حين عفا أبو غزالة عن قاتل ابنه .. مشهد من حياة المشير الإنسان
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لم تكن حياة المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة بطل حرب أكتوبر الذي قاد مدفعية الجيش الثاني، سوى مشاهد متتالية من فيلم فانتازيا هوليودي بامتياز، حين يعيش البطل مغامرة الوصول لهدفه ما يتطلب منه القفز من حفرة نار إلى أخرى، أن يطير في السماء دون حبال خشية الوقوع فريسة على الأرض، ولم لا وكان كان أمهر الأطفال مراوغة بلعبة كرة القدم على ملاعب شوارع قرية قبور الأمراء بالدلنجات بمحافظة البحيرة، الرجل الذي وقفت استمراريته في صفوف القوات المسلحة دائمًا على المحك، حتى في إقالته بعد توليه قيادة وزراة الدفاع في نهاية عصر السادات لبداية عصر مبارك، كان بطلًا على صفحات الجرائد التي تتسائل عن الإقالة المفاجأة، وبين سطور حروف المحللين السياسين الذين كتبوا كتيبات ومقالات مطولة خصيصًا لمحاولة تفسير السبب الحقيقي وراء قرار الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك .
وفي حياة المشير ثلاثة مشاهد صعبة تشرح لك كيف شخصية البطل القوية، وكيف كان حنونًا مسامحًا حتى في الموقف الصعب، ومن مشاهد بطلنا الصعبة حين تعرض للموت، وقد تعرض له مرتين بشكل مباشر، فصل بينهم عدة سنتي مترات، في موقفين تحديدًا، ذكرهم الكاتب الصحفي محمود فوزي في كتابه “أبو غزالة وأسرار الإقالة” ، والأولى في حرب أكتوبر 1973، وكان يتفقّد في سيارة “جيب” تشكيلات المدفعية بالقطاع الأوسط في سيناء وكان معه زملاؤه العقيد رجائي فؤاد والعقيد رياض جاد .. ومرّت السيارة على لغم أرضي فطارت السيارة إلى أعلى ونزلت أشلاء متناثرة .. وذهب ضحية هذا الحادث زميله العقيد رجائي فؤاد، وسائق السيارة، وأصيب العقيد رياض جاد بإصابات خطيرة، أما الوحيد الذي نجا من الموت والإصابة فهو محمد عبد الحليم أبو غزالة !
أما المرة الثانية التي تعرض فيها أبو غزالة للموت فكان في حادث المنصة في 6 أكتوبر 1981 والذي راح ضحيته الرئيس الراحل أنور السادات، وكان أبو غزالة يجلس بجوار السادات ولم يصب أبو غزالة بسوء !! ولكن بعد أيام من حادث المنصة اكتُشف بمحض الصدفة شظية أصابت (كاب) أبو غزالة الخاص به، فقد اخترقت إحدى الشظايا يوم المنصة (الكاب) الذي كان يلبسه أبو غزالة وسقط منه بفعل سرعة مجريات الأحداث لحظة اغتيال السادات !
أما عن أصعب موقف يمكن أن يواجهه إنسان ويقابله بالتسامح، كان تحديدًا في عام 1966، حين عاد أبو غزالة إلى منزله وكان قريبًا من ميدان حلمية الزيتون فوجد تجمعًا كبيرًا من الناس يلتفون حول “شئ ما” فاقترب منهم يستطلع الأمر دون أن يجرؤ أحد من جيرانه أن يقول له ما حدث .. فأخذ يفسخ مكانًا بين الناس ليرى ما حدث .. وهاله ما رأى . رأى ابنه وقد فارق الحياة بعد أن صدمته سيارة وهو يعبر الشارع !!
وكان هذا أصعب موقف في حياة أبو غزالة ! ولكن الله أنزل الله أنزل سكينته على قلبه، وكان أهل الحي يمسكون بالسائق وكاد أحدهم أن يقتله ! وكانت الدهشة التي اعترت الجميع حين طلب منهم أن يطلقوا سراحه؟! ولا يعترض له أحد بسوء ! وقال له أهالي الحي : كيف؟ .. فرد قائلًا: اتركوه هو لا ذنب له ! هذه إرادة الله سبحانه وتعالى وعقاب هذا السائق ليس هو سجنه ولكن عقابه الأكبر هو إطلاق سراحه ! إذ ربما يجعله هذا لا يكرر هذا مرة أخرى ويحافظ على أرواح الناس ! .. وحمل ابنه المتوفى على ذراعيه وأخذ يرتل آيات من القرآن .
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال