“رسوم الأطفال” ناقوس خطر لصحة طفلك النفسية
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
الثلَّاجة الصفراء العتيقة التي لم نجد لها متَّسعًا في مطبخنا الضيق كانت دائمًا ما تتزين بقطع الفاكهة المغناطيسية وأحيانًا بعض الخرابيش الطفولية، امرأة بضفائر منسدلة ورفيقها الأشعث وتحتهما كلمة ماما وبابا منحنية الخطوط، أو دائرة صفراء كبيرة تحمل عينين وثغر مبتسم تحتها أشجارًا تخرج منها خطوط الألوان بشكل عشوائي على ورقة مقطوعة من كراسة مربعات، يمسكها والدي بكل فخر ليعلِّقها أعلى باب المجمِّد. رسوماتنا العبثية تلك لم تكن يومًا تعني أكثر مما نراه، مجرد محاولات إلهاء وإشباع لرغبة الطفل المدمِّرة في الخطّ بالقلم كالكبار؛ لكنَّها في الحقيقة تحمل معانٍ كثيرة قد تصبح وسيلة تنبيه من مشكلة نفسية يعانيها الطفل.
رسوم الأطفال وسيلتهم للتواصل التي لا تقل أهميةً عن الكلمات خاصًّة في المراحل التي لا تسعفهم فيها خزينتهم اللغوية، مؤشِّرًا لصحتهم النفسية ونموهم العقلي والاجتماعي يمكن استخدامه لفهم شخصيتهم ومشاكلهم التي لا يعبِّرون عنها. في كتابه “مدخل إلى سيكولوجية رسوم الأطفال” يقول الدكتور عبد المطلب القريطي أستاذ الصحة النفسية أن الطفل لا يتعلَّم تلك الشخبطات بل يرسمها بحركات ذاتية تعبَّر عن محتواه الداخلي.
العجز، عدم الأمان، الخوف.. كل تفصيلة تعكس إحساسًا
تعكس تلك الرسوم علاقة الطفل بالآخرين ومفهومه عنهم، بل وتسجِّل مشاعره وانفعالاته نحوهم بأساليب بلاغية مختلفة كالإهمال والحذف والمبالغة؛ على سبيل المثال الرسم أعلاه لطفلة في الثامنة من عمرها رسمت صديقتها إيمان بعد شجار نشب بينهما، يوضِّح الرسم حالة من الغضب والاندفاع من خلال المبالغة في الحجم والتشديد على رسم الفم والأسنان والرقبة.
لتحليل مشكلة الطفل النفسية قد يلجأ الطبيب لطلب رسومات معينة يمكنه من خلالها أن يصل إلى مخاوفه، في الصورة أعلى الفقرة رسم لطفل لم يكمل الخامسة من عمره يتَّسم بالسلوك العدواني مع أقرانه؛ نتيجة تعرُّضه للتعنيف الجسدي ومروره بصدمة عاشها أثناء حريق طال العمارة التي تقطنها أسرته، وهو ما يمكن استشفافه من خلال الخط أسفل الرسم الذي يدل على إحساس بانعدام الأمان، أمَّا الأذرع القصيرة والرأس ذا الحجم المبالغ فيه يعبِّر عن العجز أمام تلك المواجهة، في حين ترمز العيون المغلقة إلى رفض العالم الخارجي.
“شجرة وإنسان ومنزل” كيف يشخص الأطباء النفسيين من خلال الرسم؟
إذا كان الأطباء يستخدمون الرسوم للمساعدة في تشخيص حالة الأطفال النفسية خاصًّة حين يخذلهم التعبير اللفظي فإنها يمكن أن تصبح وسيلة تنبيه للآباء القلقين على صحة أطفالهم النفسية؛ ينصح الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي الأهل بمتابعة رسوم أطفالهم والتوجُّه بها إلى المختصِّين متى استشعروا شيئًا غير معتاد للطفل، فتلك الرسوم يمكن أن تصبح إنذارًا للأهل بوجود مشكلة لدى طفلهم لا يمكنه التعبيرعنها.
في حواره مع الميزان أكدَّ فرويز أن الرسوم جزء من الوسائل التشخيصية الفعَّالة ليس فقط للأطفال بل وأيضًا للكبار الذين لا يستطيعون التعبير بالكلام، وهي مستخدمة في إنجلترا منذ الستينات لكنها وصلت مصر في وقتٍ متأخِّر عن ذلك؛ لكنّ يجب التنويه إلى أن الأطباء داخل وخارج مصر يعتبرونها وسيلة مساعدة سواءً للتشخيص أو العلاج، ولا يمكن أن تغني عن فهم الظروف المحيطة للمريض أو العلاج بالأدوية.
لتطبيق تلك الوسيلة يطلب الطبيب المعالج من المريض رسم تصورة لشجرة وإنسان ومنزل؛ ترمز طريقة تناوله تلك الموضوعات الثلاثة إلى إحساسه نحو بيته والأشخاص المحيطين به، فالرسم يخرج الحتمية النفسية للشخصية لذلك يراقب النفسيين أدق تفاصيله حتى الألوان؛ على سبيل المثال الألوان الداكنة تشير إلى الاكتئاب في حين يشير اللون الأحمر إلى الغضب الداخلي، أمَّا الأخضر واللبني من الألون الدالَّة على السلام الداخلي والنفسية المستقرة.
لكنّ لا يمكن تفسير الألوان بشكل منفصل عن الرسم نفسه، سياق وشكل الرسمة يؤدي بالمعالج إلى استنتاجات تكملها الألوان، فمثلًأ الإبهام في ملامح الرسم يُفسَّر بأن الشخص يعاني من مشكلة لا يستطيع فهمها أو تفسيرها وهي من أعراض الاضطراب الانفصامي.
على خُطى “شاكيرا” تفريغ الطاقة بالفنّ
تابع الكثيرون خلال الأسابيع الماضية قصّة المطربة الكولومبية شاكيرا مع شريكها بيكيه حيث انتهت علاقة دامت أكثر من 10 سنوات بالخيانة، الأمر الذي تعاملت معه بإصدار أغاني تعكس مشاعرها الحزينة تارة وتهين بيكيه وصديقته الجديدة تارةً أخرى؛ معلنةً في آخر تصريحاتها أن تلك الأغاني أفضل من الجلسات النفسية وتمثِّل لها العلاج الأفضل.
ليس الأمر مجرد تصريح مندفع من نجمة البوب المعروفة بانفعالاتها غير المحسوبة بل حقيقة علمية، فقد أوضح فرويز أن الفنّ بأشكاله المختلفة والرياضة والكتابة من وسائل تفريغ الطاقة السلبية، وكل مريض يستخدم ما يفضِّله من تلك الوسائل. وقد استخدمت المشافي والمصحات المصرية تلك الطرق؛ حيث ضمَّت مستشفى المعادي العسكري معملًا فنِّيًا كاملًا للمرضى، وتستخدم المؤسسات أحيانًا التمثيل الإيمائي لإخراج ما في خيال المريض من خلال اسكتشات مرتجلة.
لذا في المرة القادمة التي تعلِّق فيها رسمة طفلك على الثلاجة أو ترى نشاطًا ما يجذبه ويستهويه لا مانع من أن تدقق النظر قليلًا، ربما ترى تفصيلة قد تنبَّهك إلى مشكلة قد يعانيها طفلك ولم يجد متنفسًا سوى أوراقه وألعابه ليعبِّر عنها.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال