حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (4–9) 8 أكتوبر “يوم القتال الأكبر”
-
مصطفى بدر
بطل من أبطال الدفاع الجوي في حرب أكتوبر المجيدة .. لواء أركان حرب سابق بالقوات المسلحة المصرية
يواصل موقع الميزان نشر يوميات حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان
وهي مذكرات اللواء مصطفى بدر ضابط توجيه الكتيبة 431 التابعة للواء 98 صواريخ دفاع جوى، أثناء حرب أكتوبر.
أطول يوم في تاريخ حياتي هو يوم 8 أكتوبر 1973م تمت مهاجمة قطاع بورسعيد بـ98 طلعة طائرة في ثلاث موجات وتحت ستر الإعاقة وصدمت الكتيبة 431 واشتبكت وأسقطت في الموجتين الأولى والثانية وتمت مهاجمتها في الثالثة بـ 8 طائرات استطاعت تدمير قواذفها
الساعة التاسعة صباح يوم 8 أكتوبر 1973م
بدأنا قبل أول ضوء وقمنا بعمل الماين بارامتر وضبطنا كل شيء على الشعرة وكانت معدات الكتيبة كالعروس يوم زفافها، كل شيء لامع ومبشر.
بدأنا الريجيم اليومي بالتفتيش عن الأهداف ولكن كان كل شيء حولنا ساكن إلا بعض خطوط السير في عمق سيناء وأغلبها كانت طائرات نقل ومواصلات معادية.
في حوالي التاسعة والربع وصلت بلاغات بإقلاع طائرات من مطار العريش وأكدتها بعض بلوتات على شاشة إل ب12 في اتجاه الشمال ثم اختفت، ونظرًا لأن بلاغات لوحة الموقف العام والتي ترد عليها بلاغات المراقبة بالنظر وبلاغات الإنذار فيها تأخير يصل إلى دقيقتين فكان الاعتماد عليها في التيقظ والاحتراس.
ظهرت بلاغات مراقبة تؤكد وجود 8 أهداف على ارتفاع منخفض غربي بورسعيد وتكرر ذلك البلاغ ثانيةً، مما أكد احتمال مهاجمة التشكيل من اتجاه الغرب والجنوب الغربي، وفتشت والتقط هدف مجموعة منخفض على مسافة 20 كم وتم إطلاق اول صاروخ عليه.
اقرأ أيضًا
حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (1–9) قبل العبور بساعات
وصل بلاغ من قيادة اللواء أن الهدف متحاب وعلينا إلغاء الاشتباك، وسحبت المناجل للخارج وحركت الاتجاه حوالى 20 درجة ثم حولت الهوائيات على مكافئ وفي نفس التوقيت انطلقت رشاشات الكتيبة لأول مرة لتنفذ مهمتها في الدفاع عن الموقع ضد طائرتين معاديتين أعتقد أنهم من قمنا بالاشتباك بهم، وأسقطوا حمولتهم على الكتيبة من قنابل.
قمت ثانيةً بفتح الإرسال على هوائي والتقطت الأهداف وهي مبتعدة واشتبكنا وتمكنا من إسقاط إحداها، وهكذا دخلنا في المعمعمة.
وأبلغت سرية الرشاشات بوجود قنبلة لم تنفجر أمام الفصيلة الثانية بمسافة 20 متر، وبمبادرة من قائد السرية ولتأكده أنها قنبلة زمنيه يمكن أن تنفجر في أى لحظة جمع أفراد السرية الخاليين خدمة وحركوا القنبلة بعيدًا عن الفصيلة بـ 100 متر وأحاطوها بشكاير الرمل، إلى أن حضرت جماعة المهندسين المختصة بتفجير القنابل وفجرتها.
تبين أن العدو استخدم قنابل البلي والقنابل المضادة للأفراد والمحرمة دوليًا على نطاق واسع، ووقفت طبيعة أرض الموقع الرمليه المشبعة بالمياه إلى جانبنا حيث امتصت كثيرًا من قوة الموجة الانفجارية للقنابل الثقيلة وامتصت كثيرًا من شظاياها، وكان للاشتباك الدقيق لسرية الرشاشات أكبر الأثر في إلقاء الحمولة بعيدًا عن الموقع.
لم نخسر في هذه الهجمة سوى الأدبخانة الميداني الشرقية، وقامت فصيلة الضبع الأسود بإسقاط طائرة أخرى من الطائرات المهاجمة، وكان بلاغ أن الهدف صديق من اللواء وفقدان اشتباك مسببا للضيق والاحباط ولكن الأخطاء واردة حتى في الحرب، لا يحس بما يجري من نتائج اشتباكات وتحليل أعمال قتال كل الناس فقط من يعملون في مركز القيادة، وعندما سألت منير عما حدث قال:
ــ هدي نفسك ..عدت على خير …استعد لما هو آت
الساعة الثانية عشر ظهر يوم 8 أكتوبر 1973م
بإلقاء نظرة على خريطة الموقف العام وبمراجعة أعمال قتال العدو الجوي خلال الساعة الماضية تأكد بما لا يدعو مجالا للشك أن العدو استهدف مهاجمة كتائب صواريخ قطاع بورسعيد، وطالما بدأ في هذه المهمة فإنه سوف يستكملها دون شك.
على الرغم من ذلك فإنه استمر فى تقديم المعاونة الجوية لمواقعه الحصينة في قطع بور فؤاد واعتقد أنه كان يستخدم طائراته القديمة نوعًا في تنفيذ ذلك وقمنا بتنفيذ اشتباكين بعدد ٢ صاروخ مع هذه الطائرات قبل منتصف النهار.
كان الرائد عبد العزيز العابد مركزًا في الغرفة على ظهور أي بلاغات مراقبة وركز منير على شاشة الناقل الإلكتروني إل بـ12 وكنا نتوقع مهاجمتنا في أي لحظه واستمريت في التفتيش المتقطع وأكدنا على المراقبين الجويين بسرية الرشاشات بسرعة الإبلاغ عن أي أهداف، وطلبت من عمال المنظور التركيز في التفتيش، وكنا جميعًا في حالة تأهب وانتظار، وننتظر أن يكون هجومه تحت ستر الإعاقة الإلكترونية واستخدام الصواريخ المضادة للرادار.
باتت المواجهة قريبة والله المسلم من كيد المعتدي، وكانت الصواريخ المحملة كلها محضرة وجاهزة، وعمال التتبع قمت بتغييرهم وعمل بلدوزر على الاتجاه ومحمد إسماعيل على المسافة وثابت فهمي تادرس على الزاوية، كنا مجموعة متآلفة متوالفة نفهم بعض برمشة العين، خمس سنوات وتزيد سويًا، وكانوا يفهمون ويعرفون تكتيكات العدو الجوي وأعماله المنتظرة كما أعرفها، كنا أسرة، إخوة يربطهم مصير واحد وهدف واحد.
اقرأ أيضًا
حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (2–9) يوم العبور
وطلبت هذه المجموعة لأنها لا تدخن، أي أن السيجارة لن تطلب من أحدهم التغيير، وكان الباقي على نفس مستواهم، ومن راديو بعيد في الغرفة سمعنا وردة تشدو: وأنا على الربابة بغني .. وأناااااا …
بلاغات مراقبة 8 منخفض في اتجاه الحنوب
8 منخفض فى اتجاه الغرب
نفذ خطة الحماية المتبادلة
8 منخفض اتجاه الجنوب الغربي ازيز اتجاه الشمال أزفت الآزفة ونكون أو لا نكون إنهم يستهدفون كتائب اللواء بما لا يقل عن أربعين طائرة طبقا لبلاغات الموقف العام
هدف هدف اتجاه 190 مسافة 15 هلة الهدف دمر الهدف
2 صاروخ الأول على الهدف
المسافة 10 كم …الهدف تدمر
بلاغ من عامل المنظور هدف على اليمين قمت بتحريك الهوائيات والتقطنا الهدف وتم الإطلاق وتدميره على مسافة 8كم.
ولم تنقطع أصوات طلقات المدفعية المضادة للطائرات الخاصة بقطاع بورسعيد والوحدات البحرية، ولم تشتبك سرية رشاشات الكتيبة خلال هذه الهجمة، وتنفيذًا للحماية المتبادلة استمريت في التفتيش والتقطت هدف في اتجاه الشمال الغربي وقمت بالإطلاق عليه وقبل إطلاق الصاروخ الثاني لاحظت كسرة صغيرة سريعة تتجه نحو الهدف فأيقنت أنه صاروخ لأحد الكتائب فاكتفيت بما أطلقت وتقابل الصاروخان على الهدف وتدمر وتأكد تدميره بوسطة عمال المنظور، استغرقت هذه الهجمة ما يقارب النصف ساعة، مرت كأنها دهر، وكانت الكبائن تهتز بالتكبير عند تدمير كل هدف، والذي أعطى لكل واحد فينا حياة حتى لو استشهد في مكانه، ومرت الثانية فهل تكون الثالثة تابتة ؟
الساعة الثالثة عصر يوم 8 أكتوبر 1973م
علمتنا خبرة القتال أنهم ينقضون على الكتائب الطرفية أولا ويستكملون بالباقي ويعيدون التأكد للاسكات، وبصوت خفيض وبعد حديثه الطويل مع قيادة اللواء الذي لم أستطيع التعرف على كلمة منه، سألته:
ــ موقف بقيت الناس إيه يا أفندم ؟
انحنى على أذنى حتى لا يسمع أحد وقال:
ـــ شد حيلك لغاية الباقي ما يستعيد موقفه.
خفق قلبى سريعًا وأحسست بهول المسئولية وللتأكد وبدرجة أقل سألت:
ـــ يعني مفيش غيرنا.
فقال بصوت جهوري:
ـــ مــصـــطـــفـــى
فانتبهت وبدأت في التركيز على التفتيش، وكان كل شيء ساكن، لا صوت حتى لإنسان، سكون غريب أو هكذا خيل لي، إلى أن سمعت صوت عبد العزيز قادما من الغرفة:
ـــ هدف اتجاه 170 مسافة 35.
وطلب من منير التفتيش عن الهدف، والتقطته، سرعته لاتزيد عن 100م/ ث وارتفاعه واحد كم، إنه عابر ولن يدخل منطقة التدمير إلا إذا ناور فجأة، وعندما وصل إلى اتجاه الشرق تمامًا قام بعمل تداخل إيجابي بشدة متوسطة على المستويين، الهدف إعاقة احتمال دخول أهداف أخرى وقيل لي:
ـــ يا أفندم 8 منخفض اتجاه 2108 منخفض جدًا اتجاه 270 وبسرعة حركت الهوائيات إلى اتجاه الجنوب الغربي، وأبلغ بلدوزر وإسماعيل:
ـــ هدف يا أفندم
أما ثابت فلا توجد أهداف، وأمرني منير بالإطلاق الفوري، الكتيبة تهاجم، قمت برفع الزاوية وعامل الهوائيات يبلغ أربع أهداف في الغرب وعامل المنظور يبلغ عن أربعة أخرى في اتجاه الجنوب، وتسمع صوت طلقات المدفعية والرشاشات، وقمت بالضغط على زر الإطلاق ولكني سمعت صوت ارتطام شديد وارتفعت الكابينة بالكامل لتصطدم بسقف الدشمة وترتد إلى الأرض وتفصل القوى الكهربائية وتعلو الأتربة وتظهر رائحة غريبة للغاية، يسمع معها صوت ينادي:
ـــ غاز .. غاز
اقرأ أيضًا
حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (3–9) يوم 7 أكتوبر “بطولة مراد”
ويرتدي الجميع الأقنعة الواقية ولا تنقطع أصوات طلقات المدفعية والرشاشات وتعلو همهمة داخل وخارج الكابينة وكلنا بشر ولا بد أن يزورنا الخوف فهو غريزة بشرية خلقها الله فينا لبقاء النوع، ولكن السيطرة عليه مطلوبة.
وفي ظل هذا الجو والدخان والتراب والغاز، ظهر لي أبي:
ـــ لو حتموت موت راجل وإوعى تموت جبان، فيه رجالة فى رقبتك.
وكأن الكتيبة لم تقصف، وهذا لم يأخذ ثانية ووضعت يدي على ركبة منير الذي نادى بصوت جهوري:
ـــ ماحدش يقلق ما فيش حاجة .. إجرى يا بلدوزر خليهم يشغلو الديزل، كل الضباط تقابلني تحت في الدشمة عايزىن نحصر الخساير، دا مش غاز، دا مؤكسد أنا متأكد.
وفتح باب الكابينة وأنا خلفه، لم أعد ضابطًا للتوجيه ورائي سرية مطلوب منها الكثير وعليّ لملمته .
الساعة الخامسة مساء يوم 8 أكتوبر 1973م
النفس البشرية كم هي سهلة بسيطة وصعبة معقدة، مرضها الكره والحقد وشفاؤها الحب والثقة، وأحمد الله على تلك المجموعة النبيلة التي تواجدت كواحد من أعضائها في بورفؤاد، حيث بدأنا في أسوان من يوليو 1968م ونحن سويًا من أيام ما كانت أجازة المجند كل 120 يوم 10 أيام والمتطوع كل سبعين أسبوع والضابط كل 53 يوم 7 أيام.
شباب وشه في وش بعض فتعارفنا وتصادقنا وأصبحنا إخوة كلنا نذوب في بوتقة الكتيبة 431 احترام متبادل ومعلوم ما هو الصح والغلط وصقلتنا تجارب الأيام، ولكن لم نمتحن مثل هذا الامتحان القاسي ودعوت الله كثيرًا أن يلطف بنا في هذا اليوم.
وعندما خرجنا من الكابينة وجدنا عددًا لا بأس به من الأفراد والضباط داخل الدشمة المحصنة، وبعض المستجدين من حفظة القرآن بدأوا يقرأون ويكررون آية الشهادة {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، وكأننا في مقابر، وكأن هناك كارثة في الخارج، وناس تقرأ القرآن لن تستطيع أن تقول لهم بطلوا.
وخرجت خلف منير إلى الخارج متصورًا مصيبة بجميع المقاييس، وعندما خرجت وجدت الهوائيات صامدة لم تمس ووجدت نفسي أبكي فرحًا، لم تمس وتوجهت إلى الديازل فوجدت الفريد شفيق قديس ورجالته السعودي ومحمد نجحوا في إكفاء حريق جزئي في أحد الديازل، ولاحظت أن أكثر التدمير قد أصاب الصواريخ التي ما زال المؤكسد تتصاعد أبخرته منها ووجدت مجدي يحاول تفريغ أحد الصواريخ الغير مصابة، وبدأ جهاز إل بـ12 على بعد سليمًا وقلت:
ـــ الحمد لله ياما انت كرىم يارب.
وناديت على محمد إبراهيم حكمدار السرية:
ـــ إجمع الناس .. وعايز تمام هنا دلوقتي في الدشمة.
وبينما كان يجمع الناس اشتغلت الديازل وتم تشغيل المحطة ووجدناها عروسة زى الصبح، وجاهزة تلاتة قناة، وأعطاني محمد إبراهيم تمام بالسرية ولا يوجد مفقودين:
ـــ أحمدك يارب.
وللأسف أبلغنا مجدي يسرى قائد سرية النيران أن جميع القواذف عاطلة وأصيبت بشظايا ومنها ما هو غير قادر بامكانيته على تفريغ صواريخها ويحتاج الكتيبة الفنية للمساعدة العاجلة، ومن الغريب أنه بمجرد زن المعدات وتشغيلها عادت البسمة للوجوه.
وعاد الجميع سعيدًا وطلبوا من المقدم منير أن يذهب بتقرير الى قيادة اللواء، ونادى على قادة السرايا وسألنا على طلباتنا وركز على مجدي يسري، ولما سألني قلت:
ـــ يا أفندم لو اللواء مش حيوفر قواذف الليلة، الهوائيات دي لازم تبات مفكوكة ومخبأة في أي مكان في بورفؤاد، ومن دلوقتي ولازم نستغل الليل في كده، العدو مش هيرحمنا الصبح، ومتنساش إن عندنا أكتر من 20 ألف شيكارة رمل عايزة تتشال، سيادتك أنا منتظر منك تلفون.
