خط سكة حديد الحجاز ساعدت فيه مصر ودمره لورانس العرب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لم يكن خط سكة حديد الحجاز كما ظهر في فيلم Lawrence of Arabia، أنه مجرد خط تجاري أنشأه الأتراك من أجل السرقة على ثروات العرب، إنما له قصة أخرى وتاريخ لم يعرفه الكثيرون؛ نتيجةً للسياسة والنزعات القومية التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى.
تبدأ قصة سكة حديد الحجاز في 1 مايو من عام 1900 م، أصدر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني أمرًا بإنشاء سكة حديد الحجاز وذلك لخدمة الحجاج وتسهيل الحج بدلاً من قوافل الإبل التي تأخذ 40 يوماً من المعاناة بين دمشق والمدينة، فضلا عن تسهيل نقل الجنود والمعدات لإحكام السيطرة على الشام والحجاز واليمن بعدما استولى الانجليز على مصر وقناة السويس.
تصل سكة حديد الحجاز وهي سكة حديد ضيقة ما بين مدينة دمشق والمدينة المنورة في منطقة الحجاز، وبدأ العمل في سكة الحديد عام 1900 وافتتحت عام 1908 واستمر تشغيلها حتى 1916 ، في الحرب العالمية الأولى إذ تعرضت للتخريب بسبب الثورة العربية الكبرى وسقوط الدولة العثمانية بعد الحرب، وأصر السلطان عبدالحميد الثاني على أن يكون تمويل قطار الحجاز قائماً على تبرعات المسلمين وأن لا يتدخل الأجانب في تمويلها أو إدارتها.
خلال أعمال التصميم، قام المهندس التركي مختار بيه وهو مهندس أساسي في المشروع وكان له دور في اختيار المسار بمسح الطريق فوجد أنه من الأنسب تتبع خط قوافل الإبل القديمة (حج الشام) مع إجراء بعض التعديلات البسيطة.
قدرت تكلفة الخط بنحو 3.5 مليون ليرة عثمانية، معظمها مساعدات شعبية من داخل السلطنة العثمانية وبلدان إسلامية أخرى إضافة إلى مساعدة ألمانية، من دويتشه بنك وشركة سيمنز على وجه الخصوص.
كان الألماني هاينريش ميسنر كبير مهندسي المشروع وقدم السلطان مبلغ 320 ألف ليرة من ماله الخاص، وتبرع خديو مصر عباس حلمي بكميات كبيرة من مواد البناء إضافة إلى تبرعات كثيرة من المسلمين عبر العالم.
كان مسار خط الحج ينطلق من مدينة دمشق ويعبر سهل حوران ويمر بالمزيريب وعدد من المناطق جنوب سورية وصولاً إلى مدينة درعا ثم إلى الأردن حيث يمر بمدن المفرق والزرقاء وعمّان ومعان على التوالي، ويكمل سيره جنوباً إلى ان يدخل أراضي الحجاز حيث ينتهي بالمدينة المنورة، وشارك في تشييد السكة حوالي 5000 عامل أغلبهم من الجيش العثماني وللاهتمام بصيانتها، تم افتتاح معهد لتخريج مهندسي سكة الحديد في اسطنبول.
نظراً لأن السكة تمر بأودية كثيرة تم إنشاء حوالي 2000 جسر من الحجر المنحوت، كما تم توزيع محطة على بعد كل 20 كم وأحيانا أقل لحراسة السكة وتوفير بئر أو خزان لحفظ المياه في كل محطة؛ إذ تعبر في مناطق منعزلة موحشة لا يوجد قربها أي تجمع مدني، وكانت السكة تعمل كما خطط لها منذ انطلاقها عام 1901 إلى 1917 بكل نجاح حتى بدأت الحرب العالمية الأولى.
استمرت سكة حديد الحجاز تعمل بين دمشق والمدينة المنورة ما يقرب من تسع سنوات استفاد من خلالها الحجاج والتجار، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى ظهرت أهمية الخط وخطورته العسكرية على بريطانيا، فعندما تراجعت القوات العثمانية أمام الحملات البريطانية، كان الخط الحجازي عاملاً هامًا في ثبات العثمانيين نحو عامين في وجه القوات البريطانية المتفوقة في جنوب سورية عدةً وعدداً ونظراً لاستخدام الخط الحجازي في بعض الأغراض العسكرية العثمانية.
تعرض خط سكة حديد الحجاز إلى كثير من الأضرار والتخريب خلال الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين وفي عام 1917 انضم لورانس إلى الثوار العرب فحرضهم على نسف الخط، ومنذ ذلك الحين لم تفلح المحاولات لإعادة تشغيل الخط أو تحديثه.
في الستينات، كانت هناك محاولة لإعادة فتح الخط، الذي صار مهجوراً بسبب حرب الأيام الستة 1967 ولكن المحاولات لم تفلح في تسيير الخط من جديد، وفي سورية ومن محطة الانطلاق الأولى في وسط دمشق يعمل الخط نحو درعا وبصرى وكذلك ينطلق قطار المصايف التاريخي الشهير في سورية.
حالياً يستخدم الخط الذي يربط بين دمشق وعمان بشكل غير منتظم، وأعيد تأهيل بعض القاطرات التاريخية، حيث تعمل حالياً تسع قاطرات في سورية وسبع في الأردن.
لا تزال العديد من العربات القديمة تستخدم كذلك، وفيما يتعلق بالسعودية فإنه يعاني من الإهمال الشديد حتى تكاد تُمْحى آثاره.
إقرأ أيضاً
الأعمال الخيرية التي قدمتها مصر في الحج زمان “وثائق خير أم الدنيا على بلاد الحرمين”
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال