حكاية آية (4) .. ما انزلنا عليك القرآن لتشقي
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
(طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى )..
اختلف العلماء حول لفظ طه.. فـ منهم من رجح أنه حروف افتتاحية كما جري مع بعد الآيات الأخري مثل: ألم، يس، كهيعص..
وهي الحروف التي عجز العلماء والمفسرون عن فك رموزها، فاعتبروها معجزة من معجزات القرآن اللغوية، المستعصية على العقل البشري..
بينما يري البعض الآخر أن طه لفظ يعني يا رجل وذلك بحسب ما جاء في روايات العرب عن لغة عك. وهو ما نجد له مقابل في اللغة السريانية..
وقيل أن طه لقب من ألقاب الرسول كـ يس.. وقيل أيضاً أن الآية تنزلت بسبب إفراط النبي في التعبد حيث عُرف أنه كان يقوم الليل حتي تتورم قدماه.. ومن هنا جاء لفظ ط/ه أي من وطئ الأرض.. وقد جاءت الآية للتخفيف.. ليس فقط في العبادات. ولكن، أيضاً فيما تعرض له المسلمون الأوائل من مجادلات مرهقة من أهل قريش حول الوحي والقرآن ومن ثم الإيذاء البدني…
في تلك الفترة كانت الدعوة السرية لا تزال قائمة بدار الأرقم بن أبي الأرقم.. وقد وصل عدد الرجال الذين أسلموا 39.. ورغم قلة العدد إلا أن الرسالة بدأت تتسرب من بيت إلى بيت عن طريق التواتر.. وكان من بين الرجال حمزة بن عبد المطلب..
وحمزة في مرة صادف أبا جهل في طريقه، فنطق أبو جهل بكلام في حق محمد، فغضب حمزة بن عبد المطلب وأهان أبو جهل إهانة شديدة.
على الجانب الآخر من الحياة، كان عمر بن الخطاب يعاني من صراع داخلي حاد.. بين إعجابه بأتباع محمد وصبرهم في تلقي الأذي وبين عاداته وتقاليده وموروثه الراسخ.. هذا الصراع وضع له واقعة حمزة مع أبي جهل حد فاصل.. فأبا الحكم – أبو جهل يعني- خال عمر بن الخطاب، والخال والد.. لذلك لم يتردد في سحب سيفه واتخذ قراره وقال سأقتل محمد.. وطب ومحمد ذنبه إيه؟
في طريقه قابل نُعيم بن عبد الله العدوي القريشي الذي سأله: “أين تريد يا عمر؟”.
فرد عليه قائلا: “أريد محمداً هذا الصابي الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله”.
فلمّا عرف أنه يتجه لقتل النبي قال له: “والله لقد غرتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ فإن ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب قد والله أسلما وتابعا محمداً على دينه؛ فعليك بهما”.
فانطلق مسرعاً غاضباً إليهما، فوجد الصحابي خباب بن الأرت يجلس معهما يعلمهما القرآن، فضرب سعيداً، ثم ضرب فاطمة ضربة قوية شقت وجهها، فسقطت منها صحيفة كانت تحملها، وحين أراد عمر قراءة ما فيها أبت أخته أن يحملها إلا أن يتوضأ، فتوضأ عمر وقرأ الصحيفة وإذ فيها (طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى)
فاهتز عمر وقال: «ما هذا بكلام البشر» وأسلم من ساعته.
وعلى الفور انطلق عمر نحو دار الأرقم بن أبي الأرقم.. لم يكن يعلم أن النبي كان يتمني إسلامه.. وأنه كان يدعي ربه “اللهم أعزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذينِ الرَّجُلَيْنِ إليكَ بأبي جَهْلٍ أو بعُمرَ بنِ الخطَّابِ”. وكان أحبهما إلى الله عمر بن الخطاب الذي جلس بين يدي النبي وأعلن إسلامه.. ثم تساءل: “يا رسول الله ألسنا على الحق؟”.
فأجابه: “نعم”.
قال عمر: “أليسوا على الباطل؟”.
فأجابه: “نعم”.
فقال عمر بن الخطاب: “ففيمَ الخفية؟”.
قال النبي: “فما ترى يا عمر؟”.
قال عمر: “نخرج فنطوف بالكعبة”.
فقال له النبي: “نعم يا عمر”.
وخرج المسلمون للمرة الأولي في العلن يطوفون حول مكة يكبرون ويهللون في صفين، صف في مقدمته حمزة وصف آخر يرأسه عمر بن الخطاب.. لتنتهي سنوات الدعوة السرية وتخرج الرسالة إلى عهد فارق في تاريخ الدعوة، وفي تاريخ الإنسانية.. ولهذا لٌقب بـ الفاروق.. ولكن، هل استلمت قريش لهذا الأمر الواقع؟ هذا ما سنعرفه مع آيات آخري…
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد