رحلة إسماعيل.. شاب يخوض مغامرة بين محافظات مصر قبل 100 عام
-
حسن خالد
كاتب نجم جديد
تعددت منذ فجر النهضة الأدبية في العالم تلك الكتب التي تصف الرحلات والأسفار وعادات الشعوب، فكانت هذه هي الوسيلة الوحيدة التي يتبادل بها الناس معرفة أحوال الأمم المجاورة والأمم البعيدة، وحتى العصر الحديث لمعت كتب أدب الرحلات واختلت مكانتها في التاريخ، مثل “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” لابن بطوطة، و”تحقيق ما للهند من مقولة” للبيروني، و”إسطنبول.. الذكريات والمدينة” للكاتب التركي أورهان باموق، و”رحلة إلى أوروبا” للأديب جرجي زيدان، و”حول العالم في 200 يوم” لأنيس منصور.
وقبل نحو 100 عام كان هناك شاب مصري أحب السفر والترحال والتعرف إلى البلاد عن قرب، في زمن كان المذياع فيه هو أقصى تطور عرفته البشرية في نقل الخبر، في زمن كانت الصورة الفوتوغرافية فيه نادرة من النوادر قد يمارسها البعض مرة واحدة في حياته، أراد الشاب أن يرى بنفسه ما سمع عنه، وأن يسجل بنفسه مشاهداته.
“إسماعيل محمد مصطفى” أحد أبناء محافظة الفيوم، ولد في الثالث من سبتمبر في العام 1900، وحصل على الشهادة الثانوية في العام 1917، وفي العام 1925 استقر بالقاهرة، وعمل بعمل والده في مهنة التجارة.
يشرح إسماعيل أسباب قيامه بالرحلة، فيقول في كتابه “رحلة إسماعيل في جميع المحافظات وعواصم المديريات”: “السفر، من أهم أبواب الراحة والنعم، به يحصل الإنسان على الأرزاق، ويلوز بالرجال الأفاضل، وينال الصحة باستنشاق الهواء وينشرح الصدر برؤيا الناس والبلاد ويتعلم لغات الأمم ويطلع على أحوالهم”، ويتابع: “هممت منذ الصغر مغرم بالسفر إلى معرفة مواقع بلادي العزيزة، وما بها من الآثار وما هي عليه من بديع الشكل”.
ورصد إسماعيل في هذه الرحلة ملامح المجتمع المصري، وإن كان الوصف الجغرافي لديه غالبا على الوصف الأدبي المعتاد في أدب الرحلات، فقد صدر فصول كتابه بالتعداد السكاني في ذلك الوقت، وكان عدد المصريين 14.168.756 نسمة، أي ما يمثل 1/7 من سكان مصر حاليا، وقد اهتم بالمحافظات والمديريات وأسماء الشوارع والمدارس والقنوات المائية وغير ذلك من الوصف العلمي الجامد، دون التطرق إلى الثقافات والعادات بشكل مستقل مركز.
ويمكن القول دون مبالغة أن كتاب إسماعيل في وصف رحلاته داخل مصر هو بمثابة “مرشد سياحي” في العصر الذي صدر فيه، وبمثابة مرجع جغرافي يصف طبيعة وملامح العصر الذي كتب فيه الكتاب، من خطوط المواصلات وأماكن الهيئات وأسماء الوزارات وأشهر المساجد والعديد من الإحصائيات المشابهة، التي تهم كل من يبحث عن وصف لمصر في عشيرينيات القرن العشرين.
لكن الكتاب لا ينتمي بشكل مباشر إلى أدب الرحلات بمفهومه العصري، ويوضح الناقد العراقي علي حسن الفواز في مقال بعنوان “أنثربولوجيا أدب الرحلات” مفهوم هذا النوع في الثقافة العربية وتطبيقاته، فيقول إن “أدب الرحلات كما تقول سردياته لم يندفع كثيرا للتعرّف على ذلك الأدبي والفلسفي، بل إنّ انحيازها كان أكثر نزوعا لمعاينة الظواهر العامة وأحيانا للتحقق من أحداث أو تواريخ معينة والتعرّف على أحوال الناس وشؤونهم وأغراضهم ومصالحهم وتنوّع ألسنتهم وعباداتهم وطقوسهم، فضلا عن طلب الحماية وإقامة الصلة بوصفها السياسي/الدبلوماسي أو الثقافي على طريقة أحمد بن فضلان مع شعوب وجماعات بلاد الخزر وبلاد الصقالبة والأسكندناف بتكليف من الخليفة العباسي المقتدر بالله”.
ويكفي أن تجرأ شاب على القيام بـ ” رحلة ” سياحية وتوثيقها في كتاب، ولذلك دلالات عديدة، أهمها الوعي بالتوثيق في هذه الفترة، التوثيق المجرد وليس ما يضم هوى المؤرخ مثل بقية المؤرخين الذين كتبوا عن مصر وأحوال أهل مصر في هذا الوقت، ودلالة أخرى على إشباع شاب لرغبته في السفر والمغامرة، دون تكليف مثلا كالصحفيين، مثل ما قام به أنيس منصور في “حول العالم في 200 يوم”، أو دون البحث عن عمل أو السعي خلف تنقلات وظيفية مفروضة عليه.
الكاتب
-
حسن خالد
كاتب نجم جديد