رفض الواقع الجديد هل هو خطيئة؟
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
كثيرون لا يؤمنون بـ الواقع الجديد يرونه محوا لواقع تعودوه، ويرون هذا المحو نفسه محوًا ضمنيًا لماضيهم وذكرياتهم وكل ما يتعلق بهم، وعلى هذا يدخلون في اكتئاب خفيف أو حاد، غالبا ما تطول مدته، وقد يخرجون منه وقد لا يخرجون، لكنهم يعبرون عن رفضهم للواقع الجديد بالغرق فيما فات غرقا شديدا، ما يسمى بالنوستالجيا المرضية، وتعني محبة ما مر زمنه بشكل يفسد الزمن المحدث، ألسنتهم، طوال الوقت، تقول شيئا واحدا بطرق مختلفة: من سرق أعمارنا الجميلة؟! أين الأصدقاء القدامى الحقيقيون؟! كيف أفلتت الأيام الطيبة من أيدينا؟!.. وما إلى ذلك من الأقاويل التي طالما نستمع إليها في الشوارع والمقاهي والأندية وأماكن السهر والسمر ومن خلال الإعلام أيضا!
قد يكون رفض الواقع الجديد خطيئة (الخطيئة هي الذنب العظيم) إلا أنه خطأ في جميع الأحوال (الخطأ دون الخطيئة ويعني عدم الصواب)، والقصد أن الإنسان لا يجب أن يرفض واقعه الجديد، أيا كان، بالجملة، بل الواجب أن يتقبله ولو كان في صدره منه أشياء، ويمكنه أن يعامله بانتقائية بعد ذلك، يأخذ ما يناسبه ويطرح عنه بعيدا ما لا يناسبه، وأن يتخفف في انتقاده لأن كثافة الانتقاد وحدته قد تؤديان إلى الانفصال عن الواقع، والانفصال معطل طبعا، ويعني أن الإنسان بدأ يعتل بالفعل، يشرد عن وقته الحاضر ويفكر في الوقت المنصرم؛ فيفقد الحياة الملموسة المرئية ويتوه في حياة ماتت تفاصيلها..
في كل واقع جمال، كبر أو صغر، والإنسان عليه أن يبحث عن الجمال بإخلاص، ومهما يكن القبح مسيطرا في الواقع الذي جد وصار مفروضا؛ فإن الشاعر وجد مخرجا رائعا من المأزق حين قال: وكل قبيح إن نظرت لحسنه… أتتك معاني الحسن فيه تسارع!!
على الإنسان أن يتأكد أيضا من أن القديم له مساوئه، يتأكد بالوعي طبعا، حتى لو كان القديم أكثر وداعة ولطفا، وأن التقدم الذي يحدث، مع جريان الجديد، التقدم العلمي والتكنولوجي تحديدا، يفيد مقدار ما يضر، بل يعوض خسارات سابقة فادحة، ويمكننا تجنب أضراره وتحصيل فوائده بالنباهة والتركيز، لا أن نتركه كله بدعوى أذاه!
لا مانع من السفر إلى الزمن الغابر، بين فينة وأخرى، لكن ليس للإقامة هناك، ولا حتى للمقارنة التي تنتصر لزمن فات على حساب ما أتى، ولا العكس، إنما للتبصر واستخلاص الدروس والعظات والتيقن من ارتباط الأزمنة ببعضها، بحيث تتكامل الأزمنة، بكل خصوصياتها وبكل ما يميز أحدها عن الآخر، ولا تحتاج بالمرة إلى ما يكملها من خارجها.
اقرأ أيضًا
ما فعله السيتكوم في جيل الثمانينات.. هل دمر مفاهيمنا عن الواقع؟
اللعبة الزمنية، إن لم نكن على دراية بقواعدها، يمكن أن تكون مهلكة لأغلبيتنا البشرية، لا سيما وهي جذابة، فليتنا نكف عن السذاجة بإزائها، بالحرص على قراءتها بعمق وتفهم أبعادها، فلا نفتقر إلى الحكمة ولا الحنكة ما دمنا نمارسها.
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد