حمزة علاء الدين .. قصة المغني النوبي الذي أدخل أمريكيين في الإسلام بصوته
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
اختلج قلبي شعور مختلط بالسكينة والألم بعد سماعي لصوت أوتار عود حمزة علاء الدين التي تصطحب صوته الدافئ الذي يحكي ألم الاشتياق، والذي يأخذك بعيدًا إلى مكان آخر.
اقرأ أيضًا
“كوما وايدي” حدوتة الزمان التي حافظت على اللغة النوبية من الاندثار
أبدع حمزة علاء الدين في إطلاقه العنان لتلك الأوتار المتناغمة لتترجم ما شعر به من لواعج حنينه واشتياقه للنيل والشمس والنخلة حين قال “فاكر زمان أيام طفولتنا الجدول .. اللي كان مار بجانب نخلتنا .. النخلة مالت شاورت وقالت
وطنك هنا فاكر زمان”.
لفحت شمس النوبة جلد أجداده، وعلى شاطئ نيل النوبة لعب الطفل حمزة علاء الدين تحت ظلال أشجار الدوم، وسمع أهازيج جدته وهي تعجن العيش ليستوي بدفء الشمس ويصبح خبزًا أسمر اللون.
وبدأ الصبي حمزة علاء الدين يتطلع ويتأمل بأذنه قبل عينيه الأفق الأزرق الذي يعلو النيل، وأغاني بحارة النيل صيادي السمك العائدين، ومن يتزوج ومن يموت، العائد من الحج المبرور كلها قصص تستقبل أو تودع بـ أغاني الفرح أو الأسى، ومن هنا بدأت همسات الفن تسري مزدوجة مع مشاعره وتأملاته.
من رحم المعاناة يولد الإبداع
ولد حمزة علاء الدين في قرية توشكى النوبية بمحافظة أسوان في عام 1929م، وهاجر مع عائلته بعد أن غرقت قريته على أثر التعلية الثانية لخزان أسوان سنة 1933 م.
وبعد أن استقر حمزة الدين في القاهرة، التحق بجامعة القاهرة لدراسة الهندسة الكهربائية، وعقب تخرجه من الجامعة عمل بخطوط السكك الحديدية المصرية، ثم قاده شغفه بالموسيقى في أن يلتحق بمعهد “إبراهيم شفيق للموسيقى” في أوائل الأربعينيات ودرس الموشحات، ثم التحق بعدها بمعهد “الموسيقى العربية ” في العام الدراسي 1945 ـ 1946 م، لدراسة آلة العود والموسيقى العربية وسافر بعدها إلى روما في بعثة علمية لمدة 4 سنوات بمعهد سانتشيليا في سانت سيسيليا، عند عودته لمصر عمل مدرسًا في مدرسة عنيبة بأسوان.
بين القاهرة وأسوان كانت رحلة حمزة علاء الدين كمدرسٍ وفنان ثم أراد أن يعبر بالموسيقى عن محنة الشعب النوبي النازح فتواصل مع معهد “ليوناردو دافنشي” بالقاهرة ــ المركز الثقافي الإيطالي ــ حاليًا وكان هو أول جهة أجنبية يتواصل معها حمزة الدين.
بداية حمزة علاء الدين العالمية
كانت البداية العالمية عندما استقر حمزة علاء الدين بالقاهرة في فبراير 1966 م وعقب قيامه بتطور أشكال موسيقية جديدة حيث أدخل الموسيقى النوبية في التركيب الفني الجمالي للموسيقى العربية الكلاسيكية، والنتيجة شكل جديد تماما من التعبير.
جاءت الفرصة لـ حمزة عندما أبحر إلى الولايات المتحدة الأمريكية للغناء في معرض نيويورك ومنه إلى حفل الأمم المتحدة الذي حضره أمين عام المنظمة بمناسبة مرور 15 عام على ميثاق حقوق الإنسان.
شق حمزة الدين جدار العالمية بصوته الشجي الحزين وعوده المشدود ودفه الذي يحكي معاناته واشتياقه لموطنه “توشكى” التي نشأ فيها وانغمرت قدماه في دفء ترابها، فكان ذلك دفعًا في أن يكرس حمزة جميع وجهوده وأعماله في الحفاظ على التراث النوبي، وتوثيق أشكاله وقيمه وإظهار جماليته، بالإضافة إلى مهارته في دمج السلالم الموسيقية الخمسة مع الغناء النوبي وربطهما بالموسيقى الشرقية بسلالمها السبعة.
لقي حمزة علاء الدين حب من الجمهور الغربي الأقبال عليه مما وجدوا في صوته وموسيقا شيئًا يلمس الروح ويهيم بها في عالم أخر دون عوائق، لدرجة أنه ساهم في إدخال كثيرين منهم للإسلام كما حكى الحبيب علي الجفري.
بدأت بعدها العروض الإنتاج تتوافد عليه، فعرضت عليه شركة ” Vanguard Records” ان تنتج له ألبوم ” موسيقى النوبة” ثم أسطوانته ” الساقية” ولقيا الإصداران نجاحًا كبيرًا، واكتسبا صيتا واسعًا في الغرب اذ كانا بمثابة شكلًا جديدً في ساحة الموسيقى المعاصرة، وليكونا أيضًا محط لفت أنظار الموسيقيين العالمين له.
قام مخرج فيلم “The black stallion” بالاستعانة بحمزة الدين لتأليف الموسيقى التصويرية للفيلم، وليس ذلك فقط فقام أيضًا بتأليف العديد من الموسيقى التصويرية لأفلام هوليوود، بالإضافة إلى العديد من الأفلام التسجيلية الوثائقية عن بلاد النوبة والنوبيين، وكان يلحن كل ذلك بعود واحد ظل يرافقه طيلة حياته، حتى ظن البعض أنه عودًا أثريًا وقصة هذا العود أن في سانتا مونيكا بلوس أنجلوس بأمريكا، أخبرته صديقة له أنها رأت عودًا في أحد المحال التي تبيع “الأنتيكة”، وأبدت رغبتها له في أنها تريد أن تسمع نغمات ذلك العود بضرب أنامله، وبعد أن رآه حمزة، وبدون تردد، قايض صاحبه على إحياء ليلة الفرح لابنه مقابل امتلاكه للعود، بعدما عجز عن دفع المبلغ المطلوب لشرائه، ليكتشف حمزة أن العود تحفة فنية لا مثيل لها، حيث كان محفورًا عليه بالعربية «عبده النحات لصناعة الأثاث والآلات الموسيقية 1800، سوريا».
قال حمزة وقتها إن هذا العود صُنع خصيصًا حتى يعزف به ، وظل يعتز بهذا العود حتى وفاته لدرجة أن زوجته ما زالت تحتفظ به حتى الآن ليس ذلك فقط فكان لحمزة الدين مواقف كثيرة مع العود كان لها أثر في حياته، كان ذلك الموقف قبل بدياته وقبل اكتشاف شغفة للموسيقى فعندما كان يتجول في إحدى شوارع القاهرة لفت نظره بل أنتباه جميع جوارحه عودًا معروضًا فوقع في حبه وأصبح بعدها يقترب من تلك الآلة وكان ذلك خلال دراسته للهندسة، ولكي يصبح قريبًا من تلك الآلة ذهب إلى شارع “محمد علي” وعمل بأحد المحال التي تقوم بصناعته، وتعلم فيه كيفية تشبيك الأوتار، وقرر شراء واحد منهم مقابل عمله داخل المحل لفترة.
عقب حصوله على العود غمرته سعادة كبيرة وضمه إلى حضنه كأنه امتلاك الدنيا وجلس بجوار سور الأزبكية، وجذب أنتباهه شيخًا أمامه يرتدي جلبابًا ويمسك عودًا ويقترب نحوه، فقام الرجل بتوجيه بعض الأسئلة لحمزة، قاله : بتعرف تعزف علية؟ طيب ظبطته، فما كان كم حمزة إلا الإيماء برأسه نافيًا، فأمسك الرجل بالعود وضبطه ثم أعادة له، وقال : “لازم تتعلم، أنت هتفضل طول عمرك تظبط فيه؟” بعدها بمدة كبيرة عَلِم حمزة أن ذلك الرجل هو الشيخ “زكريا أحمد” الموسيقى الكبير، وكأن الشيخ زكريا انكشف له علم الغيب ليرى في ذلك الفتى أن بمجرد أن تضرب تلك الأنامل على العود سوف تنجذب له أذان عجماء لتتجاوز فهم الكلمات وتسرح في نشوة الموسيقى فقط.
ثم حدثت نقلة كبيرة في حياة حمزة الدين ففي عام 1980 قدمت له الحكومة اليابانية منحة لتدريس علم الموسيقى الاثني في إحدى أكبر الجامعات اليابانية بطوكيو، وتحديداً لدراسة الآلة الموسيقية اليابانية التقليدية الـ”Biwa” التي تشبه في شكلها ووضع أوتارها وما يخرج منها من أصوات آلة العود، وهناك، أقام “حمزة” ما يقارب العشر سنوات، وتزوج من فتاة يابانية تدعى “نبرا”، كما أُتيحت له الفرصة ليعزف مع أشهر الفرق الموسيقية، بل ويضع لها بعض معزوفاتها، ومن ثم كان تفاعله وتواصله مع الجمهور الياباني صاحب الحضارة القديمة والتقاليد العريقة.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال