبي ورضا جماهيري من الطبقات الاجتماعية كافة، مع التركيز على الطبقات الأكثر فاعلية وتأثيرًا.
تنبع أهمية الشرعية من كونها القوة التي يستند عليها النظام في مقابلة خصومة المعارضة، إذ دائما ما تحاول المعارضة نفي الشرعية عن النظام أو حتى تنتقص منها، كذريعة لرفض سيطرة النظام ومحاولة التشكيك في شرعيته تمهيدًا لإسقاطه.
بعد ما أتعرفنا بشكل علمي على مفهوم “الشرعية”.. كده نقدر نبدء الحكاية
كلمة السر… قريش
النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذا الشَّانِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكافِرِهِمْ، والنَّاسُ مَعادِنُ، خِيارُهُمْ فِي الْجاهِلِيَّةِ خِيارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذا فَقُهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَراهِيَةً لِهَذا الشَّانِ حَتَّىَ يَقَعَ فِيهِ. (رواه البخاري ومسلم)
هَذا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لا يُعادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَىَ وَجْهِهِ ما أَقامُوا الدِّينَ. (رواه البخاري)
لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقى من الناس اثنان. (رواه البخاري)
قُرَيْشٌ ولاةُ النَّاسِ في الخَيرِ، والشَّرِّ إلى يَومِ القيامةِ. (رواه الترمذي)
قَدِّموا قريشًا ولا تَقدَّمُوها. (رواه عبد الله بن السائب)
الأئمة من قريش. (رواه البخاري وأحمد)
تاني حلقات سلسلة قصة الإسلام اللي كسب القضية كانت بعنوان جذور النسخة الكسبانة، وأتكلمت فيها باستفاضة عن التأسيس القرشي لدولة الخلافة، وعن دور أبو بكر الصديق في الترسيخ الديني لقرشية الدولة.
بس هنا هنتكلم عن قاعدة فقهية ظهرت بعد سنين طويلة، ولأسباب سياسية وعملية بحتة، وهي التفرقة بين “الإمام الأعظم” و”ولاة الأمصار”، واللي برضه اعتمدت على حديث منسوب للنبي بيقول:
اسْمَعُوا وأَطِيعُوا وإنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ (رواه البخاري)
النازية القرشية
قاعدة الخلافة لقريش كانت هي الشرعية الوحيدة الفاعلة للخليفة، فعلى مر العصور كرسي الخلافة شاف العادل والظالم.. التقي والفاجر.. الزاهد والماجن.. القوي والضعيف.. الصحيح والمريض، كل شرط من الشروط كان بيتوجد له تخريجة أو بيتسكت عليه، إلا الشرط القبلي.
الشرط ده تحديدًا كانت دواير الحكم بتتشدد فيه جدًا، خصوصا في القرون الأولى، ووصل التدقيق والأهتمام لدرجة تفضيل ابن الأم العربية على ابن الأم غير العربية، من أبناء الخليفة العربي. زي ما حصل بعد موت هارون الرشيد.
واللي تجاوز أبنه الأمين، أبن الفارسية مَراجِل، وأوصى بالخلافة لإبنه، أبن القرشية الهاشمية زبيدة بنت جعفر، رغم إن الأمين أكبر.. بمزاجه أو بضغط من البلاط أو من زبيدة في كل الحالات الهدف واحد، وهو الحرص على النقاء العرقي للخليفة.
في حلقة السُنة.. حصن العروبة، من نفس السلسلة، أتكلمت عن الصراع العربي-الفارسي ووجه المذهبي كصراع سُني-شيعي. المرة دي هستغل مسلسل الحشاشين في تقديم مثال على عدم حرص الشيعة على “النقاء العرقي” زي السنة.
همه طبعًا برضك صراعهم قبلي والإمام عندهم مش بس في قريش، إنما محصورة فقط في آل البيت، فمافيش ثورة ولا حاجة.. إنما صراع ع السلطة بين عائلتين من نفس القبيلة، لكن الشيعة كانوا متسامحين في “عِرق” الأم أكتر من السُنة وقبل منهم، ويجوز طبعًا إن ده كان لأسباب سياسية.. أوضحها إنهم كانوا محتاجين يكسبوا الشعوب غير العربية “العجم”، اللي بتعاني من التهميش والتعالي العربي، الأمر اللي أدى لقيام ثورات للشعوب دي ضد السلطة العربية، فيما عرف تاريخيا باسم الشعوبية، لكنها رغم تعددها وقوتها ماقدرتش تخلص كوكتيل (الدين، الدولة، التاريخ) الإسلامي من حالة النازية القرشية.
الخلافة البرڤانية
وبالشكل ده نتج في تاريخ الشرق دولة كتير حكمها أمراء وملوك وسلاطين، بس كلهم كانوا رسميًا بيحكموا من الباطن، كلهم ع الأرض حكام فعليين ودولهم مستقلة بس رسميا همه “ولاة أمصار” يدينوا بالولاء للخليفة القرشي.
فغير الدولة السلجوقية اللي في المسلسل، عندنا دولة الأيوبيين والمماليك والخوارزميين وغيرهم وغيره، كلهم كلها كانت دول مستقلة فعليا لكنها تابعة أسميًا للخلافة العباسية، لزوم الشرعية القرشية.
أم الخليفة نوبية
فيه مقولة عربية مشهورة بتقول: إنما يعرف الشيء بضده، في إشارة لقدرة التضاد على إبراز المعنى وإظهاره، القاعدة دي ماتنطبقش بس على اللغة إنما كمان في مختلف مناحي الحياة، فلو كل البشر أخلاقهم عالية ماكنش هيبقى المصطلح ده موجود أصلا، إنما لوجود عالم واطية قدرنا نعرف إن الأولانيين أخلاقهم عالية.
بناء عليه لو كل الناس زي هارون الرشيد وحرمه زبيدة، ماكناش هنفهم إن الحاصل ده اسمه عنصرية، لكن لما يكون عندنا نموذج مناقض زي أبو الحسن علي وزوجته النوبية السيدة رصد.
أبو الحسن علي يبقى ابن الحاكم بأمر الله وأبو المستنصر بالله، ومعروف تاريخيًا باسم الظاهر لإعزاز دين الله، سابع الخلفاء الفاطميين، أما رصد فورد اسمها في كتاب الفاطميون.. تاريخهم وآثارهم في مصر، بوصفها جارية نوبية، اشتراها الخليفة من نخاس يهودي، وانجب منها ولي العهد “المستنصر”، اللي تولى الخلافة وهو سنه سبع سنين، فكانت رصد هي الوصية على العرش.
وغالبية المصادر عن المرحلة دي بتتفق إنها كانت سِت قوية أدارت شؤون الدولة، بشكل مباشر وغير مباشر، لمدة وصلت حوالي نُص قرن، وكان من ألقابها: (السيدة، مولاتنا، الجهة الجليلة، الستر الرفيع، الملكة).
كانت رصد جارية وصلت للبلاط عبر تاجر يهودي أو عن طريق ما تدفعه مملكة المقرة النوبية التزاما باتفاقية البقط، أو حتى كانت حرة وصلت البلاط ضمن إجراءات حسن الجوار بين الدولتين، كلها تفاصيل ثانوية في سياقنا الحالي، وبشكل عام علاقة الفاطميين مع بلاد النوبة محتاجة كتير من البحث الدقيق.
وفي كل الأحوال كل الشكر للمسلسل اللي بيفتح بيبان كتير للنقاش حوالين مناطق ضبابية جدًا في التاريخ.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