وكان الرائد عبدالعزيز أصابه صداع شديد ودخل ريح شوية وقلت:
ـــ يارب عدي الليلة دي على خير.
الساعة السابعة مساء يوم 8 أكتوبر 1973م
موقع الكرانتينا أو مصنع الملح موجود جنوبي مدينة بورفؤاد، أي في قارة آسيا، أي في الضفة الشرقية للقناة في سيناء، قناة السويس غربه بمسافة 400 متر وقناة مصنع الملح شرقه بـ 300 متر وعلى امتداده شرقًا مزارع أبو ذكري للأسماك على مساحة شاسعة وارتفاع الماء لا يزيد عن نصف متر، أي أن الموقع يمكن بسهولة التسلل إليه وتخريبه ولذا كان واجبًا علينا إتخاذ إجراءات الدفاع الأرضي ولم تكن عُرِفت أو عُمِّمَت في هذا التوقيت في قوات الدفاع الجوي وكان يجب علينا الحذر، وخاصة بعد ورود بلاغ بأنه شوهدت عناصر متفرقة تتسلل في اتجاه بورفؤاد.
كانت لي طبيعة خاصة في التعامل مع الضباط، أحب أن يختار الضابط بنفسه مهمته الإضافيه حتى يؤديها بتفوق ذاتي، وإذا لم يكن فأختار الاكفأ من وجهة نظري لأدائها، وكان كل الضباط في الدشمة وعرضت عليهم الأمر:
ـــ عايزىن ضابط يشكل فصيلة بالسلاح ويقوم بعمل كمين ومراقبة الاتجاه الشرقي للكتيبة.
وانتظرت دقيقتين ونظرت لمن هم أقدم ..ولكن اليوم كان شديد الوطأه على البعض وفوجئت أن أوسم ضباط الكتيبة ومن يعتقد البعض أنه خلق للفنيات دون الأعمال القتالية ينتصب واقفًا:
ـــ أنا حنفذ يا أفندم.
لقد كان مجدي فؤاد صادق ضابط الهوائيات وأول دفعته الدفعة 59 وأخذ معه الملازم أول عبد المعطى قمر وهكذا المواقف تخلق الرجال، وفعلا في هذه الليلة تم القبض على عناصر متسللة تبين أنها مصريه كانت تعمل خلف خطوط العدو وأمرت بالعودة.
انتظرت طويلا تليفون قائد الكتيبة ولكنه عاد في العاشرة وقال لقد أمر قائد الفرقة ببقاء الحال على ما هو عليه لحين وصول اللواء مجدي سليمان رئيس أركان الفرقة غدًا وقلت:
ـــ نعم ؟!! وهو إيه اللي حيعمله قائد الدفاع الجوي لو جه، شدوا حيلكم يا رجالة وانتشروا لغاية ما ندبر الحاجات الناقصة.
وقلت لنفسي:
ــ لماذا لم يفكر أحد خارج الصندوق ؟
ـــ لماذا لم يُعْرَض الأمر على قائد الفرقة بالأسلوب الصح.
فقيل لي:
إهدا يا مصطفى قطاع بورسعيد جايله كتائب من بره حتحتل، ونستعيد الموقف وندي تمام يوم عشرة الصبح.
فرددت وقلت:
ـــ طب ليه نسيب الهوائيات تدمر ؟!
ـــ هي دي الأوامر ياسيادة الرائد وما علينا سوى التنفيذ.
ولم يغمض لي جفن طوال هذه الليلة، وماذا إذا وعندما بلغ بي الضيق مبلغه خرجت أنا وألفريد ومجدي ودرويش وجلسنا ندخن بجوار الهوائيات.
الكاتب
-
مصطفى بدر
بطل من أبطال الدفاع الجوي في حرب أكتوبر المجيدة .. لواء أركان حرب سابق بالقوات المسلحة المصرية