421 مشاهدة
حليم .. الصوت الأصيل الذي لا يتآكل في الزحام
-
عبير إلهامي
رئيس تحرير سابق لجريدة الحسينية المحلية وخريجة صحافة الزقازيق ومعهد السينما وتكتب فى مجلة سينمائية فصلية اسمها scene
كاتب نجم جديد
على طول الحياة نقابل ناس ونعرف ناس ونرتاح ويا ناس عن الناس ونتوه بين الزحام والناس ويمكن ننسى كل الناس ولاننسى حبايبنا أعز الأصوات المصرية الأصيلة مثل صوت عبد الحليم العندليب الأسمر.
حليم على المستوى الإنسانى ذاك اليتيم الشرقاوى المصاب بالبلهارسيا كمرض العصر الذى أصابه مع رفاق لعبه فى المياه .. والذى أمضى حياته يصارع تارة ألم اليتم فى ميتمه .. وألم الصعود بين عصرين طربيين منقسمين مابين كلثومى ووهابى وطبعا ألم حب لم نعرف أبدا سر عدم زواجه .. وايضا آلام جسده التى كان ينهل به الأدوية نهبا ليطاوعه إلى البروفات .. كان يبدو كالشبح وكانت ضحكته دوما بها وجع عجيب وعيناه مليئة بشجن لم تفلح الشهرة ولا المال ان تضيعها أبدا .
حليم على المستوى العاطفى الفنى : أنجح مطرب عاطفى فى مصر حتى وقتنا هذا . . لم يتصنع تأوه أو حرارة أو آهة طويلة لم تنبض لها شرايين جسده جميعا قبل خروجها .. لذلك لاعجب أن تعشقه كل بنات حواء العاطفيات اللواتى يحلمن دوما بالشخص العاطفى الحساس المشاعر والذى كان قبل حليم عارا ثم أصبح بعد حليم من مميزات فارس الاحلام الأساسية ولعل ذلك يظهر فى مدى تأثر الشارع المصرى العاطفى بطبيعته لأغنيات حليم الرومانسية فمن منا لم يطمع فى مشاعر الحب وخافها فغنى مع عبد الحليم “خايف مرة أحب وعارف” ومن منا لم يسقط فى الحب ولم يغنى ” اول مرة تحب ياقلبى ” ومن منا حين نجح فى الإمتحان لم يسمع فى أذنيه “وحياة قلبى وافراحه ” أو ذهب للملاهى دون ان يغنى داخله “ضحك ولعب وجد وحب ” ومن منا لم يكن له شارع مميز بعلامة شارع الضباب الذى نسير فيه مرة بالعذاب ومرة بالهنا .. ومن منا لم يسر على الأشواك حين يقع فى الحيرة ومن منا لم يغنى أغنية راااح حتى لو كان مافقده هو لبيسة الالم الفرنساوى المعوجة .. ومن منا لم يتمنى عزف أهواك على البيانو أو لم يحاول تشغيل اغنية عقبالك يوم ميلادك فى حفلة عيد ميلاد .. او حينما يتعرض لظلم حتى ولو مجرد نقص درجات فى مادة ما لم يغنى طوال طريق العودة للمنزل ” ظلمووه” وهى الأغنية الرسمية لكل مراحل العمر وليست مرحلة المدرسة فحسب فى خواطر المصريين او ربما مارا بجوار النيل ولم يسمع نغمات من النيل تهمس “انا لك على طول ” او ركب دراجة وهو يطالع النجوم فى حديقة مغنيا “حاجة غريبة” وهى حاجة غريبة فعلا ان لاتحدث حادثة وعينه ليست على الطريق أو سافر ولم يغن داخله سوااااح التى خرجت منها اللفظة العصرية المشهورة “تسوحت ” كأحد تعبيرات المرمطة التى أصبحت لازمة فى مفرداتنا اليومية العادية.. لقد تقمصنا عبد الحليم فى كل حياتنا اليومية لأنه غنى بمشاعرنا فى كافة المناسبات وكافة الأماكن وكافة العادات حتى أصبح قاموس أغنياته شيئا متكاملا مع أى شىء يمر بنا دون ان نشعر بغربة انفصال المكان او الزمان عنه.
حليم على المستوى الفنى الوطنى : كانت نجومية حليم الأولى فى حب مصر قبل أى امرأة أخرى .. فقد غنى لها ولشعبها فى كافة المناسبات الوطنية .. حينما بنت السد غنى حكاية شعب كأول حكواتى تاريخى يقف وسط جمهور بسيط مابعد عصر الربابة ليغنى قصة بناء السد .. وهو الذى غنى صورة تحت الراية المنصورة .. ليخلد كفاح المصريين فى العمل من كافة الطبقات .. وهو الذى غنى عدى النهار فى نكستها وأبكى المصريين على النهار اللى مقدرش يدفع مهرها وهو الذى كان يحلف بسماها وبترابها كل بداية ونهاية حفلة وكأنه نشيدا وطنيا يغازل فيها بلاده خاصة فى البلاد العربية التى زارها وهو الذى غنى فدائى وجعل كل أمهات الشهداء تبكيهم اضعافا مضاعفة وتبكينا عليهم .. وهو الذى غنى فى أشهر أوبريتات الثورة وطنى حبيبى والجيل الصاعد .. كان دوما على رأس أى قائمة للغناء الوطنى وكان القوسين الذين يوضع بهما اى لحن ثورى فى حب الوطن.
عبد الحليم كان حالة فريدة على كافة المستويات الإنسانية والفنية ربما لن تتكرر أبدا ولربما لأجل ذلك كان عمره قصيرا .. وكانت وفاته رغم توقعها .. مفجعة لكل نساء مصر اللواتى كدن وقت جنازته ان يرمين أنفسهن من الشرفات من خلفه.
الشخصيات الحقيقية في مسلسل الاختيار 2 “قراءة تاريخية نفسية لقصص حياة الإرهابيين”
رحم الله نفسا رقيقة لم تبخل علينا أبدا من رقة مشاعرها واحساسيسها المرهفة المترجمة لعشرات الأفلام والأغنيات ماسنظل لسنوات وسنوات نترحم على ندرة هذه الأشياء لدى الرجال اللذين لم يعرفوا معنى ان يعيشوا بعصر العندليب الأسمر .. وستظل أغنياته مكانا آمنا للنفسيات الحالمة تضيع فيها خارج العوالم الخشنة القاسية .. ستظل الدراما تعامل ألحان هذه الأغنيات كموسيقى تصويرية رقيقة لكل شخصية تنوى الوقوع فى الحب. .وستظل أغنياته المرتبطة بالنيل والطرقات صوتا للقاهرة حتى فى الافلام التسجيلية التي ينطق فيها المكان وستظل حماسته فى أغنياته الوطنية المذاعة فى الراديو والتلفاز الرسمى تلهمنا بحب غريب لوطن يطحننا ولكنا لانملك الا أن نحبه ونحارب لأجله فى خيالنا على صدى الصوت العندليبى الذى سيظل أكثر الأصوات إلهاما على مدار ذاكرتنا السمعية .
الكاتب
-
عبير إلهامي
رئيس تحرير سابق لجريدة الحسينية المحلية وخريجة صحافة الزقازيق ومعهد السينما وتكتب فى مجلة سينمائية فصلية اسمها scene
إقرأ أيضاكاتب نجم جديد
ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
2
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide