رحيل المطربة الكبيرة “نعمة”.. صوت تونس الخالد
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
توفيت في الثامن عشر من أكتوبر الفنانة التونسية الكبيرة السيدة “نعمة” عن عمر ناهز 86 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، ولدت نعمة في 23 فبراير من عام 1934 تحت اسم “حليمة الشيخ” في قرية أزمور من عائلة ينحدر نسبها إلى الشيخ سيدي معاوية، تنقلت في طفولتها ما بين أزمور وتونس العاصمة وأقامت في منطقة نهج الباشا في بيت قريب من بيت الرصايصي الذي كان يحتضن المواهب الفنية الجديدة والذي تخرج منه أكبر نجوم الغناء والطرب في تونس.
بدأت حليمة خطواتها الفنية في سن مبكرة حيث برعت في أداء الأغاني الشعبية التراثية التي ساهمت في صقل موهبتها الصوتية، وصارت تلك الأغنيات جزء من وجدان الغناء التونسي فيما بعد، على الرغم من زواجها في سن مبكر إلا أن الزواج والإنجاب لم يعيقها عن استكمال مسيرتها الفنية، فكانت تواظب على الغناء في كافة المناسبات الاجتماعية وكونت جمهورًا لا بأس به من الأقارب والمعارف والجيران.
أتت لها فرصة التقاء الجمهور التونسي لأول مرة من خلال حفل أقامته إحدى دور رعاية المكفوفين، وغنت فيه بمصاحبة فرقة “العصر”التي كان يقودها الفنان “حسن الغربي” وكان نجمة الفرقة المطربة الكبيرة “عُليّة” والتي تجاورت معها في نفس الحفل الذي غنت فيه “نعمة” أغنية “حبيبي لعبته” حيث لاقت استحسانًا وترحيبًا شديدًا من الجمهور الذي بدأ في يردد اسمها بعد أن ظل مقتصرًا شهرته على نطاقات ضيقة من قبل.
انضمت بعدها إلى معهد الموسيقي التونسي المعروف بأسم المعهد الرشيدي، وأصبحت من مطربات فرقة الرشيدية، وتقابلت مع الملحن صالح المهدي الذي أعجب بصوتها فمنحها لقب “نعمة” حيث كان يرى أن صوتها نعمة إلهية منحت للفن التونسي.
في عيد ميلاده ال59 … عندما غير عمرو دياب العناوين
قدم لها المهدي العديد من الأغاني العاطفية منها “يا ناس ما أكسح قلبه” و”الدنيا هانية” و”الليلة أه يا ليل”، وتعاونت مع الملحن خميس ترنان في أغاني “ما احلاها كلمة في فمي” و”غني يا عصفور”، في تلك الفترة كانت الإذاعة التونسية تواظب على إذاعة حفلات فرقة الرشيدية كل نصف شهر، فبدأت تتسع شهرة “نعمة” أكثر وأصبح الطلب متزايدًا عليها من الجمهور لإحياء العديد من الحفلات في كافة أنحاء تونس.
في عام 1958 التحقت بالإذاعة التونسية كمطربة معتمدة، ضمن العديد من الأصوات الشهيرة مثل “صليحة”و”عليا” و”نادية حسن”،منحتها الإذاعة فرصة التألق وأصبحت أسمًا لامعًا في الغناء التونسي، وتوسعت شهرتها إلى خارج تونس فانتقلت تحيي العديد من الحفلات في ليبيا والمغرب والجزائر وفرنسا، وأحيت حفل مهرجان ملكة جمال العرب في بيروت في منتصف الستينات.
بزغ نجمها أكثر عندما اختيرت للتواجد في مهرجان ألفية القاهرة في عام 1969 والتقت بالروائي المصري “يوسف إدريس” الذي أطلق عليها لقب فنانة تونس الأولي، وكونت عدة صداقات مع كبار الفنانين المصريين مثل السيدة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ الذي رحب بها في أحدى حفلاته في تونس، وغنت لحن للشيخ سيد مكاوي بعنوان “شوف قالوا ايه”.
كونت نعمة شهرتها الفنية في البدايات على أداء الأغاني التراثية التونسية مثل “صالحة” تلك الأغنية التي أصبحت واحدة من أشهر أغانيها فيما بعد، وامتلكت صوتًا قادرًا على أداء كافة ألوان الغناء عاطفي ووطني وقصائد وحتى الأغاني الصباحية الخفيفة وساهمت بعدة أغنيات روجت فيها للسياحة في تونس.
رغم تلقيها العديد من العروض الفنية للهجرة خارج تونس وتوسيع شهرتها إلا أنها لم تكن طامعة في الشهرة أو المال وطغى عليها حبها لبلدها وإخلاصها التام للأغنية التونسية ومحاولة النهوض بها، مما جعلها ترفض كافة العروض مفضلة البقاء بجانب جمهورها التونسي الكبير الذي اعتمد لقب “مطربة تونس الاولى”، وامتلكت رصيدًا ضخمًا من الأغاني وصل إلى 600 أغنية بأنغام أهم الملحنين في تونس مثل “خميس ترنان”و”محمد التريكي”و”صالح المهدي”و”الهادي جويني” وتعاونت مع كبار الملحنين في ليبيا مثل “سلامة قدري” و”كاظم نديم”.
عبر مسيرة فنية عظيمة حافظت السيدة “نعمة” فيها على هوية الأغنية التونسية واختارت طريق الفن لإسعاد الجمهور وليس بحثًا عن الشهرة والمال، وحاولت أنتقاء أغنياتها لتحمل بداخلها مضمونًا إنسانيًا نبيلًا، حتى قررت اعتزال الغناء والعودة مرة أخرى إلي مسقط رأسها في أزمور، حتى رحلت اليوم عن عالمنا وفي رصيدها العديد من الأغنيات الراسخة في وجدان الشعب التونسي.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال