سردية الأسطورة الدينية الصهيونية قتلتها حلقة واحدة من الدحيح
فلسطين حكاية الأرض هي حكاية وقضية عادلة لا تحتاج للفزلكة أو التدليس، فقط طريقة جيدة لتقديمها للعالم، ويبدو أننا أمام أفضل طريقة لذلك بعد ما جربنا عدة طرق سابقة.
اقرأ أيضًا
حكاية الأرض .. كيف نجح الدحيح باختصار غير مخل في شرح احتلال فلسطين ؟
«لا يوجد طريقة مؤثرة في توصيل أي فكرة أقوى من أنك تجعلها قصة»
مقولة مشهورة للكاتب روبرت ماكي، فالقصة لها سحرها الذي لا يفنى مهما مرت السنوات تتنقلها الجدات من جيل لجيل، ومن الغريب أنه حتى في الحروب والصراعات والتاريخ الإنساني نستخدم فقط صناعة الحكي والقصص، لإيصال المعلومة، فنحكي أن جدتي قد حكت لي ذلك عن تاريخ هذا الحادث.
لتأتي حلقة أحمد الغندور وفريق إعداده والذي لهم كل الشكر والتقدير على هذا العمل البديع، لتعطي لنا هذا التأثير المهم لقوة القصة في هذا الوقت الصعب من الإبادة العرقية التي تحدث في فلسطين، فبعد إذاعة حلقة حكاية الأرض للدحيح أحمد الغندور أشاد الجمهور بالحلقة التي حصدت ملايين المشاهدات في خلال ساعات على الرغم من طول الحلقة الذي تعدى ساعة والذي يعد كبير مقارنة بباقي حلقات برنامجه.
لنجد أنفسنا أمام نمط جديد من تقديم المعرفة الخاص بالقضية الفلسطينية يناسب العالم الآن، ويناسب أكثر فئة الشباب والمراهقين العرب والأجانب على حد سواء غير المهتمين بالشأن العام السياسي أو غير محبيبن لقراءة الكتب الطويلة ولا حتى أفلام وثائقية طويلة بل يريد معلومة سهلة وبسيطة يستطع أن يعرف القصة الكاملة من خلال فيديو قصير مشبع بالمعلومات والصور المرئية مع وثائق ومصادر وشهادات ليعطي الحلقة عن الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين مصداقية كبيرة، مع الحرص أن تكون تلك المصادر والشهادات من أناس غربيين وإسرائيلين ليجعل الإدعاءات الصهيونية على مدار تلك السنوات في مأزق حقيقي ويبين كيف أن كل تلك القصص الصهيونية التي تقولها إسرائيل هي أساطير أولين ما زالوا يعيشون عليها.
ليست حلقة الدحيح مهمة فقط لجودتها ودقتها ومناسبتها للرتم السريع للعالم، بل لأنها جمعت شتات الحكاية وفندت الأسطورة الصهيونية.
اقرأ أيضًا
إضاءات على حكاية الأرض أول مقال نقدي لحلقة برنامج يوتيوبي
فكنت تجد أن هنالك دائمًا حلقة مفقودة في كتاب يخص حكاية الأرض الفلسطينية، لأن كل كتاب في النهاية يحمل وجه نظر لكاتبه مع التركيز على جانب واحد من القضية، ربما يكون جزء جغرافي أو إنساني ولكن لم يخرج كتاب يشمل كل الجوانب، فجمع فريق العمل شتات الحكاية، ليجعلها مكتلمة الأركان تستطيع منها أن تعي كل شيء عن تاريخ الاحتلال منذ كان فكرة وحتى صار واقع.
وتأثير تلك الحلقة امتد ليكسر السردية الصهيونية عن إنشاء دولة إسرائيل، من خلال دحض ادعاءتهم بشهادة محاربينهم القدماء وعلماء اسرائيلين في مجلات مختلفة وقوانينهم الكاتمة لكل صوت مغاير يخرج من عندهم ليقول عكس تلك السردية، ليظهر دولة إسرائيل على حقيقتها كدولة فصل عنصري على أساس ديني وليست دولة ديمقراطية متحضرة كما تدعي، مع التشديد الواضح والتكرار في كل جزء من الحلقة على أحقية الفلسطينين في أرضهم منذ البداية وليس فقط التركيز على الجرائم الحالية التي ترتكتب على أرض غزة.
وأشار الغندور وفريق عمله إلى أن دولة إسرائيل قد قمت منذ البداية على البروباجندا وذكر ذلك عدة مرات أنها مزيج من الأساطير الدينية والطموحات الاستعمارية، وما هي إلا صناعة بروباجندا غربية، فالبروباجندا الإسرائيلية بارعة أن تحكي نصف حقائق مخلوطة بأساطير لتصنع منها قصص تلعب على المشاعر سواء اليهودية الدينية أو مشاعر باقي العالم الشاعر بالذنب بسبب الهولوكوست اليهودي، فيعطيها بعض المصداقية، فجاءت سردية الدحيح بطريقتهم في العرض بهذا الترتيب الواضح والمرئيات الممتازة مع البعد عن العواطف والتحيز لكونه جزء من القضية، فتسبب في جذب انتباه العالم له، أعتقد أن تلك الحلقة سوف تتناقلها أجيال لتصبح بوصلة لحكاية الأرض الحقيقية.
ومع انفتاح العالم الآن بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، أعتقد أننا سنجد أنفسنا خلال أيام من نزول الحلقة ستصبح مترجمة للانجليزية وعدة لغات أخرى كما أعلن، لنكون أمام تشكيل جديد لوعي الشباب والمراهقين حول العالم المتفاعلين مع السوشيال ميديا، ليعرفوا حكاية فلسطين التاريخية كما يجب وليس كما تحكي وسائل الإعلام الغربية، كما حدث منذ يومين في أمريكا،حيث أصبحت رسالة أسامة بن لادن للشعب الأمريكي تريند يتدوالها ملايين من الشباب والمراهقين الأمريكين، وذلك بسبب دعم أمريكا للكيان الصهيوني في الإبادة العرقية في غزة، وجاء تدوال تلك الرسالة من الشباب بسبب خوفهم من تكرار هجوم عليهم ثانية بسبب موقف بلادهم من الحال في فلسطين وكذلك اتهام واضح للحكومة الأمريكية بتضليلهم لسنوات عن حقيقة الحال في فلسطين، والرد كان سريع ومتوقع من الإعلام الأمريكي الموجه الذي حذف تلك الرسالة من كل مكان وحذف كذلك فيديوهات النشطاء التي قالوا فيها الرسالة وقالوا رأيهم في العالم الديمقراطي الحر الذي يدعون أنهم صنعوه.
ومازالت عند رأي أن الميزة الجوهرية لهذه الحلقة، أنها سهلة وبسيطة شاملة تستخدم مرئيات ممتازة متطورة مع جزء لا يخلو من الفكاهة، لتعطي نفسها فرصة للوصول لكل الناس من مختلف الفئات والإعمار، فالحلقة ستكون ممتازة للأطفال والمراهقين والشباب، وكل من يريد أن يعرف القضية في ساعة فقط، والأهم أنها ستخترق العالم الغربي لتقتل سردية الصهيونية بطريقتها وفي قلب صناعتها ، ليعتدل كفة الميزان قليًلا نحو أحقية الفلسطينين في أرضهم وليس فقط حقهم في الحياة والمياه.
فالأجيال الجديدة الغريبة حضرت ما يحدث حاليًا وتتأثر به لكن لا تعرف التاريخ، فهم يعرفون أنه كان هناك دولتين منذ البداية وليس دولة فلسطين وفقط، وتم احتلالها وتقسيمها لتصل لهذا الوضع.
كما صدم الدحيح الجمهور العربي نفسه في جزء مهم وخطير في قضية فلسطين المحتلة حيث أن هزيمة ٤٨ كنت صدمة لأن سبعة جيوش عربية بينهما جيش مصر وسوريا قد هزموا مقابل حفنة من العصابات، لكن تلك ليست الحقيقة بل إنهم هزموا أمام جيش نظامي يفوق عدده عدد السبع جيوش مجمعة قد تدرب على الحرب مع انجلترا في الحرب العالمية الثانية ومعه أفضل سلاح في العالم ويدعمه العالم الأول، فكيف يهزم بتلك السهولة فوقعنا أمام أكذوبة عاش عليها العرب لوقت طويل فتتها الدحيح كذلك لكن للأسف رغم أن هذه الأكاذيب من العرب بخصوص هزيمة ٤٨ كانت في سبيل قضية عادلة، إلا أنها ساهمت في ترك الناس للقضية، لأنها ميّعت القضية وجعلتها محط اهتمام ديني فقط وليس استعماري وسياسي واجتماعي وبعد إنساني لا يجب أن يهمل.
جعلها قضية لا يسكنها إلا خطاب عاطفي ديني في المقام الأول يعتمد على إلهاب المشاعر لا التفكير العقلاني، أن ده كان أحد أسباب توقف بعض الناس عن دعم القضية، لأن العواطف لها حد أقصى، لكن نهج المعرفة هي الحل، مقابلة الأكاذيب بالحقائق، التعلم من أخطائنا السابقة في مواجهة الإعلام الغربي لنعلب معهم لعبتهم على طريقهم، عندها يتحقق النصر.